لأسباب تاريخية واقتصادية وسياسية وجغرافية،يشكل الشرق الأوسط منذ زمن بعيد منطقة محورية في العلاقة بين الشرق والغرب ولهذا تجده دائماً في قلب اهتمام القوى المختلفة، منذ ان بدء بكثرة تداوله طرح مفهوم”الشرق الأوسط” السياسي والفكري في اواسط القرن العشرين الماضي ، بدأت المخططات الإسرائيلية ترسم ملامح ومعالم هذا الشرق وفق خطط وضعت بشكلٍ محكمٍة وتبنتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وسعت إلى تطبيقها على أرض الواقع من خلال رعايتها لاتفاقيات عديدة بين العرب والإسرائيليين جاءت تحت مسمّيات “اتفاقيات سلام” كان الهدف منها هو فرض هوية جديدة على أبناء الأمة العربية تتلاشى فيها أو تضيع المرجعية العربية لصالح وعاء فضفاض تمت تسميته بـ “الشرق أوسط الكبير” أحياناً وبـ “الشرق الأوسط الجديد” والذي لم يكن فهمه إلاعلى أنه تمهيد لحوادث قادمة واتفاقيات جديدة تشير بوضوح إلى أن انها مصممة على إعادة تشكيل الخريطة الجغرافية لدول الشرق الأوسط بشكل يقيم قواعد جديدة، ويعيد تشكيل المنطقة بالشكل الذي ينسجم مع الأهداف الأميركية والإسرائيلية لحماية كيانها الهزيل ويكون بديلاًعن الخريطة التي وضعت في بداية القرن الماضي ، والذي ظهر علائم فشله في الآونة الأخيرة بسبب التحولات والتقلبات الكبيرة التي حدثت في المنطقة والذي كانت “ترمي إلى تقسيم البلاد العربية، وفق العرق والدين والمذهب، متستراً بستار الديمقراطية وحقوقالإنسان، ونشر ثقافة السلام، وحفظ حقوق الأقليات، في إطار من مبادئ العولمة التي تتستر أيضاً بالمحافظة على الهويات الوطنية، ولا تفصح عن مراميها الاقتصادية وسيطرة الشركات العابرة للقارات. والمشروعان كانا مرتبطين متداخلان يهدفان إلى الإبقاء على دول العالم الثالث أسواقاً للرأسمالية الغربية، وهذا كان يتطلب إعاقة عجلة الإنتاج والاكتفاء الذاتي، وإلهاء الشعوب بقضايا جانبية، تحارب بعضها بعضاً باسم الدين والعرق والمذهب،وهذا ما حدث في الفترة الماضية على ان لا تنتهي إلا بانتهاء قدراتها وإمكانياتها وثرواتها ومواردها الطبيعية والبشرية فيها”وأصبح ربما أكثر حساسية وتأثراً بأي تطورات عالمية أو إقليمية أو دولية؛ إلا أن سلسلة الأحداث والقضايا التي فرضت، في الآونة الأخيرة، نفسها على الشرق الأوسط استدعت مزيداً من التحولات الاستراتيجية والتكتيكية في إدراك الشرق الأوسط ذاته للفاعلين الدوليين، وإدراك هؤلاء الفاعلين لأهمية هذه المنطقة وسعيهم إلى تعزيز النفوذ والاستئثار بموطئ قدم فيها يمكنهم من الإسهام في اللعبة الدولية بين مختلف أطراف النظام الدولي الجديد يفرضوا أنفسهم فيها ، وجعلت الاقتراب منه والتنافس عليه أمراً جديراً بالاهتمام وخاصة بعد التطورات الأخيرة والمتمثلة في صعود التنافس الصيني الروسي على أجندة المنطقة؛ بالإضافة إلى ما نتج عن التراجع الأمريكي على المستوى العسكري؛ وأخيراً ظهور فواعل دولية جديدة ، كما أن الهدف النهائي للورقة هو الوصول إلى رؤية مستقبلية للشرق الأوسط في ظل الصراعات الدائرة حوله.
لاشك أن لتراجع اكثر الانظمة في أرجاءالشرق الأوسط عن سياساتها السابقة التي كانت تعتمد الانكفاء للولايات المتحدة الامريكية المتواصل في المنطقة و التحولات الجيوسياسية الناجمة عن ذلك كانت من الأسباب المباشرة لفشل مخطط ” الشرق الاوسط الجديد ” ومن هنا سعت الإدارات الأميركية ولا سيما إدارتَي ترامب وبايدن،الى التراجع عن الكثير من موارد عملها لانه اخذت ترتطم بجدران ارادات شعوب المنطقة اولاً وأدت الى خفض الالتزامات العسكرية الأميركية بسبب الضغط الشعبي الداخلي ثانياً بعد فشلها في العراق وافغانستان وسورية من ارضاخ الشعوب كما فشلت سابقا في فيتنام و في كثير من البلدان الاخرى ولكن احتفظت بقضية مكافحة الإرهاب كذباً باعتبارها من الأولويات الأميركية الراسخة في المنطقة، ونتيجةً لذلك، تراجع النفوذ الأميركي في الشرقالأوسط، وأصبحت الولايات المتحدة أكثر نعومة وتقبّلًا لوجود هؤلاء الشركاء الجدد من خلال التحركات المكثفة و المكوكية المستمرة لوزير خارجيتها أنتوني بلينكن السعودية والصين وبلدان أخرى للتقرب إليهم ، طالما أنهم يدعمون أولوياتها الأساسية. لكن ذلك أفسح المجال أمام دول كبرى مثل الصين وروسيا، وقوى إقليمية مثل إيران وتركيا والسعودية وسائر دول الخليج لتعزيز نفوذها في المنطقة، انطلاقًا من قناعتها الراسخة بأن مصالحها القومية تمتدّ أبعد من حدودها الوطنية.