17 نوفمبر، 2024 9:21 م
Search
Close this search box.

بوتين… قيصر روسيا الغامض …يعيد روسيا بقوة الى المنطقة عبر سوريا والعراق وايران

بوتين… قيصر روسيا الغامض …يعيد روسيا بقوة الى المنطقة عبر سوريا والعراق وايران

فلاديمير فلاديميرفيتش بوتين يوصف من قبل الغرب “بقيصر روسيا الحديدي الغامض ” …فشخصيته محاطة بالغموض وتعابير وجهه الصارمة لا تشي باي انفعال.. وتحت حكمه اخذت روسيا تدريجيا تحتل موقعها الطبيعي كقوة عظمى خاصة في المشرق العربي .. وهو الدور الذي كانت تتمتع به في عهد الاتحاد السوفييتي السابق لانها منطقة مصالح حيوية لها …وموقف بوتين من الازمة السورية سلط الضوء من جديد على دور روسيا وقيصرها بوتين بحيث نال اعجاب البعض .. فيما هاجمه البعض الاخر … وقبل ان نخوض في الدور الروسي الجديد في سوريا والعراق  لنلقي نظرة على شخصية بوتين لان الدور الروسي الجديد مرتبط الى حد كبير بشخصية بوتين ومعتقداته واهدافه ونظرته الى دور روسيا في محيطها الاقليمي والدولي .
سيرة حياته
   ولد فلاديمير بوتين في 7 ت1 1952 في لينينغراد (سانت بيترسبورغ حاليا ) ، ابوه( فلاديمير بيرزونوفيج (1911-1999) كان مجند في اسطول الغواصات السوفييتي وشارك في الحرب العالمية الثانية ، وامه (ماريا)كانت عاملة في مصنع . له شقيقان اكبر منه : احدهما مات بعد اشهر من ولادته ، والثاني مات بمرض الدفتريا اثناء الحصار الالماني للينينغراد في الحرب .
  زاول بوتين رياضة السومو والجودو في المدرسة والتحق بكلية الحقوق بجامعة لينينغراد وتخرج منها عام 1975 ، ثم اكمل الدكتوراه في نفس الجامعة وكان موضوع اطروحته ” التخطيط الاستراتيجي للموارد الاقليمية في منظومة علاقات السوق ” . مما يعكس من وقت مبكر اهتماماته في الاصلاح الاقتصادي . وفي الجامعة التحق بالحزب الشيوعي ( واستقال منه في اليوم التالي للانقلاب على غورباتشوف 1991المدعوم من الحزبلاسباب وضحها برفضه صيغ الانقلاب لتغيير الاوضاع) .
   بعد تخرجه من الجامعة انضم الى جهاز المخابرات السوفييتية ( الكي جي بي ) وخدم فيها 16 سنة متنقلا بين شعبة مكافحة التجسس وشعبة مراقبة الاجانب والدبلوماسيين  كما خدم في درسدن بالمانيا الشرقية وعاد الى روسيا بعد سقوط النظام في المانيا الشرقية ، واستقال من خدمة المخابرات في آب 1991 برتبة مقدم طيار .
  دخل بوتين الخدمة المدنية في سانت بيترسبورغ ، اولا في الجامعة مسؤولا عن الطلبة ثم كمستشار لعمدة المدينة لينتخب في 1996 عمدة لها وهي ثاني اكبر مدينة روسية بعد موسكو ، كما تراس تحرير جريدة المدينة .
   استدعاه الرئيس بوريس يلتسين الى موسكو ليكون نائب رئيس طاقمه الرئاسي لغاية 1998 . ومن تموز 1998 لغاية آب 1999 عينه يلتسين رئيسا لمكتب الامن الفدرالي الروسي ( وهو التنظيم الذي تشّكل بدلا من الكي جي بي ) وفي نفس الوقت اصبح عضوا دائما في مجلس امن الاتحاد الروسي .
اعجب يلتسين بقدرات بوتين التنفيذية والتنظيمية فاختاره رئيسا تنفيذيا مؤقتا بعد استقالته المفاجئة في ك1 1999( وقد اصدر بوتين مرسوما يوقف ملاحقة يلتسين وعائلته بتهم الفساد وذلك ضمن صفقة بين الاثنين وهو ما اثار انتقاد البعض لبوتين ) . واصبح رئيسا للوزراء لغاية 2000 . انتخب بوتين رئيسا لروسيا لدورتين 2000الى2004 ومن 2004 الى 2008 ، وبسبب تحديد مدة الرئاسة لدورتين ، شغل من 2008 الى 2012 منصب رئيس الوزراء ليعاد انتخابه على رأس حزب ( روسيا بيتنا ) رئيسا لمدة 6 سنوات لدورة واحدة لغاية 2018( لهذا السبب تتهمه المعارضة بالدكتاتورية وتظاهر الالوف ضده في موسكو وهي مظاهرات وصفها بوتين بانها مدعومة من الغرب وامر بغلق مايسمى منظمات المجتمع المدني التي تتلقى دعما ماليا غير قانونيا من دول غربية في محاولة وصفها بتنظيف روسيا من التاثيرات الاجنبية الضارة – وفي رأيي ان روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عانت من فوضى الديمقراطية الجديدة على حياتها مما ادى الى فساد واسع وسيطرة المافيات الاجراميةعلى كل القطاعات وتم تفكيك الدولة ومنشاتها وبيعها للافراد بسعر التراب فظهر مئات المليارديرات ، فالحال هذه لا بد لها من قائد قوي ياخذ بيدها في هذه المرحلة الانتقالية ).
   تزوج بوتين من (لودميلا) خريجة معهد اللغات ( اللغة الاسبانية) في 1983( وتطلق منها لاسباب تقول لودميلا بسبب تفرغه الكامل لشؤون الدولة  وتجاهله التام لامور العائلة وذلك في حزيران 2013 )وله بنتان ماريا (28 سنة) ويكاترينا (27 سنة) لا يعرف شيئا عن حياتهما الخاصة .
انجازاته كرئيس
تم اختيار بوتين في 2007 رجل العام من قبل مجلة التايم ، كما اختير واحدا من بين 100 شخصية الاكثر تاثيرا في العالم في نفس السنة ، ولم يكن ذلك بلا سبب . فاليه يعود الفضل في استرجاع الاستقرار السياسي وتحقيق التقدم الاقتصادي لروسيا بعد فوضى التسعينات ، وقضى علىعصابات الاجرام المافيات الاقتصادية التي تغلغلت في المجتمع وسرقت الدولة ( وكانت حادثة القاء القبض على الملياردير اليهودي خودورفسكي وسجنه بتهمة التهرب الضريبي وتقويض الاقتصاد اكبر ضربة لعالم الجريمة المنظمة على الرغم مما يتمتع به خودورفسكي من دعم غربي ومن اللوبي اليهودي العالمي ورفض بوتين كل مطالب الغرب لاطلاق سراحه ).
   في عهد بوتين انخفضت البطالة والفقر الى النصف وزادت الاجور 3 مرات ونما الناتج القومي 73% ، واصبحت روسيا اكبر منتج ومصدر للنفط والغاز في العالم الامر الذي عزز مكانة روسيا على صعيد الستراتيجيا الكونية … وركز بوتين على تطوير الصناعات ذات التكنولوجيا العالية المستوى وتطوير صناعات الطاقة ، والاهم من كل ذلك تطوير الجيش والصناعات العسكرية خاصة في مجال الفضاء والذرة والدفاع الصاروخي والاسطول البحري واصبحت ميزانية الجيش في 2012 64 مليار $ ( وهي وان كانت اقل بكثير من ميزانية اميركا العسكرية البالغة 690 مليار$ الا انها في نظري ومن باب التحليل العسكري – ميزانية كبيرة ذلك ان حوالي ثلثي الميزانية العسكرية الاميركية تذهب على نفقات تشغيل وادارة القواعد والوجود العسكري في الخارج ومساعدة الحلفاء ونفقات الافراد العالية  في حين  ان روسيا متحررة منة هذه القيود ). كما ان القوانين الجديدة في مجال الضريبة والاستثمار ساعدت روسيا على تحقيق تقدم اقتصادي مدهش في عقد واحد من الزمان .
بوتين الانسان
   بوتين شخصية حار الغرب في تفسيرها فتقاطيعه الصخرية لا تساعد في تخمين مايجول في عقل الرجل .. وهو شيوعي سابق وليبرالي محافظ ، وهو خريج المخابرات السوفييتية المعروفة بصرامتها وتنظيمها الحديدي ، خدم فترة في الخارج ويتحدث الانكليزية جيدا ، ويحن الى امجاد الاتحاد السوفييتي ويحاول ان ترث روسيا عظمته اقتصاديا وعسكريا وسياسيا . حتى انه استبدل النشيد الروسي الوطني الجديد الذي وضع بعد سقوط الاتحاد السوفييتي بالنشيد الوطني السوفييتي السابق مع تغيير طفيف في الكلمات واللحن .
   بوتين رياضي من الطراز الاول يمارس الفنون القتالية وغالبا ما يشارك في استعراضات علنية في روسيا وفي زياراته في الخارج ( منها تحدي بطل روسيا في الجودو وبطل اليابان في زيارته الاخيرة لها ) ومرة كسرت يده في مباراة ودية مع بطل روسيا . وهو يشارك في مسابقات الفورملا للسيارات ، وغالبا مايقود الطائرات الحربية والسوخوي 27 هي المفضلة لديه ، كما يمارس هواية الصيد البحري والصيد في البراري . قام بنطويرالرياضة في روسيا وعمل على استضافة روسيا للالعاب الاولمبية الشتوية في صوجي على البحر الاسود عام 2014 وبميزانية فاقت 20 مليار $ لاظهار قدرات روسيا بالمظهر الراقي .
   في نهاية ولايته الرئاسية الثانية تم جرد ثروته من قبل لجنة مستقلة فكانت : 150 الف $ في المصرف وشقة مساحتها 77 متر مربع و260 سهم في احد المصارف قيمتها113 الف$ ، وبلغ مجمل مايملكه من سيولة وموجودات ثابتة 700 الف $ في بلد فيه عشرات المليارديرات والاف المليونيرات ( وهذه الثروة لا تشكل الا ذرة من ثروة اي نائب مستجد في البرلمان العراقي ) .
بوتين والسياسة الاقليمية
   استغلت اميركا وحلف الناتو فترة تدهور احوال روسيا في التسعينات فتمددت داخل مناطق تعتبر بوابات الامن القومي الروسي في محاولة لخنق روسيا ستراتيجيا ومنعها من لعب اي دور حيوي اممي في المستقبل . ونجحوا في ذلك كثيرا في توسع الناتو ليضم في عضويته كثير من الجمهوريات السوفييتية السابقة على حدود روسيا الغربية . وكان ماكان من غزو افغانستان والعراق ومحاصرة ايران واسقاط النظام في ليبيا في عملية خداع من الناتو بقرار ايدته روسيا على اعتبار ان التدخل الغربي هو تفويض لحماية المدنيين فقط . مايهم روسيا هي الحلقة الثانية لامنها القومي والتي تمثل اطلالتها على الخليج العربي والبحر المتوسط وافريقيا والمكونة من ايران والعراق وسوريا (الحلقة الاولى هي الجمهوريات السوفييتية السابقة وعلاقاتها المتنامية مع الصين التي تزداد وثوقا على اساس اقتصادي – سياسي – عسكري وصولا الى تشكيل محور جبار ينافس المحور الاميركي الغربي وهو ماتحاول اميركا منع تشكله ويتمثل ذلك بتغيير الاولويات الستراتيجية الاميركية من الشرق الاوسط الى آسيا ) .
   روسيا بوتين ترى ان اي تراخي روسي في هذه المناطق الحيوية لمصالح روسيا يعني خنق روسيا وتعطيل دورها الكوني وفي نفس الوقت تقويض الورقة الروسية الستراتيجية باعتبارها المجهز الاول لاوربا بالطاقة من خلال مد انابيب تصدير جديدة للغاز من الخليج( وتحديدا من قطر ) عبر تركيا وسوريا الى البحر المتوسط ( بعد اسقاط النظام ) ، بالاضافة الى حرمان روسيا من الفرص الاستثمارية في مجال الطاقة وغيرها ومن تصدير الاسلحة الى دول المنطقة التي تعتبر تقليديا معادية للتوجهات الغربية وصديقة لروسيا…لذا يرى بوتين وباسناد قوي من وزير خارجيته الذي لا يقل عنه عزيمة وتجهما (لافروف ) ، ان هناك خطوط حمر لا تسمح روسيا للغرب في عبورها وهي اسقاط النظام في سوريا واقامة نظام موال للغرب فيها فتسقط بذلك حلقة الحلف الروسي الايراني العراقي السوري وحرمان روسيا من الاطلالة المتوسطية ( والقاعدة الادارية البحرية في طرطوس ) وفرص الاستثمار الهائلة في ايران والعراق وفي سوريا ايضا ( بعد اكتشاف النفط والغاز بكميات كبيرة قبالة الساحل السوري ) .
    من هنا تبدي روسيا رغبة شديدة في عودتها الى المنطقة من بوابة الطاقة والاقتصاد والتسليح ، الا ان الامر لا يخلو من بعد ايديولوجي ، اذ تشعر روسيا بان الغرب يحاول اضعاف روسيا وتقويض دورها في منطقة النفوذ الحيوية لها في الشرق الاوسط . لذا تساهم روسيا بدور نشط في امداد ايران بالتكنولوجيا النووية والعسكرية والدعم السياسي تجاه العقوبات الغربية ، وتساعد النظام السوري في وجه الهجوم الغربي الخليجي التكفيري من خلال المساعدات العسكرية والتقنية والدعم السياسي ولجم الاندفاع التركي ضد سوريا بوسائل عدة تعرفها تركيا قبل غيرها فهي الخبيرة تاريخيا بقدرات الدب الروسي .
   ان روسيا اثبتت تاريخيا بانها حليف قوي وموثوق للدول العربية وموقفها تجاه قضايانا متقدم جدا عن مواقف الغرب واميركا وليس لها اي ماضي تدخلي او استعماري في المنطقة …والدخول الروسي الى الساحة العراقية عبر الاستثمارات النفطية وعقودالتسليح ينبغي تطويره لاحداث توازن ستراتيجي في علاقات العراق الدولية والاقليمية … والجيش العراقي لو اعتمد على التسليح الاميركي فسيستلزمه ذلك عشرات السنوات …اضافة للكلفة المالية والسياسية الكبيرة بسبب القيود التي تفرضها التشريعات الاميركية على تسليح الجيوش الاجنبية .. في حين ان التقنيات العسكرية الروسية مجربة من العراق وتمتاز برخص ثمنها وسهولة شروط التجهيز من حيث التدريب والوقت والصيانة . كما يمكن للعراق اللحاق بسباق التكنولوجيا النووية في المنطقة بالاستفادة من روسيا في بناء مفاعلات نووية لانتاج الطاقة الكهربائية ، وهي تقنيات يصعب الحصول عليها من الغرب بالمواصفات المطلوبة وغير ذلك من مجالات التعاون دون ان يترتب على هذا التعاون ثمن سياسي على العراق دفعه . وفي اخر تقرير لاكاديمية الدراسات الستراتيجية الروسية تفصيل كامل لمجالات التعاون الروسي والعراقي التي تحقق المصالح الحيوية لكلا الطرفين …
   من الان والى نهاية فترة بوتين الرئاسية في 2018 سيشهد العالم نمو محاور جديدة للقوى العالمية ستكون روسيا بقيادة بوتين احدى ركائزها الاساسية وان الاساس الحقيقي لهذا البروز والدور الروسي المستقبلي سيكون في منطقة المشرق العربي وايران على حساب الدور الاميركي – الغربي وبمساعدة التنين الصيني الذي يتبع الحكمة الصينية القائلة بعدم استفزاز الغرب حاليا لحين بناء القوة الذاتية الكافية التي اوشكت الصين على اكمالها وتلاقي مصالحها التجارية والسياسية مع مصالح روسيا بوتين .

أحدث المقالات