18 ديسمبر، 2024 11:47 م

بوجه مَنْ سيبصق الوطن؟!

بوجه مَنْ سيبصق الوطن؟!

مازلت أشعر بالإهانة؛ كعراقي يرى المواطنة الأيزيدية نادية مراد؛ تجوب المحافل الدولية، وتتحدث عن قصص إغتصابها وقتل ذويها، وعراقية تتعثر بين ركام مدينتها الرمادي المنكوبة، وتحمل راية بيضاء غير مصدقة عودتها للحياة مرة آخرى، وأشعر بالعصبية ومئات الشباب يغادرون الوطن الى شبه إنتحار، وغربة تحملوا إضطرارها.
يؤسفني أن لا أجد العالم باكياً على مأساة العراق ودموع أمهاته، وأشعر بالغضب لأنهم إعتقدونا كهؤولاء الساسة الذين إشتروا فلل هناك، وأفقدوا الأمل عند جنوبي يتلضى على أمله المفقود.
لا ندعي المسكنة وإنتظار تصدق الدول، ولا نغرس في لحمنا وعظمنا غير نبات الوطن، وليس سراً أن كرم الشعوب لسواد أرضنا، وإكساءنا السواد، وتفريق تشابهنا وخلط أصيلنا بتقليدنا، وتضييع أصولنا، وإفساد حقيقة إنتماء لعمق جذورنا.
المجتمعات البشرية كالمجمعات السكانية، ليس المهم أن تملك مالاً وتقامر بها وأطفالك جياع، ولا أن تأتي بأجود أنواع المرمر دون طابع معماري حضاري، وحديقة لتنفس الهواء الطلق والتمتع بعالم الطبيعة، وولا تترك الأبواب مفتوحة أمام اللصوص والنصوص المنحرفة، وبِلا أسيجة وموانع محرمات، فتنبت في تربتك جذور الدواعش؛ مستغلةً فسحة الرأي وثوقب التفكير، وإنشغال ساسة بتبرير سوء التدبير؟!
لم ينزل الإرهاب علينا من السماء، ولم يأتينا الفساد معلباً، فالأول جاء بسبب الثاني، والثاني بسبب نفوس مريضة؛ عاشت في أرضنا كأشجار مقطوعة من جذورها؛ حتى سمحت للديدان بالتكالب علينا، وكلما ابتعدنا عن الأصل وقول الفصل؛ تسوست الأثمار والجذوع، ووقعنا جثة منخورة؟!
هروب بعض قادتنا الى الأمام ليس حلاً، وخلفهم إستحقاق وطن وسؤال مواطن، ودمعة يتيم وعويل ثكالى، وبكارة تفضها وجوه مغطاة بلثام العار وعار ماضيها، وثورة الإنتقام الى شرف مُباع في حانة السُكر بالدماء والنشوة بالألم، وهروب الساسة لا يعني النجاة، وقد يقبض عليهم التاريخ وينتزع هويتهم، ويبصق عليهم الوطن، ويتركهم يتوسلون أوطان افقدتهم جذورهم ونزعت اخلاقهم؟!
إن البلاد بحاجة الى تحالف أخلاقي، وتفتيش في ذاكرة الوطن، ومد مسالك الجذور وردم ثغرات الأنا الضيقة، وليس تحالف سياسي؛ يُقاسم الكراسي، ويُفكر بحقوقه قبل واجباته، والمسؤول قبل المسؤولية، والإشخاص فوق الدولة، والسلطة غاية المتصارعين.
التاريخ لا يُعيد نفسه بثوب مفتوق؛ إنما يمزق ثوب من رتق الوطن، وأوطأ رأس الأمة بين الأمم، وخذل بلاده بلا ندم؟!
ليس من الصحيح أن تتحمس لحرب مصالحية، وأصوات طائفية، ووطن تُحد عليه سكاكين؛ تنتظر إعياء أطرافه، ويقع مستسلماً في ساحة لا يجيد الدفاع عن نفسه، وينتظر ذباحه ويُنهب ثراءه المستباح، وكم هي إهانة عندما سكت بعض الساسة عن المأساة؛ ولم توقضهم صرخات الإغتصاب، وشرف يصعب السؤال عن بكارته، وقد إحتضن ارضه الديوث واللوطي؛ فيا له من عار وشرف يمزق؛ هبَّ له عراة الجنوب، وبيوتهم صفيح؛ تغلي حرارة صيف وغيرة وطن، وتركوا أطفالهم تحت اللظى، وتشبعوا ببرد الشتاء الى العظام؛ فإنجمدت أجسادهم على صدر الوطن، ولن يقبلوا بالإهانة، والتبعية العمياء، التي تجعل قضيتهم لافتة يحملها تاجر سياسي؛ بصق الوطن في وجهه.