23 ديسمبر، 2024 7:05 ص

بوصلة الإصلاحات بين توافق الكتل وتطلعات الجماهير 

بوصلة الإصلاحات بين توافق الكتل وتطلعات الجماهير 

المناداة بالإصلاح في حكومة العبادي بدأته الجماهير في الأيام الأولى من الصيف الماضي ..وساندته المرجعية الدينية في النجف ،وطلبت فيه ضرب الفساد بقوة.. وتقديم رموزه الى القضاء ..وتحسين الخدمات.. وتقليل الفوارق بين كبار الموظفين وصغارهم ..وتطوير النظام الإداري والاقتصادي في البلاد ..والقضاء على المحاصصة والطائفية في إسناد المواقع الحكومية. وظلت الجماهير تهتف بذلك والمرجعية تساندها.. وكان بين تلك المطالب تفاصيل جزئية لاقيمة إصلاحية لها على الواقع ولكنها ذات قيمة إعلامية.. فاستثمرها العبادي الذي ظهر في خطابه منتصف آب مؤيدا لمطالب الجماهير والمرجعية مستثمرا الزخم الجماهيري فأخرج حزمه الإصلاحية التي بدأت بإقالة الرؤوس الكبار من مناصبهم الرئاسية بعد أن صوت البرلمان على حزمته الإصلاحية في حلقات دراماتيكية سواء على المستوى الحكومي أو البرلماني أو الشعبي.. وبين مساند لها بقوة.. وساكت عنها على مضض.. وواقف ضدها باستحياء في المحافل الخاصة.. بين كل هذا عشنا جدلا عقيما لانفع فيه بين دستورية هذه القرارات والحزم وعدم قانونيتها.. ولم يمس أصل المشكلة إلا إعلاميا.. ومضى العبادي وفريقه الاستشاري بعيدا عن التحالف الذي اختاره رئيسا للوزراء وعن الكتل السياسية التي صوتت عليه وعلى وزارته وعلى برنامجه الحكومي..فكان يخرج علينا قبل كل جمعة بخطاب مكرر لاينفك فيه عن ذكر الرواتب وتخفيض الحمايات وانه يلاقي الاعتراضات من الفاسدين والأحزاب السياسية ..وفي كل جمعة تعيد الجماهير مطالبها والمرجعية توصياتها وتوجيهاتها.. فبتنا جميعا ندور في حلقة مفرغة لاندري ماهو الإصلاح وبرامجه وأهدافه فضاعت لدينا البوصلة وصرنا نخوض في تفاصيل صغيرة كمن يخوط ( بصف الاستكان) كما في المثل الشعبي فبدلا من أن تخرج علينا خطة اصلاحية لمعالجة ملف الكهرباء (الجنجلوتي) خرج علينا السيد العبادي بإلغاء وزارة البيئة ودمجها مع الصحة والتي هي أصلا مشكلة بيئية..كانت الاصلاحات التي خرج بها العبادي هي خبط عشواء وفوضى وقرارات متسرعة هدفها اعلامي ..ورغم كل هذا وذاك فقد أيدها الجميع خوفا من غضب الجماهير وأملا بأن القادم أفضل ولكن ذلك لم يحدث ..وحين صمتت المرجعية تولى الصدر المسؤولية بأوراقه الإصلاحية ودعواته للجمهور بالمظاهرات ثم الاعتصامات ..وأخيرا اعتصامه في خيمة داخل الخضراء.. ورغم ان حركة الصدر كانت لها جمهورها فهي ايضا كانت مدعاة للنقد من الطرف الآخر كونها انطلقت بعيدا ايضا عن التحالف الوطني وعن الكتل السياسية الأخرى وعن رئيس الوزراء وأن كان شك لديهم بأنه اتفاق مسبق..فتلاطمت بنا الأمواج بعد تصعيد المواقف والتهديدات بالاعتداء على المجمعات الحكومية ومسؤوليها فعمت أحاديث التغيير والشلع والقلع وغيرها من توقعات الفوضى وسقوط الحكومة.. وبعد أن عارض العبادي في البدء المبادرة عاد ليجد ضالته في تغيير وزاري مبني على التكنوقراط ومن دون مشاركة الاحزاب ثم عاد وطلب منها مرشحين تكنوقراط .. ولما لم تستجب .. ولما كانت الاعتصامات على الابواب ذهب العبادي وبيده ظرف مغلق مع خطة اصلاحية اكثر شمولا مما سمعناه قبل أشهر..هذه التحولات التي كنا نعيشها حدثت كلها في مدة لاتزيد عن اربعة أشهر والمتتبع لهذه التحولات سيجد فيها من التناقضات والتصريحات والاتفاقات والمبادرات والاتهامات والتنظيرات مايملأ مجلدا ضخما سيبين لنا بلا شك الفوضى السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي نعيشها اليوم ولولا ستر الله ودماء ابنائنا لكنا منذ زمن في خبر كان..صوت البرلمان على قبول اصلاحات العبادي ودراسة سير المرشحين الجدد والتصويت عليها خلال عشرة ايام تنتهي بعد سويعات ..واخرجت المحكمة الاتحادية توضيحا بجواز استبدال الوزراء بإقالة الموجودين والتصويت على المرشحين في الوقت نفسه بعد جدال عقيم آخر حول قانونية الترشيح..ورغم ان الوزارة الجديدة هي تبديل أسماء وليس من منهج واضح لإدارة البلد نحو معالجة القضايا الكبرى فيه أو الخطة الاقتصادية التي ستسير عليها الحكومة لانتشاله من واقع استهلاكي مقيت ورغم أن الوزراء باعتبارهم تكنوقراط سيقودهم رئيس وزراء ينتمي الى حزب الدعوة ورغم انهم اختيروا بطريقة غامضة ومن أشخاص غير معروفين ورغم اعتراضات حول قسم منهم بحق وبغير حق ..اقول رغم كل ذلك فقد صوت البرلمان بالإيجاب تحت ضغوط جماهيرية وخارجية..ولكن هذه الكتل لم تستطع ان تتقبل مايجري من سحب البساط من تحت أرجلهم فعارضوها بعد ساعات من تصويتهم فكانت المبادرة التي قدمها الحكيم حلا وسطا بين هذا وذاك بين رئيس وزراء حزبي يريد الاستحواذ على الوزراء ليجعل منهم سكرتارية وزارية انطلاقا من المطالب الجماهيرية وبين أحزاب تريد أن يكون كل شيء تحت إشرافها فلا حكومة أو إصلاح أو تغيير من دون إرادتها وموافقتها ومباركتها انطلاقا من شرعيتها في تمثيلها الانتخابي ..وكأنه صراع بين تطلعات الجماهير التي تريد أن تتخلص من المحاصصة الحزبية وتطلعات الأحزاب التي تعتبر نفسها ممثلا للجماهير في انتاج حكومة برضاها وإصلاحات بمباركتها..وفي خضم هذه الصراعات ضاعت بوصلة الإصلاح وضاعت المطالب الرئيسة فنحن اليوم مازلنا نتحدث عن فلان وفلان من المرشحين ولم نتحدث أبدا عن المنهج والبرنامج ولم نناقشه لا في الصحافة والاعلام ولافي اجتماعات الرئاسات ولافي أروقة التحالف ولابيننا في المجموعات التي نقدم بها خبراتنا وتصوراتنا..المضي في هذه الفوضى والسطحية في التعامل مع قضية وطن أمامه تحديات هائلة لن يوصلنا الى بر الأمان ولن يبني الدولة التي نطمح اليها وانما سيزيد الطين بلة وسيضعنا أمام أزمات وتحديات كبيرة..فعلينا قبل كل شيء أن نرى الخطط التي تنهي مشكلة الفساد والخطط التي تعطينا خدمات وتقضي على الأزمات والخطط التي تجعلنا دولة متقدمة في إدارتها واحترامها للمواطن دولة تدافع عن الفقراء قبل الأغنياء وتدافع عن العاطلين عن العمل قبل المسؤولين دولة تعامل الناس على أساس واحد وتوزع خيراتها على أساس الحقوق والواجبات الانسانية وليس على اساس المحسوبيات والقرابات والواسطات و..و..و..و ..ولكن هل من مجيب والقوم مشغولون بمن سيكون وزيرا ووكيلا ومستشارا ومديرا..