الرؤية الشعبية التي جسدتها انتفاضة تشرين 2019 ، الى جانب شعارها المركزي “نريد وطناً”، طالبت بقوة بتجفيف منابع الفساد، وكان من بين المطالب التي رفعها شباب تشرين الغاء مجالس المحافظات التي عدها تجربة فاشلة، وبوابة من بوابات الفساد، ولعل زخم التظاهرات الشعبية في حينه، ادى الى انصياع الحكومة والسلطة التشريعية في ثلاثة اتجاهات: الأول استهداف الموظف بصفتها أضعف حلقة عبر تقليص خدمته التقاعدية، والثاني استقالة حكومة السيد عادل عبد المهدي، بعد إستشهاد 800 صوت وطني عراقي، اما الثالث وهو بيضة القبان فتمثل بانهاء عمل مجالس المحافظات.
غير أن حكومة المهندس محمد شياع السوداني، ومن ورائه الإطار التنسيقي، كان حريصاً على عودة مجالس المحافظات، كون الدستور ينص عليها، وفيما ضم برنامجه الحكومي اجتثاث الفساد، ضم أيضاً اعادة المجالس بلا أمانات.
بنظرة مواطن، يحاول ان يتجرد من اي وصف، فإن المجالس التي غابت عن المشهد العراقي لأكثر من سنة، لم يكن لغيابها أي أثر سلبي يذكر، بل لعله وفر لميزانية الدولة ارباحاً مالية، إذا عرفنا بمنطق الأرقام المشروعة فقط، وليس بما يسرب بالخفاء، أن مجالس المحافظات كانت تستهلك سنوياً ما لا يقل عن 137 مليون دولار كرواتب شهرية ونفقات.
وفي وقت يُحمّل فيه المواطن مسؤولية الاستنزاف المالي لميزانية العراق، من خلال النفقات التشغيلية، لايلتفت الى النفقات التي تذهب الى هذه المجالس، او تلك التي تحاط بالعناية والرعاية لأصحاب الدرجات الخاصة، والمسؤولين مع “الحبربش” بكل عناوينهم، اضافة الى ماتعرف بالنفقات الجهادية، ورواتب العوض لمن عاش ” محروماً” عن تراب الوطن، في ستوكهولم، ولندن، وواشنطن!!
واذا كان واخواتها، قد وجدنّ عبر تجربة ممتدة من 2013 ، في هذه المجالس، ارضاً خصبة للفساد، فيما يتطلع السيد السوداني الى تجفيف منابعه، فإن العودة ليست محمودة، ولاسيما أن التحصينات المحيطة بها لن تسمح لأحد بالتدخل بشؤونها ودروبها، حتى انها كانت تشكل عائقاً أمام السلطة المحلية .
ولأنني مواطن فقير يوطنّ نفسه بحسب ماتريده الحكومة، ستجدني منساقاً الى انتخابات مجالس المحافظات، التي حددتها في 18 كانون الأول المقبل، ولسان حالي ” قابل هي فلوس ابوي”، واردد مع نفسي مونولوج الراحل عزيز علي :
يا عرب كثروا الملاليح
وسفينتنا غرفة مي