23 ديسمبر، 2024 6:31 م

بواكير التجربة الديمقراطية

بواكير التجربة الديمقراطية

توالى تأليف الكتب عن تعاليم كونفوشيوس، حتى يومنا هذا، لقد بلغ من كثرتها أن الرجل أو المرأة  إذا بدأ يطالعها في شبابه ويظل يقرأها باستمرار طوال حياته لما استطاع أن يتعمق فيها، لكن فن الحياة الأصيل العفيف النقي، الذي علمه الرجل لنفسه يشع من كل هذه الكتب وسيظل ينبثق منها الى الأبد.     
كان من أعظم معلمي العالم وأكثرهم بساطة في حياته. لم يكن قديسا أو نبيا، لم يكن لديه مفتاح لأسرار الكون، على الرغم من أن تعاليمه تذكر غالبا بحسبانها ديانة الصين، إلا أنه كان قليل الاهتمام بالدين.  قراءاته الواسعة جعلته لا يؤمن بجنة ولا نار، مع هذا فقد كان شديد الاهتمام بأن يكون صالحا. كان مبتكر قانون سحري أو القاعدة الذهبية، فقد لخص تعاليمه في هذه العبارة: (لا تفعل للآخرين ما لا تحب أن يفعلوه لك).
كان كونفوشيوس يحب الموسيقى والغناء. يكسب عيشه بتعليم التلاميذ ولم يكن هناك مبلغ محدد، لا يتقاضى شيئا على الإطلاق إذا كان التلميذ فقيرا وموهوبا. الملاحظات النثرية التي وصلت إلينا، نشعر ببساطتها لكنها صارمة، تمثل فكره، يقول في واحدة منها: (الخطأ الفاحش هو أن تكون لك أخطاء ولا تحاول إصلاحها).
لم يكن عاديا، بل معلما حازما كثير المطالب على تلاميذه أن يكافحوا في سبيلها، أن يكونوا سريعي البديهية، واضحي الإدراك، ذوي ذكاء بعيد المدى ومعرفة شاملة، صالحين لممارسة القانون والرحمة والاهتمام الجاد بالعمل.رغبته أن يعمل المجتمع كأسرة واحدة متحابة، يقول عن ذلك: أعتقد أن الطريق الوحيد للبداية، هو أن توضع في مراكز السلطة رجالا أخيارا حكماء. انه يسجل بواكير التجربة الديمقراطية. قضى حياته يتجول في جميع أنحاء الصين مع مجموعة من تلاميذه يبحث عن حاكم يتيح له الفرصة لإعادة تنظيم العالم. وقد طلب منه حاكم عصبي مستبد في ثورته وهيجانه أن يذكر تعليماته في فن الحكومة، فقال له:(تعلم أولا أن تحكم نفسك).
لو لاحظنا الكثير من مآثر الشرق القديم ومنجزاته الى الإنسانية، خاصة الفلسفات والديانات التي سميت بأسماء الذين ظهرت على أيديهم منها الطاوية والزرادشتية والكونفوشيوسية..الخ كلها تنادي للنهوض بتحقيق حقوق الإنسان. بعد كل هذا الزمن والتمدن، السؤال أين ذهبت الحقوق تلك ودعاتها ؟، ما الذي تحقق منها ؟، وما هو  الحال الراهن لحياة الإنسان العراقي؟. لعلها في قصيدة الشاعر محمد صالح بحر العلوم، ذائعة الصيت، التي نقتطف منها احتجاجات الإنسان العراقي المتعلم والأمي، العامل والعاطل، مهدور الحقوق :
              ليس هذا الدين دين الله بل دين القضاة
              لفقوه من أحاديث شياطين الــــــــرواة
              وادعوا أم من الله نظام الطبقــــــــــات
              إن يكن حقا فقل لي يا إلهي:أين حقي؟
              لم يؤثر بيقيني ما أقاسي من شــــجون
              فشجوني هي من أسباب تثبيت يقيــني
              ولتكن دنياي ما بين اعتقال وســـجون
              وليكن آخر أنفاسي منها: أين حقـــي ؟