الى روح المرحوم الاستاذ خالص عزمي , صاحب الفكرة في ستينيات القرن العشرين ,عندما قدٌم الرصافي وصحبه في تلفزيون بغداد .
ض. ن.
+++++
غوغول- عندما وصلت الى بطرسبورغ بحثت عن عنوانك يا بوشكين ووجدته, وذهبت رأسا اليك دون موعد مسبق, وعندما طرقت الباب خرج شخص , وقلت له اني اريد ان اقابل بوشكين, فاجابني ان سيده لا زال نائما, اندهشت انا وسألته – هل كان بوشكين ساهرا الليل كله لكتابة القصائد ؟ فقال لي – كلا , كانوا يلعبون الورق.
بوشكين ( مقهقها ) – لقد اخبرني بذلك, وسألته من هو؟ فقال لي انه شاب غريب الاطوار ذو انف مقوٌس وشعر طويل يكاد يصل الى كتفيه .
غوغول – اصبت بخيبة أمل, ولم اكرر الزيارة ابدا . .
ليرمنتوف – ومع ذلك انت محظوظ يا غوغول, لانك تعرفت اخيرا الى بوشكين واصبحت صديقا له, اما انا فقد كنت صغيرا ولم استطع ان أنال هذا الشرف.
بوشكين – ولكنك استخدمت قصتي في المبارزة مع دانتيس للحصول على الشهرة.
ليرمنتوف – لم استخدم قصة مبارزتك للحصول على الشهرة, ولكن موتك صعقني , وعبٌرت عن تلك الحالة النفسية بقصيدة ( موت الشاعر ), وصدقني بانه لم يخطر ببالي ان ابحث عن الشهرة والمجد ابدا يا بوشكين.
غوغول – لا يوجد أديب لا يبحث عن الشهرة والمجد .
بوشكين – انا لم ابحث عن المجد , ( يصمت , ثم يضيف ) ولكن المجد جاء اليٌ بنفسه.
ليرمنتوف – وانا كذلك .
غوغول – مسكين انت يا بوشكين ومسكين انت يا ليرمنتوف, لأن هذا يعنيانكما لم تستمتعا بلذة المجد مثلما استمتعت به انا عندما طرق المجد بابي بعد كفاح رهيب ومرير وطويل .
بيلينسكي ( مقاطعا غوغول ) – ولكنك أضعته يا غوغول عندما أحرقت الجزء الثاني من روايتك الخالدة ( الارواح الميتة ), وعندما نشرت كتابك (مختارات من مراسلات مع الاصدقاء ) وقد كتبت لك رسالة حول ذلك .
غوغول – ( ممتعضا ) هذا رأيك الشخصي يا بيلينسكي ليس الا, وهناك الكثيرون الذين لا يؤيدون ذلك ولا يتفقون معك بتاتا .
بيلينسكي ( باستهزاء ) – انا لا اعترف بهم .
غوغول –(بغضب) و اظن انهم ايضا لا يعترفون بك .
بوشكين – لا تتخاصما , فالتاريخ هو الذي سيحكم و هو الذي سيقول كلمته الحاسمة والاخيرة بشأن هذه القضية.
ليرمنتوف ( مندهشا وهو ينظر الى بوشكين ) – من هو التاريخ هذا ؟
بوشكين ( متأملا ) – انه ذاك الذي يجلس معنا دائما ويتابعنا , بل و يراقبنا, ويعلن نتائج مراقبته ومتابعته امام الجميع بعد فترات زمنية, قد تقصر او تطول .
غوغول – ( مؤيدا ) نعم نعم, وقد رأيته عدة مرات في منامي, رغم اني لا انام في الليالي طويلا .
بيلينسكي ( مقهقها ) – بلٌغه تحياتي يا غوغول عندما تراه في منامك في المرٌة القادمة .
غوغول – ( بحدٌة ) سابلغه بسلامك حتما , ولكن ماذا ساقول له اذا سألني من هو بيلينسكي؟
بوشكين ( معاتبا غوغول ) – لا تتسرع في الاحكام .(بعد لحظات صمت ) واذا سألك التاريخ يا غوغولمن هو بيلينسكي فقل له انه ذاك الذي كتب عن بوشكين احدى عشرة مقالة نقدية مطولة .
غوغول – ( مشيرا الى بيلينسكي ) لقد استلهم تلك المقالات من روحية مقالتي ( بعض كلمات عن بوشكين ) وفحواها, والتي نشرتها في بطرسبورغ عام 1835.
بوشكين – قرأ الكثيرون مقالتك تلك عنٌي, ولكن بيلينسكي الوحيد بينهم الذي استطاع ان يكتب احدى عشرة مقالة , أليس ذلك مدهشا ورائعا ؟
غوغول – ( باستسلام) صحيح , ( بعد لحظات صمت ) سأذهب الى الكنيسة للصلاة .
ليرمنتوف – أما انا فساذهب للمشاركة با لمبارزة , والا سيعتقد ون باني بدأت اتردد او اني قد جبنت .
بوشكين – ( متوجها الى ليرمنتوف ) هل تريد ان تكرر مأساة موتي يا عزيزي ليرمنتوف؟
ليرمنتوف – لا اريد تكرار مأساة موتك يا بوشكين ولكني غارق في الحزن والسأم والكآبة .
بوشكين ( ينظر الى غوغول) – هل تتذكر عندما قرأت لي مقاطع من روايتك ( الارواح الميتة) التي اعطيتك مضمونها؟
غوغول – نعم اتذكر.
بوشكين – وهل تتذكر ماذا قلت لك انا في حينها ؟
غوغول – لا أتذكر.
بيلينسكي ( مقاطعا ) – انا اتذكر , لقد قلت يا بوشكين جملة تشير الى حزن بلادنا روسيا , حزننا الدائم, وقلت عن روسيا بالذات تعبيرا خالدا بقي صحيحا الى حد الآن وهو- ( يالها منحزينة!) .
ليرمنتوف – ( وهو يخرج متمتما ) اشعر بالسأم وبالحزن , وليس من أحد أمد له يدي …