دار الرحالة البرتغالي فاسكو دي غاما حول العالم ، هكذا كان يظن ، ولكنه أصلا لم يدور لأنه لم يجيء رحاله في الاهوار ولم يجدف بسفينته الى جانب الشخاتير التي صنعت لها ممراً مائياً بين غابات القصب من قضاء الجبايش وحتى قرية أم شعثة حيث تقع مدرستنا ، وحيث قادني هوس حلم الهجرات واحلامها لأفسر رحلة فاسكو دي غاما كما اتخيلها انا متأثرا بقول لامبرتو ايكو : العالم ما تراه أنت والوردة فقط .
وهكذا رأيت الرجل بمنظار ذاكرة المعدان حيث ينتهي عندهم ليل الرحالة بمديح مذكراتهم واهداءهم اؤلئك الطيبين مزيد من حبات الاسبرين ليقضوا على صداع رؤوسهم الذي لايعرفون سره.
أرسل الملك البرتغالي غاما في رحلته الأولى صوب الهند لأمرين اثنين هما نشر المسيحية هناك وجلب اطنان من توابل الهند ، وفي مسيره اكتشف النقطة الاقرب لطريق اوربا الى الهند عبر رأس الرجاء الصالح ، وايضا ( ربما ) جلب المزيد من الكركم والفلفل الاحمر والكاري الى موائد ملكه ليتخلصوا من ( زفرة ) اللحم اثناء الطبخ ويضيف اليه نكهة غيرت في ذائقة طعم الاكل الاوربي الكثير.
يقول شغاتي الكركم كان يجلبه العطارون من البصرة ، والبصرة تجلبه من الهند ؟
ولا أدري كلما تصب أمي مرقة البامية في صحون موائدنا اتذكر الكركم والبزار والكاري ، وتطور الامر عندما كانت توصيني عندما تكون لي سفره الى البصرة ان اجلب لها بهارات البرياني .
مرة سافرت الى البصرة مع شغاتي لأمر يهم تطويع مسعد احد التلاميذ الذي تجازوا المتوسطة وتطوع في البحرية وتم ايفاده الى الهند في دورة عسكرية ، وهناك حيث سوق الهنود في العشار أشاع عطر البهارات شهية التأريخ كله فلم تعد مرقة امي ووصيتها هي من تهيم على العرض المغري لأنواع البهارات وانواعها والوانها بل أن شهية الخيال في قصص الرحالة تمضي الى ابعد من ذلك حيث الهند وتخاطر الرؤى مع حياة الناس في الاهوار وعما يشاع من ان بعض اصلوهم ترجع الى الهند ، ولهذا كان الرحالة الاجانب يسألونهم عن البهارات وان كانوا يزرعونها او يستخدموها في تطيب مطابخهم ويردون :وهل رأيتم مجنون يضع الكركم على القيمر.
فاسكو دي غاما وكولمبس وماجلان هم سدنة خيال الكتب التي كما نمتع فيه سفر رؤوسنا مع القارات التي رحلوا اليها .
ولأن شغاتي يتذكر شيئا من حديث غاما وبهاراته قال بنباهته المعهودة.
ـــ استاذ هل ندور على رأس نهر العشار فلربما نكتشف محلا يبيع البهارات الفاخرة.
ضحكت وقلت :تقصد رأس رجاء الصالح .
قال : نعم ، لأنكَ دوختنا بقصصك عن رحلات هؤلاء ، وكأنهم هم من اتوا بالكاري الى قريتنا . لعلمك انا سألت عطار قريتنا مرة : ان كان هو من يجلب البهارات من الهند فقال : من يجلبها تجار بحارنه وعمانيون وبحارة هنود .
قلت : وهل فاسكو دي غاما معهم.؟
قال : لاغاما ولا كوامه …هذا سرق الكركم لخرفان ملكه.
ضحكت ، ونظرة الى وجه شغاتي . وقلت إن ذهبت الى لشبونة ذات يوم سأخبر تمثال غاما هناك :اني انقل له تحيات رجل من اهل المعدان يعرفكَ وسمع بأسمك.
اليوم أدور في شوارع لشبونة ، اشم عطر تاريخ من خواطر الغزوات والقراصنة ، واشاهد محنة الازمنة المالية في حياة البلد ، ليفاجئني محل لبائع بهارات هندي .
أبتسم واتذكر شغاتي وتخليدا لذكراه سألته إن كان لديه بهارات برياني .
فقالت مازحا :بهارات البصرة أم دلهي .
فقلت له كلا :بهارات شغاتي…………………!