لايمكن للمرء بعد أن يكتب عن البرزاني في حياد . لأن البرزاني نفسه خرج عن كل حياد . فقد بات صادم لكل وعي في الحياد . وهو نفسه لا يمكنه أن يتكلم في حياد ، فلقد تحدد شخصية البرزاني تماماً ، وأصبح منحازا لطرف دون طرف . وأصبح أسمه علم لنصف من الأصناف ولنوع بشري . فهو قد انسلخت عنه الصفة الشخصية ، ولا يمكن الحديث عنه بعد الآن سوى بوصف ممثلاً لطراز خاص من السلوك أو لفئة محددة من البشر ، فهو ما عاد يسمى بسمه المفرد بلا من أضافة نعت ما ليسمى به كأن نقول البرزاني الخائن أو البطل أو الثائر وغيرها من الصفات . لأن الحديث عنه بأسمه المجرد من أي نعت ، ما عاد يكفي لتحديده ، لأنه الآن يمثل جرح كبير في الجسد العراقي المدمى أصلاً . وبعد أن بلغ البرزاني هذه المرحلة من التأمر على العراق ، يبدو لا توجد ثمة بعد فائدة في أثبات خيانته وعدمها ، فهي ما عادة تحتاج لثبات لكثرة الشواهد عليها . فما هو مهم في الوقت الحالي ، هو قطع كل صله معه واعتباره عدو مبين لا يرجئ منه أي نفع ، كما لا يزال الكثير ، سوى في الحكومة أو على صعيد إلاشخاص بنظر إلى البرزاني بنفس المنظار القديم ، وكأن لم يحث شيء ولم يقم بما يضر البلد ويهدد سلامته . فالجهد الآن يجب أن ينصب في أعادة تقيم دور البرزاني في المؤامرة على العراق وحجمه ، والكشف عن كل علاقاته وأرتباطاته وطموح الغير شرعي في الاستيلاء على الأراضي العراقية . فلقد جلبت سياسة محاباة البرزاني والشعب الكردي أضرار كثيرة ، وتم تحميل العراق وشعبه كل الجرائم التي أرتكبها البعث في حق الأكراد والشعب العراقي . وجعل من الأكراد الضحية الوحيدة التي تستحق عناية خاصة . في حين تم في المقابل تجاهل مسؤولية شريحة واسعة من الأكراد ممثلة بعائلة البرزاني ومسعود نفسه وزر هذه الجرائم بتحالفاتهم مع البعث والقوة الظلامية في المنطقة . فمعروف أن فجرائم البعث عمت المنطقة كلها وليس الكرد وحدهم أصيبوا بها ، بيد أنهم ، أي الأكراد ، يحاولون استغلال تلك لتحقيق امتيازات خاص بهم على حساب الكل . ومن هنا بات من الضروري التخلص من عقدة الذنب التي عمل الأكراد على زرعها في الوعي العراقي . والسؤال الذي يطرح بعد أن وصلت العلاقة بين الكرد والحكومة لطريق مسدود ، هو السؤال عن الجدوى من بقاءها ، وهل ثمة فائدة من بقاء الأكراد جزء من العراق والذين هم عملياً منفصلين بكل ما تحمله كلمة الانفصال من معنى ، وهل لنا أن نقع على السبب وراء التمسك بهم ، أيوجد سبب اجتماعي ، اقتصادي ، أم سيكولوجي ؟ فلقد استثمر الأكراد تلك العلاقة بشكل أبتزازي في حين لم تحصل الحكومة وبقية الشعب عن أي شيء من تلك العلاقة ، بل قد جلبت كوراث كبيرة على الدولة والشعب ، ولم يتم التمسك بها سوى من قبل الحكومة وللأسباب واهية جداً . فالكراد هم عملياً مستقلين كلياً ولهم أضاف إلى استقلالهم الناجز والكامل ، تمثيل في دولة آخرى يستخدموها لغراضهم ولتعزيز دولتهم المستقلة ، ولا تعني لهم الحكومة المركزية أي شيء ، فهي مجرد أداة لا أكثر . ومع ذلك تجد الدولة المركزية تتمسك بهم لأنها تعاني من تدهور وتحاول أن تمسك بأي قشة . والبرازاني ذاته لا يكن أي أحترام لتلك الدولة ، ويحمل حقد دفين ضدها ، ويعامل كل أفرادها بعنجهية . وبما كل الشخصيات العراقية السياسية هزيلة وصفيقة فهو يعاملها في منتهى الازدراء ولكن تلك الشخصيات لا تملك ذرة من الحياء واحترام الذات فهي تنظر لهذا الازدراء كشيء طبيعي ، فهي قد تعودت على ذلك في المنافي ، فعلاوي وصدر وعمار والجلبي ، عادل عبد المهدي ، والمطلك وغيرهم كثيرون يعمالون من قبل البرزاني كخدم ، وبما أن هؤلاء لا يملكون أدنى مشاعر أحترام الذات فأنهم حتى لا يبدو يلاحظون ذلك . ومع ذلك ، تبقى الحقيقة هي أن استمرار العلاقة مع الكرد يدل على هزالة وضعف تلك الدولة . فالكراد لم يحترموا من الدولة العراقية أي مكون من مكوناتها ولا أي رمز من رموزها . وما زاد في استهتار الأكراد هو أن رغم كل المعاملة المهينة التي تخص بها السياسين العراقين تجد هؤلاء الناس يزدادون تعلق بها وكأن مصابون في بمرض إذلال الذات . فقد جعلوا من كردستان محرابهم وقبلتهم لا لأن كردستان تقدم العون لشعب أو للدولة بل لأنها تتأمر أمام أنظارهم ضد الحكومة والشعب العراقي . أن الكرد طيلة فترة ابتعادهم عن الحكومة سوى في عهد البعث ، أو بعد سقوطه ، في عهد الحكومة الحالية ، لم يغيروا تعاملهم لا مع الحكومة ولا مع أفراد الشعب العراقي فهم يعاملوهم بنفس الاحتقار ومع ذلك كلما زاد الأكراد احتقار لهم زادوا تعلق بهم ، بحجة مظلوميتهم لا بما تدسه في جيوبهم . وسر ذلك التجبر الكردي هو وضاعت السياسيين العراقين ، فهم كأنهم مجاديه ارتدوا لباس الوزراء فبقت روح الجدية تتمظهر في كل سلوكهم وحركاتهم . وحقيقة ، أنه ليس هنا من هو أفشل من هذه الحكومة ومكوناتها ، فقد أظهرت هزيمة الموصل تهرئ بنيتها ونسيجها المتهرء ، فقد بينت تلك الهزمية ليس فقد فشل تكوين الجيش وأنه مجرد تجمع عشوائي ، وإنما أظهرت أن الحكومة واستخباراتها لا تدري بأي شيء وليس لديها معلومة عن أي شيء ، وأنها حتى في أقرب المفاصل لها لا تعلم شيء ، أنهم أصحاب كهف حقيقيون . ولو كان هناك من يحاسبهم لعلقهم كلهم بلا أستثناء على أقرب عمود كهرباء . فما يسمى بخيانة الموصل ليس خيانة خارجية نسجها البرزاني والنجيفي وشلة عمان وغيرهم ، وأنما هناك منهم الكثير من الرابضين بمنطقة الخضراء وبغداد . والحقيقة أن نوري المالكي اظهر أنه مثل أطرش بالزفه ، رجل لا يدري شيء عما حوله ، ولا يعرف كيف يعالج الأمور ، ولهذا تراه بعد سقوط الموصل يستنجد بالأمريكان وهو لا يعلم مع من يقف الأمريكان ! وكان ينظر لهم قبل ذلك في أستعلاء ، فهو يسميهم في السلم ولد زبيبه ويدعوهم في الحرب ولد الأكارم . ولعل طامة العراق الكبرى أن كل سياسيه ، لا يساون شيء ولا يمكن الاعتماد عليهم ، وأن المالكي رغم فشله في كل شيء هو الوحيد بينهم الذي يمكن أن يوصلك للعتبة الباب ولكنه قطعاً لا يمكن يسير بك لنهاية الطريق . فما من حكومة أظهرت تهافت على نيل تأيد الآخر من مثل هذه الحكومة والذي أنساها أن ترى ما حولها لفقدانها الثقة بنفسها وحاجتها لنيل اعتراف الأخرى ، ولم تعمل أبداً على ترسيخ نفسه وقوتها ، وأنما بقت لملوم وخليط غريب يمكن أن يتمخض عن أي شيء . ولعل من ذلك ينبع سر تشبثها في الأكراد رغم الأضرار الجسيمة والقاتلة التي نزلها الأكراد بالحكومة والشعب العراقي ورغم هذا ترى هذه الحكومة تبذل الغالي والنفيس في كسب ود الأكراد من منطلق الحاجة لنيل ذلك الاعتراف في شرعيتهم والذي يأبا البرزاني لحد الآن الجود به على الحكومة ، بل أنه يزاد عتو كلما اشتدت الحاجة لذلك . فتشبث بالأكراد ينبع في الأساس من حاجة نفسية وليس من أي سبب أخر ، فهم لم يضيفوا ولم يعزوا مركز الدولة ولم يساهموا في بناء أي مرفق يخدم الدولة أو الشعب العراقي ، بعيداً عن المناطق الكردية . فمأساة الحكومة الحالية وبتالي مأساة الشعب ، هو أن هذه الحكومة لا تعرف تؤسس شرعيتها أعتماداً على نفسها ، وتحاول طلبها من الآخرين الذين يبأون منحها إياها . فما هو مهم في اللحظة الحرجة من تاريخ العراق هو عزل الأكراد عن الجسم الدولة العراقية وبقاء الخيار لهم في إعلان دولتهم المعلنة عملياً والتي لا تحتاج سوى اعتراف الآخرين بها . وتأسيس قوة عراقية لا تتفاهم مع كل الأطراف الداخلية سوى من منطلق القوة والعنف بعد فرخت الديمقراطية بيوض عجيبة راحت تفقس عن حيوانات ضارية لا تعرف الشبع من أشلاء ضحاياها . أي قامة حكومة دكتاتورية ليس هدف تخريب البلاد كحكومة البعث السابقة ، وأنما أعادة التوازن والاستقرار لما خلفته الديمقراطية والتخاذل من فوضى وضياع البلاد . وهذه عادة جرت في السابق ، في أستبدل شكل من الدولة في شكل آخرى عند الحاجة ، وحدث ذلك في موطن الديمقراطية اليونان ، حينما يدخل الحكم الديمقراطية البلاد في دوامة من الفوضى والفساد ، فيعمد للدكتاتورية كعلاج لمرض الديمقراطية . فلو أن العراق عمد إلى العنف وسار على صول الفرسان واتخذها منطلق له في كل واقعة ونازلة لما أستاسد عليه ثعالب المزابل . ومن هنا يجب حالياً ترك البرزاني يسرح ويمرح في احتلال الأراضي العراقية لحين تصفية حليفه داعش . فعلينا ، بعد أن اتضحت الأمور لهذا الحد علينا أن لا نأمل من عودة الرشد للبرزاني ، لقد قطع مسافة طويلة في الخيانة ولا يمكن له أن يتراجع عن غيه . وكل ما يمكن القيام به الان هو عزله عن داعش أو تحيده ، رغم أننا نعرف أن هو وغيره من أوجدها في الموصل مع الأتراك والسعوديين ، ولكنه ، مع ذلك ، لا يقدر نتيجة لضغط الداخلي أن يعمل بشكل سافر مع داعش بدون أن يفقد كل صفة وطنية على الاقل بنظر بعض السذج بكونه أي البرزاني يملك شخصية عراقية وطنية . فنسحاب الكرد من الحكومة العراقية هو في الحقيقة مكسب وطني وزاح إلى عبء ثقيل شل فعالية الحكومة ، بعدما أصبحت بلاد الكرد مأوئ لكل المعادين للعراق . وشيء طبيعي ، في مثل هذا الوضع المأزوم ، أن تكون الحرب مع الأكراد هي قاب قوسين أو أدنئ ولا يمكن درءها إلا بتحقيق كل مطاليب البرزاني التي لا تنتهي . فهو والحلف الذي شكله حوله منذ مؤتمر أربيل سوف لن تهداء مطاليبهم حتى تحقيق كل بنود ذلك المؤتمر . فالبرزاني حلفاء كثيرون في الداخل يجب تحجيمهم وشل كل تحركاتهم إذا أريد للعراق أن يستقل ويتعافى ويعتمد على نفسه . لذلك جاء انسحاب وزراء البرزاني من الحكومة منة من السماء كما يقال يجب أهتبالها وعدم تضييعها بسبب روح التخاذل والخوف المقيم من البقاء وحيد بعيد عن رفاق السوء . ولكن بدون شل كل حلفاء البرزاني في الداخل ، فأن سطوته سوف تتعاظم ، وسيشهد العراق تقسيم فعلي على يده ، بعد أن يلقي بفتات من العراق لكل زمرة أربيل من جسد العراق المقطع بحربة البرزاني الدامية . والعمل بسرعة على أبعد الكرد والبرزاني عن أي مشاركة في الدولة ، لأنهم في الحقيقة مثلوا طابور خامس في معرفة كل تحركات الدولة وخططها وجس نبضها ، وبذلك يكون العراق قد رفع عدسة رهيبة مسلطة فوق رأسه تحصي عليه كل حركاته وسكناته . فمشاركة البرزاني ساهمت مع بقية الأطراف في عرقلة عمل الدولة وإذا لم تتخلص الدولة من كل كل تلك الجهات المعرقلة فلا أمل في حدوث تغير أبداً بل توقع الاسوء فقط ، وتباشير ذلك المستقبل المظلم هي الآن على الأبواب ، وكل تأخر في العمل موت كل ما تحقق .
وطن قومي للأكراد لن يكون ممكنا لمجرد الحديث المرسل عن وجود مثل ذلك الحق. فانفصال إقليم عن دولة قائمة ومعترف بحدودها دوليا لا يدخل عمليا في المنطقة التي تقرها القوانين…..أما الحديث عن حق تقرير المصير فهو لا ينطبق على الحالة الكردية، ذلك لأن مناطقهم ليست محتلة ولم تكن لديهم دولة سبق وجودها قيام الدولة العراقية الحديثة. يحدث انفصال الأقاليم في حالة واحدة هي انهيار الدولة التي هي جزء منها. كما حدث في يوغسلافيا السابقة. أما العراق الجديد الذي ساهم الأكراد في بنائه فإنه في حقيقته ليس دولة. وهو ما يعرفه الأكراد جيدا إذا لم يكونوا قد خططوا له أن يكون كذلك, لقد عثر الأكراد على كلمة السرّ التي تجعلهم في منأى عن كل تداعيات الخراب الذي صار يضرب بكل تجلياته العراق منذ عام 2003 وفي الوقت نفسه كانت حصتهم من ثروة العراق تصل إليهم من غير عناء إضافة إلى أن الدستور العراقي الجديد ضمن لهم وجودا مؤثرا في إدارة الدولة العراقية لذلك فمن غير المتوقع عمليا أن يتخلى الأكراد عن أرباحهم في الدولة العراقية الجديدة من أجل أن يقيموا دولة فاشلة تضاف إلى سلسلة الدول الفاشلة في منطقة الشرق الأوسط
وطنهم القومي سيكون فكرة مؤجلة. ذلك لأن الأكراد لن يكونوا مستعدين لمواجهة قطيعة عالمية ستفرض عليهم، تبدأ من الدول المجاورة لدولتهم المتخيلة لمجرد الرغبة في إلحاق الأذى بالعرب الذين هم من وجهة نظرهم أعداؤهم التقليديون . العراق بوضعه الضعيف والمفكك لا يزال مفيدا للأكراد. لذلك فإن لعبة الاستفتاء الذي أعلن الزعيم الكردي مسعود البارزاني أنه لن يكون ملزما إنما تهدف إلى أشياء أخرى غير إعلان الانفصال.
* أولا، يرغب الأكراد في ضم كركوك الغنية بالنفط رسميا إلى إقليمهم.
* ثانيا، سيستعملون نتائج الاستفتاء الجاهزة سلفا ورقة ضغط على حكومة بغداد وفي الوقت نفسه على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المعارضين للانفصال.
* ثالثا، الاستيلاء على كركوك سيؤدي بالضرورة إلى قيام قاعدة لتعاون اقتصادي مشترك بين إقليم كردستان وتركيا وهو ما قد يؤدي إلى تليين موقف تركيا من مسألة قيام دولة كردية شمال العراق
أما شيعة الحكم فلديهم ما يشغلهم عن المشروع الكردي الذي صار يطرق أبوابهم لا في كركوك وحدها بل في ديالى المدينة العراقية المحاذية لإيران. فبعد ما أرتكب من جرائم في حق المدن ذات الأغلبية السنية صار هاجس الثأر الطائفي يلاحقهم. لذلك فإنهم حريصون على ألاّ يفتحوا معركة خاسرة مع الأكراد ويعرف الأكراد أكثر من ذلك. إنهم يعرفون أن طاقم الحكم الذي وصل إلى السلطة بعد 2003 برعاية أميركية يحرص على ولائه لإيران غير أنه بسبب انتهازيته السياسية لن يكون مستعدا للمغامرة بترك مكتسباته إذا ما خيرته الولايات المتحدة بينها باعتبارها ضامنة لاستمراره في السلطة وبين ولائه العقائدي لإيران ,يفهم الأكراد أسرار اللعبة. شيعة الحكم هم أميركيون إذا ما تعلق الأمر بالسلطة وهم إيرانيون إذا ما تعلق الأمر بالعقيدة. من هذا المنطلق فإن الأكراد لن يفكّوا ارتباطهم الصوري بحكومة بغداد. فهم لا يرغبون في أن يغادروا اللعبة خاسرين
حلم الوطن القومي يمكن تأجيله أما المكاسب المالية فلا يمكن التفريط بها. غير أن ما لا يمكن تخيله أن يستعيد الطرفان الشيعي والكردي علاقتهما بعد إجراء الاستفتاء. صحيح أن حربا لن تقوم حتى وإن أعلن الإقليم الكردي انفصاله عن العراق غير أن أيّ نوع من العلاقة حتى وإن كانت على سبيل التآمر على الطرف السني لن يقوم بين الطرفين
بعد الاستفتاء لن يعود الأكراد عراقيين حتى وإن لم يعلنوا دولتهم. وتلك نتيجة ستترتب عليها عمليات تهجير قسري ستصيب العراق بكارثة هي الأكبر من بين كوارثه في العصر الحديث.
على مدى عقود من الزمن، اتهُم الكُرد بدعمهم إسرائيل ومعارضة القضية الفلسطينية. وإلى جانب النزاع العرقي، فإن القضية الحقيقية بين الكُرد والعرب هي أن أحد الأطراف يريد جر الآخر إلى المشاركة في حروبه. وفى الوقت عينه، تحاول بعض وسائل الإعلام العربيّة وأحياناً التُركية والإيرانيّة تبرير الجرائم الّتي يتعرض لها الكُرد منذ عقود في سوريا والعراق وتركيا وإيران. وعلى الرغم من ادعاء أنقرة دوماً أنها تحارب إسرائيل، إلا أنها تواصل في خط موازٍ إرسال قوافلها التجارية إلى إسرائيل، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 4 مليار دولار في العام 2017.
ويجدر الإشارة هنا إلى أن الكُردي ليس عربياً وليس مجبراً ولا مطلوباً منه إعلان عداوته لأعداء العرب. ثم ثانياً، لماذا يجب أن يكون الكُردي ضد إسرائيل بسبب احتلالها للدولة الفلسطينية أو للجولان، بينما لا يُفرض الأمر ذاته على العرب، باعتبار أن تركيا بالنسبة للكُرد هي دولة تحتل أراضيهم، ورغم ذلك لم يسمع يوماً أن الكُرد طالبوا الشعوب العربية أو الدولة السورية والعراقية بإعلان العداء للأتراك أو بطرد السفراء الأتراك من دمشق أو بغداد أن العرب بغالبيتهم والسوريين المعارضين لنظام بشار الأسد بشكل خاص، يرون إسرائيل وحدها دولة احتلال، في حين أن تركيا تحتل مساحة جغرافية كبيرة من سوريا قديماً مثل لواء اسكندرون وجرابلس والباب وعفرين حديثاً. هذا ناهيك عن الاحتلال العثماني للبلدان العربيّة لعدة قرون. وربما يكون التبرير الأوضح لذلك هو أن تركيا دولة إسلاميّة ومن ثم، فان من يتضامن مع الفلسطيني ضد إسرائيل، عليه أن يتضامن مع الكردي ضد تركيا ودول أخرى تحتل أراضيه، وإلاّ فإننا سنكون أمام معادلة مليئة بالازدواجية في التعامل مع شرعية حقوق الإنسان والحريات والمعتقدات وبالتالي، كيف يمكن لمن يطلب من الآخر أن يكون ضد إسرائيل لجرائمها على شعبه وأراضيه، أن يقف مع آخرين مارسوا أبشع الجرائم وأعنفها ضد الكُرد في التاريخ المعاصر؟ وأعني بهم غالبيّة النخب العربيّة الّتي تُعادي إسرائيل دوماً وترحبُ بتركيا أينما كانت والملفت أن مظاهر الصراع العربي – الإسرائيلي بدأت في التلاشي بين اغلب المسؤولين العرب وذلك واضحاً مع وجود السفارات الإسرائيلية وقنصلياتها في عددٍ من العواصم العربية مثل القاهرة وعمّان، ورغم ذلك لا تتوانى بعض وسائل الإعلام والنخبّ العربيّة وقضيتها من وصف كُردستان المُحتمل قيامها في المنطقة بـ “إسرائيل الثانيّة” رغم البعد الجغرافي بين إسرائيل ومناطق الكُرد في كل من سوريا والعراق وإيران وتُركيا، ورغم عدم وجود أيّ علاقات إسرائيلية ـ كُرديّة رسميّة كانت أم ديبلوماسيّة ثابتة وواضحة وما يثير الحيرة حول هذه الصفة الملتصقة بالكرد عند بعض العرب، هو عدم وجود أسباب أو براهين واضحة لإطلاقها عليهم، فالكُرد يعيشون على أرضهم التاريخية بعد اتفاقية سايكس بيكو في العام 1916، والتي قسّمت بلدهم بين أربعة دول، فإذا ما قمنا على سبيل المثال بإزالة الأسلاك الحدودية بين سوريا وتركيا في كوباني مثلاً، سنجد عائلات كُرديّة مقسّمة بين دولتين وفي كلّ دولةٍ منها يعيش عدداً من أفراد نفس العائلة الكُرديّة، كذلك الأمر بالنسبة إلى العراق وإيران، حيث يتعرّضون دائماً للقمع وتربطهم هذه العلاقات الأًسريّة…أمام هذه الاتهامات العنصريّة اليوميّة ضد الكرد وقضيتهم التي تُعد من أعقد قضايا الشرق الأوسط، لا بدّ من التذكّير مرةً أخرى، أن إسرائيل لم تكن يوماً إلى جانب الكُرد، لكنها أيضاً لم تحاربهم بشكل مباشر كما تفعل الأنظمة الأربعة، إما عسكرياً كما حصل في عفرين مؤخراً أو معنوياً بمنع لغتهم وثقافتهم كما هو الحال في سوريا، مع الإشارة إلى أن عشرات المقاتلين الكُرد اليساريين قاتلوا ضد إسرائيل في فلسطين وجنوب لبنان مع فصائل عسكريّة فلسطينيّة، وكانوا في غالبيتهم من مقاتلي حزب العُمال الكُردستاني ذو التوجّهات اليساريّة في الثمانينات من القرن الماضي . ومن المهم في هذا الصدد، العودة لمرحلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي في نشأتهِ الأولى، أثناء الحروب التي نشبت بين الطرفين في فلسطين والجولان ولبنان وسيناء والأردن من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية، وكل المجازر التي قامت بها في تلك الفترة والدمار والتهجير، إلا أن سكان تلك الدول والمناطق من الفلسطينيين لم يكونوا دون أوراق ثبوتية، بل كانوا يتنقلون ويسافرون عبر وثائق سفر مؤقتة أو دائمة تصدر عن سلطات بلادهم أو سلطات الدول التي لجأوا إليها كما هو حالهم في سوريا ولبنان والأردن والعراق ومصر وغيرها من الدول الأخرى، بل إن إسرائيل منحت غالبيتهم جنسية دولتها، حتى أن بعض النخب الفلسطينية اليوم تحمل جوازات سفر إسرائيلية ومنهم منْ يدير مؤسسات إعلاميّة عربيّة تؤيد ثورات الربيع العربي والإسلامي السياسي المُعتدل والراديكالي أيضاً. يضاف إلى هذا الأمر، أن السلطات الإسرائيلية خلال صراعها مع العرب، لم تمنع الفلسطينيين يوماً واحداً من حق التكلّم والتداول بلغتهم الأم “العربيّة”، على عكس ما عاشه الكرد في أراضيهم, وفى ظل الصراع العربي ـ الإسرائيلي الحالي والّذي يظهرُ حالياً على شكلٍ حربٍ إعلامية فقط على بعض وسائل الإعلام العربيّة وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي، كان القادة العرب ووسائل إعلامهم يحاربون إسرائيل ـ العنصريّة والمحتلّة ـ كما يصفونها، في حين أنهم في الوقت ذاته في سوريا والعراق وعبر نظام هاتين الدولتين، كانوا يحرمون الكُرد من أبسط حقوقهم المدنيّة ومنها منعهم من حق التكلم والتداول بلغتهم الكُرديّة، حيث كان الكُرد في سوريا يعيشون دون أوراق ثبوتية، وكانت السلطات السورية لا تعترف بوجودهم أصلاً، رغم أنهم يعيشون على أرضهم التاريخية، حتى أن بعض الممارسات العنصريّة للدولة السوريّة كانت ترغم بعض الكُرد ممنْ كانوا يحملون الجنسية السورية على كتابة أنهم “عرب سوريون” في بعض الوثائق التي كانوا يطلبونها من الدولة وفي شهادات ميلادهم.هذا عدا عن تعريب أسماء المدن والقرى والبلدات الكُرديّة في سوريا ناهيك عن العراق، والتي عَمِلَ النظامين السوري والعراقي على تغيير ديموغرافية المناطق الكُردية فيها من خلال توطين عائلات عربيّة في مناطقهم سواءً في شمال سوريا أو العراق الّتي ربّما لن يتوقف فيها صراع المناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد اليوم وفي هذا السياق، يمكننا العودة لأرشيف المجازر الدموية التي نفذتها إسرائيل بحق الشعوب العربية في فلسطين المحتلة، والجولان، ولبنان وسيناء، والأردن، والتي رغم قساوتها وظلمها إلا أنها لا تضاهي المجزرة الكردية التي راح ضحيتها في أقلِ من نصفِ ساعة خمسة آلاف مدني إثر السلاح الكيماوي الذي استخدمه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ضدهم في العام 1988 بمدينة حلبجة في إقليم كُردستان العراق وفي السياق نفسه، لا يمكن إغفال الجرائم والعنف ضد الكُرد في تُركيا التي قالت يوماً، إن “كلمة الكُردي في اللغة التُركية تعني وقع أصواتِ أقدامِ جنودنا على الثلج”، في محاولةٍ منها لتصغير الكُرد. وهذه الإهانة لم تتوقف هنا، بل تواصل السلطات التركية حربها على الأراضي الكردية من خلال هجومها المبرمج والمنظم على مدينة عفرين بداية العام الحالي، حيث نجحت بمساعدة بعض المقاتلين من المعارضة السورية أن تحتلها وتهجر سكانها، وتقتل المئات بنيران طيرانها الحربي، دون أن يكون هناك أي موقف عربي واضح يستنكر هذه الجرائم ويطالب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بالتراجع والتوقّف عن قتل المدنيين في منطقة تتمتع بحكمٍ شبه ذاتي داخل الحدود السورية ولكن استبداد واحتلال هذه الأنظمة الثلاث وممارساتها العنصريّة ضد الكرد لا تختلف أبداً عن الدولة الإيرانية التي تعدمُ الكُرد بشكلٍ شبهِ يومي، فقط لأنهم يطالبون بحقهم في الحياة في أرضهم وإزاء كل ما ذكر أعلاه، نجد من الصعوبة مقارنة كل ما تعرّض له الكُرد في مناطقهم، بما عاشه الفلسطيني في إسرائيل أو في الشتات خلال فترة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وبالتالي لا مبرر لدى غالبية هؤلاء العرب في إعلان العداء للكردي، ولا يوجد وجه حق في أن يطالبه بإعلان العداء المطلق والأعمى لإسرائيل كشرط لتضامنه معهم، لا سيما وأن الأنظمة العربية تقف بصمت إزاء الاحتلال التركي الحاصل اليوم، ولم يعلن أي عربي العداء، المطلوب فقط من الكردي، ضد السلطات التركية التي تقتل وتذبح وتشرد أهالي سالمين في عفرين تحت ذريعة طرد “الإرهاب وباعتقادي كحلّ لمثل هذه المشاكل الّتي تقف عائقاً في وجه التعايش المشترك بين أبناء هذه الدول التي تقمّع الكُرد، على النخب العربيّة حين تقف مع الكُرد ألّا تضع شروطها الخاصة وتلعب دور الوصي عليهم. كذلك الأمر بالنسبة للكُرد، حين يكونون مع قضيّة عربيّة، عليهم ألّا يملوا شروطهم على الطرف الآخر. ولكن إذا استمر الوضع القائم والصمت المطبق على الظلم والتجاوزات التي تحصل وتتكرر بحق الكرد في سوريا والعراق وتركيا وإيران، سيكون من الطبيعي أن يتمنى الكُردي، لو أن إسرائيل هي الّتي احتلتْ أرضه عوضاً عن العرب والإيرانيين والأتراك!