قلت له , ان ( ابنة الضابط ) حسب ترجمة سامي الدروبي , او ( ابنة الآمر ) حسب ترجمة غائب طعمه فرمان , هي ليست رواية , والتي يسمونها بالروسية ( رومان او رامان حسب قواعد التلفّظ الروسي ) , وانما هي رواية قصيرة , ويسمونها بالروسية ( بوفست / الباء بثلاث نقاط) , وان بوشكين كتب ( يفغيني اونيغين ) , وهي (رواية بالشعر) كما أسماها بوشكين , وتعد العمل الابداعي المركزي والكبير لبوشكين , لانه استطاع ان يقدّم هناك نفسه باعتباره روائيا وشاعرا في آن واحد, وان دور النشر الروسية لازالت تطبع هذه الرواية لحد الآن , لانها لازالت مطلوبة من القراء الروس , وحكيت له , كيف اني قمت مرة بالتدريس في مدرسة روسية عندما كنّا طلبة في الكلية ( وذلك ضمن درس التطبيقات وبحضور واشراف الاستاذ الروسي ) , وطلبت من التلاميذ ان يقرأوا عن ظهر قلب رسالة تاتيانا ( بطلة تلك الرواية) الى اونيغين ( بطل الرواية هذه ) , فاذا بجميع التلاميذ يرفعون ايديهم لدرجة اني احترت ولم اعرف من اختار لقراءة ذلك المقطع الجميل , والذي يعرفه كل التلاميذ عن ظهر قلب . تعجب صاحبي من هذا القول الذي على ما يبدو انه يسمعه لاول مرة , وأجابني , ان ذلك يتعارض مع كل المعلومات التي يعرفها عن الادب الروسي , والتي اكتسبها من القراءة الواسعة للمصادر العربية عن هذا الادب, ثم سألني – وهل توجد ترجمة عربية لرواية بوشكين الشعرية هذه ؟ فقلت له , اني سمعت مرة من أحدهم ( ولست متأكدا من صحة هذه القصة ) , ان الجواهري ( والذي لم يكن يعرف اي لغة اجنبية ) طرح هذا السؤال على مجموعة من المحيطين به , لانه اراد ان يتعرّف على عظمة بوشكين ومكانته في مسيرة الادب الروسي , والتي سمع عنها الكثير الكثير , وقد جلبوا له فعلا ترجمة عربية لتلك الرواية , وبعد ان اطلع عليها لم تعجبه بتاتا, بل واستخف بها , وقد قلت للشخص الذي حكى لي هذه القصة , ان الجواهري لم تعجبه الترجمة العربية لتلك الرواية , وليس عمل بوشكين الابداعي ذاك , وحكيت له , ما قاله أراغون مرة حول ذلك , اذ سأله أحد الصحفيين – لماذا لا يترجم الى الفرنسية رواية بوشكين هذه , خصوصا وان زوجته الكاتبة الفرنسية الزا تريوليه هي روسية الاصل , وانهما معا يستطيعان ان يقدما ترجمة فرنسية جيدة لتلك الرواية ؟ فقال أراغون – انه حاول ذلك طوال حياته ولكنه لم يستطع ان يترجم سوى فصلا واحدا من تلك الرواية . ومن الواضح تماما , ان اراغون اراد ان يقدم طبعا عملا ترجميا حقيقيا يليق ويتناسب مع مستوى بوشكين بالروسية واراغون بالفرنسية . سألني صاحبي – ولماذا لا تترجم انت هذه الرواية الى العربية ؟ فضحكت وقلت له – اني احاول طوال حياتي ان اترجم قصائد بوشكين , وقد استطعت ان اترجم قصيدتين فقط – الاولى قصيدة (النبي) للمشاركة في جائزة اليونسكو بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد بوشكين العام 1999( انظر مقالتنا بعنوان – بوشكين واليونسكو وجواد الحطاب ) , والثانية قصيدة صغيرة بلا عنوان , ويطلقون عليها عنوان الشطر الاول منها وهي – كنت اظن ان القلب قد نسى , ونشرتها في مجلة جمعية المترجمين العراقيين في حينها , فقال – ومن سيترجم روايه بوشكين الشعرية اذن ؟ فضحكت مرة اخرى وقلت له – اذا الشاعر الفرنسي الكبير اراغون لم يستطع ذلك , فكيف تريدني ان اترجمها انا ؟ فأجابني – اريد جوابا محددا ودقيقا , فانا ارغب بقراءة هذه الرواية فعلا بعد حديثك الممتع عنها, فقلت له – تعلّم اللغة الروسية , وعندها يمكنك ان تقرأ تلك الرواية وغيرها من النتاجات الادبية الخالدة للادباء الروس, وعندها ستفهم من هو بوشكين – شاعر السهل الممتنع , وما سر عظمته وخلوده في مسيرة الادب الروسي والتاريخ الروسي ايضا , ولماذا يطلقون عليه في روسيا تسمية – ( شمس الشعر الروسي !).