15 نوفمبر، 2024 12:05 م
Search
Close this search box.

بوتين يُفهِمُ الغرب لغتهُ

بوتين يُفهِمُ الغرب لغتهُ

ليس غريبا أن ينقسم العالم اليوم بين مؤيد أو معارض للقرار الروسي الشجاع بدخول الحرب ضد المنظمات الإرهابية المتواجدة في سوريا والعراق وتأسيس منظومة للعمليات ومقرها ( بغداد ) لمواجهة هذا الخطر المدعوم بشتى أنواع التكنولوجيا والتسليح والتموين والإمكانيات والمعلومات الإستخبارية بعد موافقة مجلس الاتحاد الروسي ( اعلى سلطة شرعية ) على طلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالسماح للقوة الجوية للمشاركة في التصدي لهذه المجاميع الإرهابية ، مبنية على الطلب الذي قدمه الرئيس السوري بشار الاسد ، وبعد تلكؤ كل قوى العالم عبر ما يسمى بالتحالف الدولي وطائراته التي تحوم في سماء العراق وسوريا منذ عام في التصدي لهذه المجاميع ، والتي أصبحت هذه الطلعات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها عاملا مساهما في تقوية هذه المنظمات الارهابية وتوسعها حتى باتت تشكل خطرا كبيرا على دول المنطقة وروسيا بضمنها .

وليس غريبا على الماكنة الإعلامية الغربية التي تقودها الولايات المتحدة ومن ضمنها العديد من القنوات العربية التي تسير في فلكها أن تصنف الدخول الروسي للحرب لمواجهة إرهاب ( داعش ) وغيرها من الجماعات الإرهابية المسلحة ، بشتى المسميات ( كالإحتلال الروسي لسوريا ) أو ( الروس الصليبيين ) أو ( روسيا تساند الرئيس السوري ) وغيرها من المسميات التي لا تتفق وواقع الحال ، متجاهلة بأن الخطوة الروسية أولا بكونها تتفق ومباديء القانون الدولي وثانيا إن روسيا البلد الوحيد الذي يشارك في العمليات ضد تنظيم “داعش” في سوريا بشكل شرعي لأنه جاء تلبية لطلب من الحكومة الشرعية خصوصا اذا ما علمنا إن مثل هذه العمليات العسكرية لايمكن تنفيذها إلا بعد الحصول على تفويض من مجلس الأمن الدولي أو بطلب من الحكومة الشرعية لبلد ما .

وسائل الاعلام الغربية وحلفائها مدعومة بما يسمها البعض ( المعارضة السورية المعتدلة ) تتناول خطوة العمليات العسكرية الروسية في التصدي للإرهاب في سوريا ، كونه ( إحتلال ) أو محاولة روسية للإستيلاء على الثروات الوطنية السورية بعد الحرب ، متناسين أن روسيا موجودة في سوريا منذ عشرات السنين وله مواقف مشهودة معه ووقعت مع دمشق معاهدة الشراكة الإستراتيجية ، في وقت تغض

هذه الوسائل النظر عن ما يفعله الغرب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة في العراق ، الذي جاؤوه ( محرريين ) وبقوا فيه ( مستعمرين ومحتلين ) وسلبوا ثرواته منذ الأسبوع الاول من إحتلال العراق عبر ميناء أم الخصيب ، وإفراغ العراق من كل الثروات كاليورانيوم التي نقلت منه أمريكا عشرات الاطنان ، وغيرها من المعادن الثمينة و الإستيلاء على ثرواته المالية والنفطية ، وتدمير البنى التحتية الإساسية التي وضعت العراق في قائمة الدول الفقيرة على الرغم من إمتلاكه لثروات تجعله في مقدمة دو ل المنطقة ، وزرعت فيه أمراض فتاكة مثل الفساد ، عبر الجماعات التي جاءت على الدبابات الأمريكية ، ليحتل العراق المرتبة الأولى في العالم ، وغيرها من الممارسات التي أعادت العراق الى أكثر من قرن من الزمان ، بالاضافة الى تقاعسها في تنفيذ التزاماتها الأمنية تجاه العراق سوى في العقود العسكرية المدفوعة الثمن مقدما أو في مساندته في التصدي لهذه المجاميع الارهابية ، والحال هو الحال كما هو في ليبيا الذي يعتبر من البلدان الغنية لكثرة موارده وقلة سكانه !! ومثل لهذا الحديث مجلدات !!.

المتتبع لتطورات الأحداث فإن العمليات العسكرية الروسية جاءت بعد زيارة الرئيس فلاديمير بوتين الى الولايات المتحدة وحضوره الاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس هيئة الامم المتحدة ، والتي استقرأ من خلالها أفكار العديد من الدول تجاه النية الحقيقية للحصول على موقف دولي مساند للتصدي للارهاب بشكل جدي ، و بعد أن تكشفت زيف النوايا الامريكية وحلفائها في التصدي له ضمن طلعاتها الجوية ( الغير مجدية ) أو وما يسمح بالقول ( الوهمية ) ، و محاولات الغرب التضخيم من إمكانيات هذه المنظمات الإرهابية حتى حدى بالرئيس الروسي خلال لقاءه نظيره الامريكي باراك اوباما بالقول ( بان داعش لم تنزل من السماء ) ملحما وبشكل قاطع الى الدعم الامريكي وحلفاءها لهذه المنظمة الارهابية .

روسيا تدخل الحرب ( مكره أخاك لا بطر ) لا لدعم الرئيس السوري أو إحتلال سوريا ومقدراتها كما تحاول الماكنة الإعلامية الغربية وحليفاتها التسويق له ، بل هو بسبب ذلك الخطر الذي بات يهددها وكما أوضحت رئيسة مجلس الاتحاد فالنيتنا ماتفيننكو ، والمتمثل في التسلل المستمر للعناصر الإرهابية من ( داعش ) وغيرها ومعظمهم من مواطني آسيا الوسطى من بلدان الاتحاد السوفيتي السابق ، الذين استغلوا التسهيلات التي تقدمها روسيا لهم في الدخول الى أراضيها والاقامة فيها وحتى الحصول على الجنسية الروسية ، بالاضافة الى إنخراط الالاف من المواطنين الروس في هذه المنظمات ، والذين بدأ القسم منهم بالعودة الى البلاد وهم محملون بكل افكار التطرف التي تهدد مصالح البلاد القومية والوطنية على حدة سواء .

القرار الروسي بالمشاركة في التصدي للارهاب في سوريا جاء مفاجئا للإدارة الامريكية لأنه وباعتراف الأمريكان أنفسهم مبني على استراتيجية غاية في الوضوح تهدف الى تعزيز موسكو تواجدها في المنطقة وعدم تجاهلها كلاعب أساسي في جميع القضايا التي تتعلق بالشرق الأوسط والمنطقة العربية وليس في الملف السوري وحده ، بل وفي الملفات الاخرى ، وبعد أن ايقنت روسيا بإن الشلل قد أصاب غرفة العمليات الامريكية ما دفع الجانب الروسي لإظهار قوته ، كقوة فاعلة يحسب لها الحساب ، وبعد أن فقدت الولايات المتحدة استراتيجها في المنطقة حيث أعتبر السيناتور الامريكي جون ماكين ، إتفاق التعاون الامني والاستخباراتي الرباعي بين العراق وسوريا وايران وروسيا هو ” دليل ساطع ” على تراجع نفوذ بلاده في المنطقة في حين كشفت وسائل الاعلام الامريكية بإن إنشاء مركز المعلومات في بغداد جاء مباغتا للبيت الأبيض .

إن الوقائع والمعطيات الحالية أثبتت لروسيا بأن الغرب لا يعرف سوى لغة القوة العظمى ، والتحاور الند للند ، وإن خطوتها في أوكرانيا ومن ثم في سوريا أكدت صحة ذلك ، ويقول الصحفي شلومو أفينيري في كتابه الجديد الذي يحمل عنوان ( بوتينزم ) مخاطبا الغرب فيه ” لا يُمكنكم احتقار روسيا والتقليل من قوّتها ” لإن الرئيس بوتين أعاد إلى الشعب الروسيّ الشعور بالعظمة والأمن والآمان ، وتمامًا كما فعل جوزيف ستالين، الذي رأى فيه الغرب ديكتاتورًا، ولكن في روسيا اعتُبر بطلاً قوميًا، وتمكّن في نهاية المطاف من الانتصار التاريخيّ على النازيّة إبّان الحرب العالميّة الثانيّة ” .

نعم الرئيس بوتين الذي تسلم في فترة رئاسته الاولى عام 2000 في بلد ضعيف وهزيل مثقل بالديون ويقف على عتبة الافلاس المالي والسياسي ، ويحكمه ثلة من عصابات الفساد ، أعتمد ومنذ بداية حكمه على الرؤية الروسية التقليدية ، بوجوب أن تكون روسيا دولة قوية وذات قيادة قوية وترميم قدراتها العسكرية التقليدية ، لذلك وبحسسب قول أفينيري فإن والرئيس الروسي الذي يقاطعه الغرب منذ بدء الازمة في اوكرانيا قبل 18 شهرا، قد فهم جيدا اللغة التي يمكن أن يخاطب بها الغرب ، عاد الى قلب المسرح السياسي مع ملف سوريا بعد تعزيز الوجود العسكري الروسي في هذا البلد في الاسابيع الاخيرة . واقامة موسكو مركزا لتبادل المعلومات الاستخباراتية في بغداد مع العسكريين الايرانيين والعراقيين والسوريين بهدف ملاحقة تنظيم الدولة الاسلامية .

أحدث المقالات

أحدث المقالات