12 أبريل، 2024 1:26 ص
Search
Close this search box.

بوتين في بكين: تحالف الضرورة والشراكة طويلة الاجل

Facebook
Twitter
LinkedIn

من المؤكد؛ ان العلاقات والشراكات بين الدول العالم، بما فيها الدول العظمى والكبرى والدول متوسطة القوة، سواء الاقتصادية منها، او العسكرية، أو السياسية؛ يحكمها ويتحكم فيها الاقتصاد، أما القول بخلاف هذا، ما هو الا قولا ليس له وجود على ارض الواقع الفعلي. اي ان هذه العلاقات تحكمها المصالح في الاول والاخير، ولا اي شيء اخر غير المصالح. وايضا ان هذه العلاقات او المصالح؛ الحاكم لها؛ هو المبدأ الميكا فيلي ( الغاية تبرر الوسيلة)، أما القول عن المبادىء والقانون الدولي والاخلاق، الذين تلتزم بها وبموجباتها، القوى العظمى، بل جميع القوى الكبرى؛ ما هو الا، او الغرض منه؛ هو لتجميل وجوه هذه القوى العظمى، وتوفير مساحة واسعة في الاعلام؛ لتسويق خطاب الغش هذا. في الايام الأخيرة، وعلى وقع التوتر المتصاعد بين الناتو وامريكا من جهة وبين روسيا من الجهة الثانية؛ طُرِح البعض من المحللين الروس، او احد المحللين الروس، لجهة الدقة والوضوح في التناول والطرح؛ ان الاوضاع باتت ناضجة؛ لإقامة حلفا عسكريا واقتصاديا بين بكين وموسكو لمواجهة الناتو وامريكا، ومن الممكن ان يضم هذا الحلف المفترض، دول اخرى، كوريا الشمالية وايران وروسيا البيضاء وباكستان وسوريا؛ ليكون هذا الحلف موازيا في القوة العسكرية والاقتصادية، لحلف الناتو، كما كان عليه الحال حين كان في ذلك الوقت حلف واسو قائما اثناء الحرب الباردة، بل هو سوف يكون اكبر من حلف الناتو، واكثر تأثيرا من الناحية المعنوية والاخلاقية. الحديث هنا، لايزال للمحللين الروس؛ ليكمل احدهم ما سوف يفضي إليه، هذا الحلف من تغييرات وتحولات في واقع الصراع على الزعامة والنفوذ في العالم، مبينا؛ ويأتي هذا الحلف الروسي الصيني، في نهاية المطاف، او ينهي خطط حلف الناتو، اي امريكا للسيطرة على العالم. من وجهة نظري المتواضعة؛ لا اعتقد ان هذا الحلف سوف يرى النور، او ان الصين في وارد الدخول في اي حلف مع روسيا، اي ان هذا الافتراض، ليس له حظ في ان يكون له وجود في الوقت الحاضر ولا في المستقبل. ان الصين صحيح من الناحية الواقعية هي بحاجة الى الشراكة الاستراتيجية مع روسيا، كما ان روسيا هي الاخرى بحاجة الى هذه الشراكة؛ لأسباب تتعلق في التجارة والاقتصاد والاهم في الطاقة وهي الاهم في هذه الحاجة، اضافة الى اسباب اخرى، لا تقل اهمية عن ما سبق، ومن اهم هذه الاسباب الاخرى؛ هو التكتل اقتصاديا وتجاريا وماليا وسياسيا ودبلوماسيا، والتعاون العسكري، كمحور واحد في مواجهة التغول الامريكي. أما الدخول في حلف عسكري واقتصادي فهذا شكل اخر يختلف بصورة كلية عن هذه الشراكة، فالصين كما بينت في اعلاه ليس في وارد الدخول في حلف من هذا القبيل مع روسيا. أما لماذا؟ لأنه، اي هذا الحلف يفرض على طرفي الحلف؛ التزامات عسكرية، حين يتعرض احد طرفي الحليف الى اعتداء، او الدخول في حرب مع الند الأخر، اي امريكا ومن وراءها الناتو، بمعنى اكثر دقة ووضوحا؛ سوف تكون الصين مجبرة في الدخول، في الوقت الحاضر، او في اي وقت لاحق؛ في حرب مع امريكا والناتو، عندما تكون هناك حرب بين امريكا والناتو من جانب ومن الجانب الثاني روسيا. هذا الامر ليس له وجود في تفكر العقل الصيني، صاحب القرار، وفي التخطيط الصيني للمستقبل، تحت اي ظرف كان، الا حين تتعرض الصين، الى ضربات من الناتو وامريكا، وهذا هو الامر المحال في الوقت الحاضر، وحتى في المستقبل المنظور. ان الصين لا تريد ان تدخل في اي صراع؛ لا الآن ولا في المستقل المنظور، وحتى الى الامد المتوسط، الا اذا اجبرت على ذلك، وهذا امر هو الأخر، بعيد الاحتمال في ظل ظروف الصراع الحالية، والذي يحتل الاقتصاد والتجارة والمال والاعمال، مساحة واسعة من هذا الصراع، ان لم اقل؛ هو كلي المساحة من حيث الادوات والوسائل، وقواعد ومعايير العمل الحاكمة للصراع؛ في الحصول على النتائج المرجوة من خصمي الصراع، امريكا والصين، وحتى في ظل تطورها المقبل. ان الصراع بين امريكا والصين، هو صراعا اقتصاديا وتجاريا وماليا، في الدرجة الاولى من قبل الجانبين، أما استخدام امريكا لتايوان وحقوق الانسان والإغيور والتبت وغير هذا، هناك الكثير، من قبيل تطويقها اي الصين بالتحالفات؛ ما هي الا عناصر ضغط واستنزاف للاقتصاد الصيني؛ للحد من تطور هذا الاقتصاد، وتحجيمه، وليس الدخول في مواجهة عسكرية او التهديد بها، على الاقل في الوقت الحاضر، وفي الامد المنظور. أما الصراع بين روسيا وامريكا، فهو ليس في الاقتصاد والتجارة والمال والاعمال، بل في تقليم اذرع روسيا، او قص قوائمها العسكرية بما يجعل، هذه القوائم غير قادرة على الحركة في فضاءات ما كان يعرف في وقته؛ الاتحاد السوفيتي، ومجاله الحيوي في اوروبا الشرقية. حتى يتم لاحقا بخنقها في حدود جغرافيتها، مع دفعها الى سباق تسلح، يستنزفها اقتصاديا كما كان عليه الوضع في الاتحاد السوفيتي السابق، الذي كان واحد من اهم العوامل في انهياره؛ هو سباق التسلح، والكلفة المالية لهذا السباق؛ بما يؤدي مع تقدم الزمن الى هز كيانها الداخلي وخلخلة اسس اعمدته. ان الصين وضعها وقدرتها الاقتصادية والتجارية والمالية، على عكس روسيا تماما، فهي قادرة على توفير جميع عناصر ومستلزمات هذا السباق، من غير ان ينعكس سلبا على اوضاعها الداخلية؛ وهذا هو ما تعمل امريكا على تقزيم هذه القدرات. عليه فان صراع الصين مع امريكا يختلف تماما عن صراع روسيا مع امريكا. اضافة الى ان الصين، وببساطة؛ تريد ان تتفرغ الى ترصين وتقوية قوتها الضاربة، اي ان تحوز على قوة ردع موازية الى امريكا وروسيا. ان دخولها في حلف مع روسيا يجعل او يقوض ويقلل من مساحة مناورتها في هذا الاتجاه. كما انه يؤثر على علاقاتها الاقتصادية الواسعة والاخذة في التطور والتوسع مع دول الاتحاد الاوربي. كما انه اي هذا الحلف المفترض؛ سوف يؤثر على علاقاتها الاقتصادية والتجارية والاستثمارية مع دول اخرى في اركان المعمورة، من تلك التي تربطها مع امريكا علاقة شراكة او تحالف او صداقات او اشكال اخرى من العلاقات وهذه الاخير هي الاكثر في العدد والسعة والانتشار، وايضا في مجالات وصعد واسعتين. ان هذا التأثير سوف يكون كبيرا جدا، ان لم اقل كليا في الحصول على نتائج كلية غير منقوصة؛ بضغط وتأثير من الجانب الامريكي؛ يقود الى اخراج الصين لجهة الاقتصاد والاستثمار والتجارة، وغير هذا الكثير، من الدول الموالية لأمريكا، أو انها، اي هذه الدول التي تتحرك في الفضاءات الامريكية. الامر الاخر المهم والذي لا يقل اهمية عن ما اوردته في اعلاه، بل هو في علاقة تبادلية التأثير معه؛ هو ان اي تحالف صيني، او اي حلف صيني مع روسيا؛ سوف يؤثر على مخططها في الحزام والطريق؛ اي يرفع او يزيح منه الحيادية، بمعنى اخر اكثر وضوحا؛ يقلص مساحة حركته اي يكون مع دول محددة، قد لا يكون البعض منها يقع على مسار هذا الطريق الجغرافي، بفعل، كما اوضحت؛ الضغط والتأثير الامريكي. أما من الجانب الثاني، الا وهو دخول بعض الدول في هذا الحلف المفترض، ما هو الا احلام لا وجود لها في الواقع المتحرك على الارض، او لا وجود لعوامل واقعية وموضوعية ترجح كفة هذا الافتراض لجهة تحويله الى واقع. لأن دول العالم الثالث، وفي اغلبها، وما اقصده؛ هي الدول الحرة في قراراتها وسياسة تحديد مصالحها، وهي وبكل تأكيد قليلة بالقياس الى الدول الأخرى التي تربطها بشكل او باخر، بصورة أو بأخرى، علاقات لها تاريخ طويل، مع امريكا والغرب، هذه الدول على قلتها؛ لا تفضل او انها لا تريد ان تدخل في احلاف عسكرية واقتصادية؛ لأنه يجعل منها؛ أداة في صراع، في اغلب مجالاته ليس في مصالحتها، ان لم اقل جميع مجالاته، أو انه لا يخدمها ولا يصب في مصلحتها، بل انه يجعل منها؛ ضحية لهذا الصراع، وبالذات حين يتحول الى مواجهة عسكرية. صراع القوى العظمى كالصين وروسيا وامريكا، الاساس فيه، منطلقا، وتخطيطا وإجراءا؛ هو السيطرة والحصول على المغانم، في المجالات الحيوية التي يتم تخليقها عبر هذا الصراع. عليه فلا مصلحة لأغلب دول العالم وبالذات دول العالم الثالث؛ بالدخول في هذه الاحلاف او هذا الحلف الصيني الروسي المفترض، او الذي يفترضه المحللون الروس. الرئيس الروسي، صرح من بكين، التي يزورها لحضور حفل الافتتاح لأولمبياد الشتاء في العاصمة الصينية بكين؛ ان العلاقات او الشراكة الاستراتيجية الروسية الصينية كما وصفها بوتين؛ اكبر من اي حلف. الرئيس الروسي لم يجانب الحقيقة، بل انه قد افصح عن هذه الحقيقة اي حقيقة الشراكة الاستراتيجية الروسية الصينية؛ التي فرضتها عليهما؛ ظروف الصراع مع الخصم الامريكي؛ انما هي تظل شراكة استراتيجية، لا ترتفع، او لا يتم تحويلها الى حلف بين الشريكين. ان هذا التصريح بحد ذاته؛ يوفر الاجابة على السؤال الذي ينحصر في؛ هل تتحول هذه الشراكة الاستراتيجية الى حلف يوما ما، او في زمن مقبل، ذات يوم؟ من ان هذه الشراكة؛ من المستبعد ان تتحول الى حلف، كما بينا في اعلاه. لو كان الوضع بين الشريكين، على غير ما هو عليه، في الذي سلطت الضوء عليه، في اعلاه؛ لتم بحث موضوع اقامة حلف بينهما، منذ وقت ليس بالقليل من الآن، وهو موضوع مهم لروسيا، على عكس الرغبة والقرار الصيني؛ في ظل التجاذبات والاشتباكات والصراعات بين امريكا والغرب بصورة عامة، ولو ان الأخير بدرجة اقل وبسقوف واطئة، وبين المحور الروسي الصيني.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب