ان الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 قد تم بالاتفاق والتواطؤ مع بعض الدول العربية ، اضافة الى ايران وتركيا ، وهذا معروف للقاصي والداني . وعندما انسحبت امريكا من العراق تم ملء الفراغ الحاصل جراء ذلك من قبل ايران . وساعدها في ذلك صمت الولايات المتحدة ، وموقف رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ، الذي حاول اللعب على حبل الولايات المتحدة وحبل ايران في نفس الوقت لضمان بقاءه في السلطة ، الا انه رغم ذلك سقط باتفاق الدولتين ايضا ضمانا لمصالحهما الستراتيجية في المنطقة وفي العراق .
ونتيجة للممارسات الطائفية للسيد المالكي تجاه المناطق ذات الاغلبية السنية ، فقد دُفع البعض منهم للتطرف ، ودُفع البعض الاخر للتظاهر والمطالبة بالحقوق والامتيازات التي حرموا منها . . فامتد التطرف الاسلامي ، وازداد كلما زادت الشقة بين الحكومة وابناء الطائفة السنية . فاستغلت داعش ، التي تدعي بناء دولة الخلافة في العراق والشام ، هذه الاجواء لتحتل مساحات شاسعة من ارض العراق . فوجدت ايران الفرصة سانحة للتدخل اكثر فاكثر في العراق ، بدعوى محاربة الارهاب وحماية المقدسات ، فنشرت سرايا وكتائب قتالية موالية لها لتكون نواة للحرس الثوري في العراق ، على غرار تجربة الحرس الثوري الايراني . وكبديل للجيش العراقي الذي تكن له ايران العداء والبغضاء ، نتيجة الحرب العراقية الايرانية في الثمانينات من القرن الماضي .
هذا في العراق . . وفي سوريا تم استدراج المعارضة الوطنيةالسورية الى فخ الاسلمة اولا ، ثم التطرف الراديكالي ، فتحولت اغلبها شيئا فشيئا الى جبهة النصرة الموالية للقاعدة ، او الى داعش ، دولة الخلافة المزعومة . فاصبح طابع الحرب في سوريا طابعا اسلاميا متشددا تارة ، وداعشيا موغلا بالعنف والقسوة تارة اخرى .
ان امتداد التطرف الاسلامي في كل من سوريا والعراق ، قد ساعدت عليه الثورات العربية ، او ما يسمى بالربيع العربي وصعود الاسلاميين على اكتاف ابناء الشعب الثائرين ضد حكامهم ، وقد كانوا يفتقرون للتنظيم ، والفكر والقيادة ، فتم حرفهم عن مسارهم الديموقراطي الوطني ، الى المسار الاسلامي ، ابتداء والاسلامي المتشدد في نهاية الامر .
ان امريكا والغرب قد آثروا محاربة التطرف الاسلامي بكل تنظيماته واشكاله بمساعدة ايران . . وهذه سياسة الغرب التقليدية . حيث يستحسن تقاتل المسلمين بطوائفهم المتناقضة فيما بينهم بدلا من ان يزجوا برجالهم في حروب هم في غنى عنها . ولسان حالهم يقول ، رحم الله امرئ اكتفى بغيره ! ! . . وطابت الامور للامريكان لهذا الحد . . الى ان امتدت الفوضى من المنطقة العربية الى اوروبا ، حيث ان قساوة الحرب الاهلية على شعوب المنطقة قد دفعها للهجرة الى الخارج . فهاجروا الى الدول المحيطة ، ثم الى الدول الاوروبية بعد ذلك ، حتى فاق عدد المهاجرين اليها على المليون شخص ! . مما تسبب في ازمات وانشقاقات في الاتحاد الاوروبي ، وضغوطات لا قبل لهم بها . . . كما ان النيران التي اشتعلت في العراق وسوريا قد امتدت حتى وصلت الى اوروبا ، واحيانا الى امريكا . حيث شهدت اوروبا اعمال عنف ارهابية ، وتفجيرات اوصلتهم الى مايشبه حالة الحرب ، خصوصا في فرنسا وبلجيكا . وكادت تمتد الى عموم اوروبا . وقد تسببت مع الهجرة الضخمة اليها في مشاكل سياسية واقتصادية ، واجتماعية كثيرة ، ليس اخرها خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي . بل واصبح هذا الاتحاد في كف عفريت ، اذا لم يتم تدارك تداعياته المتكررة . هذا من جانب ، ومن جانب اخر فان تنامي الاصوات والمشاريع المطالبة بانشاء دولة او اقليم كوردي عازل بين تركيا وسوريا قد اجهض مشروع مد انبوب الغاز الستراتيجي من قطر والسعودية الى تركيا وصولا الى اوروبا . اضافة الى ان انشاء مثل هذه الدولة سيؤدي الى عزل تركيا عن الدول العربية ، وبالتالي تحجيم دورها في منطقة الشرق الاوسط . ان التدخل الروسي في الحرب الاهلية في سوريا لم يوئد الى حسم الموضوع لصالح النظام السوري ، كما كان متوقعا . وان الحرب لا زالت مستمرة ، ويبدو انها ستبقى كذلك ، لان الحل في سوريا كما هو في العراق لن يكون حلا عسكريا مطلقا . وان روسيا لا تريد التورط اكثر في هذه الحرب ، ولها مشاكل مع اوروبا وامريكا وحلف شمالي الاطلسي ، بسبب حدودها الملتهبه مع اوكرانيا وجزيرة القرم .
ونتيجة لكل هذه الاحداث ، نرى ان هناك مواقف جديدة قد انبثقت . . مثل المصالحة التركية الروسية المفاجئة . ثم تطبيع العلاقات التركية الاسرائيلية ، وبعدها عقد مؤتمر القضية الفلسطينية في باريس ، وزيارة وزير الخارجية المصري الى اسرائيل بعد قطيعة دامت مايقرب من عشر سنوات . . ثم انعقاد مؤتمر المعارضة الايرانية في باريس ايضا . وكلها تصب في اتجاه حلحلة المشاكل المستعصية في المنطقة . . . ويبدو ان العد التنازلي قد بدأ لانهاء الازمات والحروب في هذه المنطقة ، ابتداء من القضية الفلسطينية ، ثم الحرب الاهلية في سوريا ، والحرب غير المعلنة في العراق ، وحرب اليمن . والحرب الباردة بين ايران ودول الخليج العربي .
ان مؤتمر المعارضة الايرانية في باريس سوف لن يكون كسابقه ، حيث تم ايلاء اهمية فائقة عليه ، وقد تتخذ اجراءات فاعلة لتنفيذ مقرراته على مراحل ، خصوصا وان الوضع في الداخل الايراني قد يتيح فرص النجاح لمثل هذه التحركات .
ان مهمة داعش في المنطقة قد اوشكت على الانتهاء ، وان الدول الداعمة لها قد سحبت يدها ، اما لانها تعبت من مساندتها ، او لانها حققت اغراضها . وان الوضع في العراق ، رغم ما نشهده من ازمات متكررة ، وتدخلات لا حد لها من الدول المحيطة به . الا انه يتجه نحو الانفراج ، حيث ان التحشيد الطائفي لم يعد يجدي نفعا لكل الطوائف . خصوصا بعد ان كشف الشعب الاعيب السياسيين في شق وحدة الصف العراقي . وان موضوع استقلال كوردستان لم يجد له طريقا واضحا ، او اجماعا ناجزا . . . واذا بقي العراق كما كان سابقا ، او تحول الى فيدراليات مناطقية وليست طائفية ، فان الامر لايغير من كيانه ووحدته . واننا لا نتوقع حل جميع المشاكل والمعضلات بعصا سحرية ، او بجرة قلم . ولكننا نرى ان الوضع العام في العراق يتاثر بمحيطه ، وهو سائر نحو الصحو بعد الازمات والعواصف التي كادت ان تعصف بنا كوجود وكوطن . . . اننا بحاجة الى الهدوء والتعقل ، خصوصا بعد التحرر من الطغمة الداعشية للوصول الى حل يرضي جميع اطراف الشعب العراقي ، ويوثق بدستور جديد يقوم على مبادئ العدل والمساوات بين المواطنين .