يؤدي استمرار حكومة اقليم كوردستان العراق في الاستحواذ على حصته السنوية من النفقات الاتحادية (الجارية والاستثمارية)، مع الامتناع الكامل عن المساهمة في الايرادات الحكومية (النفطية وغير النفطية)، الى اتساع خطوط الصدع بين المركز والاقليم وتعميق الخلافات المستمرة منذ عقود حول السيادة الوطنية للعراق.
ان حكومة كوردستان العراق ضمن حدودها التي كانت قائمة عند التغيير عام 2003 يمكن ان تندرج، على الاغلب، تحت مصطلح الاستقلال بالأمر الواقع. وهذا الاستقلال تجلّى في ادارة الثروة الطبيعية لا سيما استكشاف وتطوير واستخراج وتصدير النفط وغيرها. علما إن الثروة الطبيعية هي مرتكز اقتصاد العراق وماليته العامة. وان اصرار حكومة كوردستان العراق على التصرف المستقل بالثروة النفطية ليس كما يقال بسبب عدم الاتفاق على قانون النفط والغاز، او التفسير المتفاوت لنصوص الدستور، انما هو مطلب الاستقلال الاقتصادي والسياسي للإقليم.
ورغم استمرار تمويل حصة اقليم كوردستان العراق من الموازنة العامة لغاية الان، الا انه لم يعطي الحكومة العراقية اية سيادة مالية على النفط ولا على المنافذ الحدودية وغيرها من الايرادات السيادية في اقليم كوردستان العراق. مع ان الموازنة العامة ليست مجرد قيود محاسبية للإيرادات والنفقات بل هي سلطة وتتمثل فيها السيادة على اعلى درجاتها، وهو المعروف في جميع الدول الاتحادية مثل الولايات المتحدة والمانيا والبرازيل … وغيرها، وهذا لا يتنافى مع سيادة حكومة اقليم كوردستان العراق لكنها طبيعة الدولة الاتحادية.
ان من اهم ضمانات المستقبل الحاكمة لطبيعة العلاقات بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان العراق دوام الحضور الفعال لانضواء الجميع تحت مظلة الدستور والتزام القانون في إدارة الخلافات القائمة بين الطرفين. وطالما تركزت العلاقة بين المركز والاقليم بمقايضة الاستقلال بمكاسب، مالية وجغرافية وترتيبات امنية وعلاقات اقليمية ودولية لإقليم كوردستان العراق مع البقاء اسميا ضمن العراق، فان احتقان الخلافات القانونية والاقتصادية في تطور مستمر.
المحور الاول: الإطار القانوني لمخالفات حكومة اقليم كوردستان:
في هذا المحور تم طرح السؤال الآتي:
س1// ما هي الاشكاليات القانونية المترتبة على العلاقة الراهنة بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان العراق، وما هي الحلول المناسبة لتوصل الى تسوية قانونية عادلة؟
تشكل العلاقة بين الحكومة الاتحادية في بغداد، والحكومة المحلية في اقليم كوردستان العراق واحدا من الملفات المعقدة في عراق ما بعد عام ٢٠٠٣، بل قد يكون من اكثرها تعقيدا وتهديدا لوحدة العراق وسيادته الدولية. فمن الناحية السياسية كانت وما زالت القوى السياسية في الإقليم شريكا اساسيا لبقية القوى السياسية العراقية (الشيعية والسنية على وجه الخصوص) وتتحمل معها مسؤولية كل ما يتعرض له العراق وشعبه من مشاكل وازمات، لاسيما ما يرتبط منها بتنامي معدلات الفساد واضعاف سلطة انفاذ القانون، والمحاصصة غير الكفوءة في ادارة الدولة، وفتح حدود البلد للتدخل الخارجي متعدد الأوجه، وقد تآزرت هذه القوى فيما بينها لخدمة مصالحها الضيقة على حساب مصلحة الوطن والمواطن. اما من الناحية القانونية، فالعلاقة بين بغداد واربيل مشوهة للغاية، فهذه العلاقة هي أكبر من علاقة حكومة اتحادية بإقليم اتحادي، وهي اقل من علاقة بين دولتين مستقلتين؛ ولا تخفي اربيل رغبتها بالاستقلال عن بغداد، لكن الظروف الاقليمية والدولية لا تسمح لها في الوقت الحاضر بتحقيق هذه الرغبة، وقد لا تدوم هذه الظروف الى الابد. هذا الامر جعل سيادة الدستور والقانون الاتحادي في الاقليم محل شك كبير، فمنذ عام ٢٠٠٣ الى الوقت الحاضر لم تخضع اربيل الى السيادة الاتحادية في فرض الرسوم والضرائب في منافذها الحدودية، وعلى اراضيها، كما لم تخضع ادارة مطاراتها وقوتها الامنية لسيادة بغداد، ناهيك عن استثمار واستغلال موارد الطاقة فيها، وتقريبا جميع قوانين الموازنة الاتحادية كان فيها الاقليم محل شك كبير في تنفيذ تعهداته المقطوعة لشركائه السياسيين فيها. لقد أصبحت هذه العلاقة المرتبكة ومعدومة الثقة والنوايا الحسنة بين الطرفين محل استهجان ونقد مستمر من كثير من العراقيين لقياداتهم السياسية وحكومتهم الاتحادية، ووجدوا فيها معايير تعامل غير عادلة وغير شفافة، وبات ضغط الرأي العام، لاسيما في وسط وجنوب العراق واضحا للغاية، وهو ينذر بتفجر موجة من الاحتجاجات الناقمة والمطالبة بتحمل جميع قوى ومكونات العراق لمسؤوليتها في تطبيق القانون، وحماية وحدة وسيادة العراق، والتوزيع العادل للدخل والثروة بين مواطنيه.
ان عدم ايجاد اطر مناسبة لمعالجة هذا الملف قد لا يهدد بإسقاط الحكومة وقواها السياسية، بل ربما يفتح الباب مشرعا الى تقسيم قسري للعراق ينذر بعواقب وخيمة للجميع، بما فيهم المواطنين الكورد الذين قد تتعرض مكتسباتهم وتطلعاتهم الى المصادرة بشكل او آخر، وليس بالضرورة حدوث ذلك من قوى محلية، فالقوى الخارجية متربصة وتنتظر الوقت المناسب للانقضاض على الاقليم وتحقيق مصالحها على حسابه.
ان الحل الامثل والاكثر امانا لملف العلاقة بين بغداد واربيل يكون عبر عقد سياسي نهائي تتخلى بموجبه القوى السياسية الكوردية على اختلاف مسمياتها بالولاية القانونية الواضحة للحكومة الاتحادية على اراضيها، وتطبيق بنود الدستور بكاملها دون انتقائية ومماطلة، والاشتراك الفعلي مع بقية العراقيين في خلق روابط مصالح اقتصادية وثقافية تشدهم بعضهم للبعض الاخر؛ بهدف خلق وحدة سياسية قائمة على الرضا والقناعة بدلا من وحدة مفروضة بحكم الظروف او قائمة على الشك وتحين الفرص لتحقيق مصالح ضيقة تهدد مصالح العراق العليا.
ان الفرصة متاحة لبغداد واربيل لتصحيح مسار العلاقة بينهما، وتلافي اخطاء الماضي القريب، فمصلحة الطرفين القريبة والمتوسطة والبعيدة تحتم عليهما ذلك، لكن ذلك يقتضي توافر الارادة السياسية والنوايا الحسنة والمهارة المطلوبة للوصول اليه. فالتعاون بين الطرفين تحت مظلة السيادة العراقية الواحدة والكاملة، وتطبيق نصوص الدستور بشفافية ووضوح تعد من الثوابت التي لا غنى عنها لحلحلة هذا الملف الشائك، والتي بغيابها سيبقى التوتر وسوء الفهم، وربما الصراع هي الهواجس المتحكمة باي رؤية تحاول معالجته، وستكون تأثيرات ذلك خطيرة للغاية في ظل ظرف دولي واقليمي يتطلب الذكاء والتعاون والعمل على قاعدة المشتركات الضامنة للصالح.
الاشكاليات القانونية بين المركز والإقليم عديدة وعميقة تقف في مقدمها:
1- المناطق المتنازع عليها، لا سيما محافظة كركوك.
2- النفط والغاز.
3- حصة الإقليم في موازنة الدولة الاتحادية.
4- المنافذ الحدودية.
وغير ما ذكر كثير والسبب في العلاقة غير الطبيعية بين المركز والإقليم التي تمتد جذورها إلى ما قبل العام 2005 أي قبل إقرار الدستور الاتحادي، فقد حصلت المحافظات الثلاث (دهوك وأربيل وسليمانية) على وضع قانوني خاص بها منذ العام 1991 بعد الانتفاضة الشعبية في الجنوب والشمال بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (688) الذي فرض منطقة حظر طيران شمال العراق، إذ أصبح لتلك المحافظات شبه استقلال تام عن السلطة المركزية في العاصمة وأستمر الحال إلى حين سقوط النظام المباد حين ساهمت القيادة الكردية في صياغة ملامح المرحلة الحالية فقد اشتركوا في التفاوض مع سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة ومن ثم دخلوا في تكوين مجلس الحكم وكان قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية بمثابة صياغة مباشرة لأغلب طموحاتهم فقد اعتبر ان العراق دولة اتحادية وخص كركوك وغيرها بأحكام معينة، ثم تلاه دستور 2005 الذي كان المؤسس الدستوري بغاية الكرم مع الإقليم فأعتبر في المادة (117)إقليم كردستان بسلطاته القائمة إقليما اتحادياً، وبدأت رحلة المشاكل القانونية مع المركز منذ العام 2005 ونستعرض فيما يلي لأهم المشاكل القانونية وهي:
1- تعديل الدستور: إذ أثبت التطبيق العملي ان الدستور العراقي تمت صياغته على عجل ووضعت فيه بعض النصوص غير الملائمة للبيئة العراقية فتسببت بمزيد من الإشكاليات أضف لذلك ان الدستور كأي قانون بحاجة مستمرة لإعادة النظر بنصوصه التي لم تعد تتلاءم مع إرادة الشعب وتطلعاته، وبعد الاحتجاجات الشعبية في أكتوبر الماضي شكل مجلس النواب لجنة لتعديل بعض النصوص استنادً للمادة (142) من الدستور إلا أن الواقع يقول استحالة تعديل بعض النصوص الخلافية التي أضعفت الدولة، لاسيما ما يتعلق بشكل الدولة ونظام الحكم فيها، أضف لما تقدم التبعات القانونية لقرار الاستفتاء على استقلال كردستان العراق والذي جرى في شهر أيلول العام 2017، إذ أعاد إلى الأذهان احتمالية تفتيت وحدة الدولة وضرورة إعادة النظر بالضمانات الدستورية والقانونية التي من شانها ان تكفل وحدة الدولة.
2- تعطيل إصدار العديد من القوانين الأساسية التي من شأنها ان تدعم الحكم الرشيد في الدولة وتعزز أسس الشفافية والمساءلة ومنها قانون المحكمة الاتحادية بصياغته التي أوجبها الدستور في المادة، (93)، ومجلس الاتحاد الذي من المفترض ان يضمن التمثيل العادل للوحدات الاتحادية في العراق بشكله المبين في الدستور بالمادة (65) فهذه القوانين لو صدرت لتم تأسيس جهات اتحادية من الممكن ان تكون مفاتيح لحل جميع المشاكل لا سيما ان علمنا ان قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة ومجلس الاتحاد بوصفه الممثل للأقاليم والمحافظات يمكن ان يكون جهة تحكيم أو يسهم في الحلول اللازمة للعقبات المتراكمة.
3- ملف الثروات الطبيعية حيث تنص المادة (111) على ان النفط والغاز ملك الشعب العراقي وبينت المادة (112) ضرورة مساهمة الأقاليم والمحافظات مع المركز في رسم الخطط الاستراتيجية لإدارة هذه الثروة، والأمر بحاجة لسن قانون النفط والغاز ليبين الآليات اللازمة لما تقدم، بيد ان الإقليم نجح بتعطيل سن القانون منذ العام 2006 ولغاية الآن، وبادر إلى التعاقد مع شركات أجنبية بدون استحصال موافقة المركز واستمر ببيع النفط بعيداً عن شركة تسويق النفط الوطنية سومو.
4- ملف الكمارك والمنافذ الحدودية التي تعد من الاختصاصات المشتركة بموجب المادة (114) من الدستور، وتوجد في الإقليم العديد من المنافذ والمطارات وهي بالواقع خارج سيطرة الحكومة المركزية ما يعني تعطيل تنفيذ قوانين اتحادية مهمة (كقانون التعريفة الكمركية22 لسنة 2010) وغيره من القوانين التي من شأنها ان ترسم السياسة الكمركية للبلد وتحدد أسس التجارة عبر الحدود الخارجية وتسهم في رفد واردات الموازنة بمصادر مهمة.
5- حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية التي تتحدد بنسبة 17%. ودأبت قوانين الموازنة الاتحادية وكان أخرها قانون رقم (1) لسنة 2019 والذي نص في المادة الأولى على كمية النفط المتوقع تصديرها في كل يوم بضمنها (250) ألف برميل تسلم من الإقليم إلى شركة سومو لتصدر إلى الخارج، والتي لم يلتزم بها الإقليم.
6- الوضع القانوني للمناطق المتنازع عليها التي خصها دستور 2005 بوضع خاص حيث أشارت المادة (140) من دستور 2005 إلى ضرورة اتباع جملة من الإجراءات لتطبيع الأوضاع وإجراء استفتاء فيها لتحديد مدى إمكانية انضمامها لإقليم كردستان أو البقاء كمحافظة غير منتظمة في إقليم، ولم يحصل أي اختراق أو تقدم بهذا الملف منذ أكثر من عشر سنوات.
7- أضف لما تقدم نجد ان الدستور العراقي سلك طريقاً سمح بتراكم المشاكل حين حدد على سبيل الحصر سلطة الهيئات الاتحادية ومنح الأقاليم سلطة البت في المسائل الأخرى بموجب المادة (110) وما تلاها من المواد الدستورية.
8- كما ان علو القانون الإقليمي على الاتحادي في المسائل المشتركة والمسائل الأخرى غير الحصرية المنصوص عليه في المادة (115) من الدستور جعل الإقليم في مركز دستوري متميز يسمح له بالتمرد على المركز ولهذا حاولت المحكمة الاتحادية الحد من هذا الاطلاق الدستوري ((في حكمها رقم 6/ لسنة 2009 والذي جاء فيه ان الأولوية في التطبيق تكون لقانون الإقليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في حال التعارض مع القانون الاتحادي مالم يكن مخالفاً للدستور وذلك فيما يتعلق بالصلاحيات المشتركة)
9- قانون الانتخابات المزمع تشريعية والذي طال انتظاره منذ شهر كانون الأول 2019 تم التصويت على أغلب فقراته عقب الحركة الاحتجاجية الشعبية يمثل نقطة خلاف بين المركز والإقليم لرفض الأحزاب الكردية الكبيرة المبادئ التي قام عليها مشروع القانون من ترشح فردي ودوائر انتخابية صغيرة وغيرها.
لا شك ان محور المشكلة يدور في الجانب الدستوري من جهة والجانب المالي والاقتصادي من جهة اخرى، وعليه سنستعرض المشاكل الدستورية والحلول المقترحة وفق ما يلي:
اولا-الاشكاليات القانونية:
1- الاشكاليات المتعلقة بتطبيق المادة(111) من دستور 2005 التي اكدت ان النفط والغاز هو ملك للشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات، الا ان الواقع العملي يؤكد انفراد اقليم كردستان باستثمار عائدات تلك الموارد دون مراعاة ما سيكون للحكومة الاتحادية من حقوق وهذا بلا شك سيؤدي الى احداث شرخ في العلاقة بين المركز والاقليم، ذلك ان المادة (112) من الدستور في فقرتها (اولا) تؤكد قيام الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومة الاقليم والمحافظات المنتجة على ان توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد مع تحديد حصة لمدة محدد للأقاليم المتضررة، وهنا لابد من الاشارة الى ان الحكومة المركزية لم تقم بواجباتها بإدارة تلك الموارد بسبب تعنت سلطة اقليم كردستان وانفراده بإدارة هذه الموارد، كذلك لابد الاشارة الى ان المادة الذكورة سلفا في الفقرة (ثالثا) قد اقرت صراحة قيام الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم والمحافظات المنتجة معا برسم (( السياسة الاستراتيجية)) اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق اعلى منفعة للشعب العراقي، وهنا نتساءل اين التنسيق بين الجانبين في رسم هذه السياسة ؟ واين المنفعة العادلة في استثمار تلك الموارد؟ .
2- الاشكالية المتعلقة بتطبيق المادة (115) من الدستور، والتي تؤكد على ان كل ما ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم والصلاحيات الاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقليم تكون الاولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم في حالة الخلاف بينهما، ونحن نعتقد ان هذه المادة الدستورية المذكورة هي اساس المشكلة لأنه في حالة حصول تنازع بين الحكومة الاتحادية وسلطة اقليم كردستان، فان قانون الاقليم هو الواجب التطبيق متغلبا على القانون الاتحادي، وما يعزز كلامنا هو ان المادة (121) في الفقرة (ثانيا) قد اقرت انه يحق لسلطة الاقليم تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الاقليم في حالة وجود تناقض او تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الاقليم بخصوص مسالة لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، وهذا النص في الحقيقة يعد خرقا واضحا لسمو سيادة الدولة وسلطاتها، فكيف للقانون الادنى ان يسمو على القانون الاعلى، الا يعد ذلك خرقا لمبدأ المشروعية وبالتالي يهدد وحدة الدولة ؟ .
ثانيا-الحلول المقترحة لحل الاشكاليات:
1- اعادة النظر بالنصوص الدستورية المتعلقة بتنظيم العلاقة بين الحكومة الاتحادية وبين سلطة اقليم كردستان وخاصة المواد التي أشرنا اليها في الاشكاليات السابقة، لأنها اساس المشكلة وبالتالي تعرقل اية تفاهمات بين الجانبين.
2- تشريع القوانين التي احال اليها الدستور لتنظيم جانب من العلاقة بين الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان.
3- يجب ان يكون هنالك تطبيق لمبادئ العدالة والمساواة بين ما يحصل عليه اقليم كردستان من امتيازات ومنافع في ظل الانفراد باستثمار الموارد دون رقابة الحكومة الاتحادية، وبين المحافظات الاخرى، فيجب ان تكون هناك علاقة منصفة بين ما يتم انتاجه اقتصاديا من قبل المحافظات وبين ما ستحصل عليه من منافع لقاء ذلك الانتاج، اذن من غير المنصف التمييز في ذلك الصدد بين اقليم كردستان وبين المحافظات.
4- يجب ان يكون هناك وعي وطني وشعور عال بالمسؤولية يستند بالأساس ان العراق وطن الجميع وان خيراته وموارده الاقتصادية هي ملك مشترك بعيدا عن التعصب القومي والمذهبي.
هناك العديد من الملفات العالقة بين حكومة اقليم كردستان العراق والحكومة الاتحادية، وتتنوع بين ما هو سياسي وأمني واقتصادي. على الصعيد الاقتصادي تشمل الملفات ايرادات المنافذ الحدودية ضمن حدود الاقليم، ايرادات تصدير النفط من قبل حكومة الاقليم، وحصة الاقليم في الموازنة الاتحادية، واعداد الموظفين في الاقليم. كل هذه الملفات هي اشكاليات تعيق تحقيق صفاء في العلاقات بين بغداد واربيل. وصعوبة التوصل لحل لها يرتبط بان تلك الملفات اصبحت لها تداعيات سياسية واصبحت ضمن الملفات التي تتوافق عليها “الاحزاب” المتحكمة بحكومة الاقليم من جهة، و”الاحزاب الشيعية” بالذات والمتحكمة بالقرار الاقتصادي والسياسي في بغداد. وبالرغم من ذلك، لابد من ايجاد مخرج لهذه الاشكاليات، الامر الذي يحتاج الى ارادة سياسية من بغداد واربيل لا تنظر الى تلك الاشكاليات على انها اداة للترغيب والابتزاز عقب كل انتخابات تشريعية، بل ملفات تنعكس بالدرجة الاساس على حياة الافراد في الاقليم خصوصا، وتبعث شعور مؤكد لدى العراقيين خارج الاقليم بعدم وجود عدالة اقتصادية واجتماعية عندما تقوم بغداد بأرسال الاموال الى الاقليم من دون ان يسلم الاخير أي مبلغ الى الحكومة الاتحادية في وقت تتقاسم حكومة الاقليم مع بغداد ايراداتها المتأتية من الوسط والجنوب.
ترتبط الحلول بحكومة الاقليم وهي:
– السماح للسلطات الرقابية في بغداد بوضع قاعدة بيانات كاملة عن اعداد الموظفين في الاقليم.
– تصدير النفط الخام عن طريق شركة تسويق النفط الوطنية سومو.
– اخضاع المنافذ الحدودية لسيطرة السلطات في بغداد، وادخال ايراداتها ضمن الايرادات المركزية في الموازنة.
اهم الاشكاليات القانونية هي ضعف الحكومة المركزية وعدم فرض سيادتها على الاقليم، وتعطيل نصوص الدستور التي تنظم العلاقة بين السلطة الاتحادية والاقليم، وعدم توزيع ثروات العراق بشكل عادل بين كافة محافظات العراق. كما أن أزمة نفط كردستان مع الحكومة العراقية المركزية هي أزمة قانونية ودستورية، فالحكومة الاتحادية في بغداد ترى أن صلاحيات تطوير الحقول النفطية وعمليات التسويق والتصدير محصورة بيد وزارة النفط الاتحادية استناداً للقوانين المركزية النافذة بحسب المادة 130 من الدستور العراقي، في حين ترى حكومة إقليم كردستان أن للإقليم حق تطوير الحقول وتسويق النفط والغاز دون العودة إلى الحكومة الاتحادية وذلك استناداً لقانون 22 من سنة 2007 الذي شرعه الإقليم، إلا أن الحكومة الاتحادية في بغداد تجد هذا القانون غير دستوري لاصطدامه مع معطيات المادة 112 من الدستور العراقي والتي توجب إدارة الملف النفطي اتحادياً بمشاركة الأقاليم والمحافظات المنتجة مع الحكومة الاتحادية وبعد أن يتم تشريع قانون النفط الاتحادي. هذا هو الإشكال الأول. أما الإشكال الثاني فهو ما يتعلق بآلية إيداع الواردات المالية المتأتية من المبيعات النفطية، حيث بحسب القوانين النافذة، ترى بغداد أن جميع الواردات يجب أن تودع في الخزينة الاتحادية ومن ثم توزع بحسب تخصيصات الموازنة الاتحادية.
الحلول القانونية : الالتزام بما نظمه دستور العراق لعام 2005 فيما يتعلق بتوزيع الاختصاصات بين السلطة المركزية والاقليم وجعلها من السلطات المشتركة، حيث يشترط الدستور الاتحادي في مادته (112) إلزام الحكومة والأقاليم والمحافظات المنتجة للنفط بالتعاون في رسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، على أن تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، كما تلزم بتوزيع وارداتها بشكلٍ منصفٍ يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع تحديد حصة لمدةٍ محددة للأقاليم المتضررة.
والحل الاخر: الاسراع في تشريع قانون النفط والغاز، حيث أخفق مجلس النواب في تشريعه على مدار اربع دورات انتخابية بسبب حدة الخلافات بين الاحزاب وبالأخص من جانب الكرد حول الصلاحيات. ويرتكز مشروع قانون النفط والغاز المعروض حاليا امام مجلس النواب على ثلاثة عناصر رئيسة، تتمثل في تشكيل شركة النفط الوطنية، وتأسيس المجلس الاتحادي النفطي، ووضع آلية معينة للتعامل مع الشركات العالمية النفطية التي تعمل في إنتاج النفط بالعراق. ويمثل مجلس الاتحاد النفطي الذي ستكون صلاحياته أعلى من وزارة النفط، المظلة العليا في رسم السياسة النفطية للعراق التي تضم آلية الاستخراج والبحث والتخطيط والتطوير للثروة الوطنية التي يحددها القانون والدستور، حيث يعد الطريق الامثل لحل الخلافات بين الحكومة المركزية والاقليم.
إلا إن هذا الحلول غير فعالة مالم ترتبط بحزم في التطبيق من جهة الحكومة المركزية يترتب عليه فرض عقوبات على الاقليم في حالة عدم الالتزام بنصوص الدستور والقوانين.
المحور الثاني: العدالة المفقودة في توزيع الثروة في إطار علاقة بغداد بحكومة اقليم كوردستان العراق
في هذا المحور تم طرح السؤال الآتي:
ما هي الاشكاليات الاقتصادية المترتبة على العلاقة الراهنة بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان العراق، وما هي الحلول المناسبة لتحقيق العدالة في توزيع الثروة بين المركز والاقليم؟
شهدت العلاقة بين الاكراد والحكومة العراقية منذ قيام الدولة العراقية الحديثة في عام 1921 بحالة من عدم الاستقرار، خسر خلالها الاكراد مكاسب وحصلوا على مكاسب، وتتأرجح العلاقة بحسب طبيعة النظام في العراق وقوته فضلاً عن قوة المتغير الخارجي، توجت مكاسبهم في اعلان الاتفاق بين الحكومة العراقية والأحزاب الكردية عل منح الحكم الذاتي في 11 آذار(مارس) 1970 الذي أعترف بنص الدستور بأن الشعب العراقي يتكون من قوميتين (العربية والكردية)، والاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية في البلد. الا أن الاتفاق لم يدم طويلاً بعد اتفاقية الجزائر في آذار (مارس) 1975 التي نصت على إيقاف دعم الحكومة الإيرانية الى الاكراد، مما أدى الى انهيارها. وقبل انتهاء الحرب العراقية-الإيرانية قام العراق بحملة اسماها الانفال أنهت المقاومة الكردية.
لقد جرى تحول كبير في وضع الاكراد بعد حرب الخليج الثانية، وقيام الانتفاضة بالمناطق الكردية والتي استطاع الاكراد خلالها على استعادة 95 في المائة من الأراضي الكردية عدا الموصل، لكن سرعان ما استعادت الحكومة العراقية سيطرتها على المنطقة الشمالية بالقوة، لكن بدعم من الولايات المتحدة فرضت منطقة آمنة الى خط عرض 36 أدت الى سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني على السليمانية وسيطرة الحزب الديمقراطي على أربيل ودهوك. وفي عام 1996 حصل اتفاق بين الحكومة العراقية والأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الامن 986 الذي عرف باتفاق “النفط مقابل الغذاء” الذي ينص على بيع العراق نفطه وايداع ايراداته في صندوق أسس لهذا الغرض بإشراف الأمم المتحدة، خصص ما نسبته 13 في المائة تصرف تحت اشراف الأمم المتحدة في المحافظات الثلاث (أربيل، السليمانية، دهوك). واستمرت هذه النسبة تستقطع من حصة الإيرادات النفطية التي يتم الحصول عليها من الاتفاق. وبعد 9 نيسان (أبريل) 2003 أخذت العلاقة بين المركز وإقليم كردستان شكلاً آخر، فقد فرض الاكراد المادة 58 من قانون إدارة الدولة في المرحلة الانتقالية والتي ركزت على التغيرات في الحدود الإدارية والتغيرات الديمغرافية بخاصة في كركوك. فضلاً عن ذلك كان للأكراد دور في صياغة الدستور العراقي في عام 2005، الذي لم يكن صريحاً في طبيعة العلاقة بين الحكومة العراقية والاقليم وإعطاء العلوية الى قرارات المحافظات والاقليم في حال الخلاف حول القرارات كما جاء في المادة (115)، وفي ضوء هذا العرض التاريخي السريع سوف نركز على أهم الموضوعات الاقتصادية مثار الجدل والخلاف بين الحكومة الاتحادية والاقليم:
1-تعد مشكلة النفط والغاز من أهم المشاكل بين الإقليم والحكومة الاتحادية، لكن الدستور في المادة (111) يشير الى أن “النفط والغاز ملك للشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات”. وهذا نص واضح على أنه لا فرق بين النفط المستخرج سواء في البصرة أو الموصل أو إقليم كردستان، الا أن الإقليم يستند الى المادة (112/أولاً) التي تنص على إدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية، ويمكن الرد على هذا النص بالفقرة “ثانياً” من المادة ذاتها بأن الحكومة الاتحادية بالتعاون مع الأقاليم والمحافظات تقوم برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، الا أن واقع الحال قام الإقليم بعقد الاتفاقيات ومنح جولات التراخيص والدخول في التزامات مع الشركات النفطية بدون علم أو دراية بتفاصيل الاتفاقيات، وهذا ما يتناقض مع الدستور. إن هذه المشكلة نتجت من عدم الاتفاق على صياغة مسودة قانون النفط والغاز من قبل الاكراد، أعدت صيغة القانون من قبل خبراء في المجال النفطي وحصلت موافقة مجلس الوزراء عليه والذي يضم وزراء أكراد، وأرسل القانون بملاحقه الأربعة الى مجلس شورى الدولة لتدقيقه ليرسل الى مجلس النواب لتشريعه، وتضاربت الآراء حول القانون والتي ترجح الكفة لصالح ايجابياته بخاصة من وجهة نظر كردية، الا أن المفاجأة ما طرحه وزير الموارد الطبيعية في الإقليم آشتي هورامي برفضه القانون بملاحقة الاربعة الذي لم يعترض عليه الوزراء الاكراء عندما طرح للنقاش في مجلس الوزراء. وقد صرح الخبير النفطي فؤاد الأمير عقب رفض مسودة القانون بأنه فرحاً لان القانون يسبب هدر بثروة العراق بعربه واكراده، ولم يقر القانون أو أي قانون آخر ينظم إدارة النفط والغاز. ومن جهة أخرى صدرت في عام 2006 مسودة قانون النفط في الإقليم التي ثارت جدلاً واسعاً حول اتباع أسلوب عقود المشاركة بالإنتاج التي تتعارض مع الدستور.
إن حل مشكلة إدارة ملف النفط الغاز بين المحافظات والاقاليم والحكومة الاتحادية يجب أن يكون وفقاً لمواد الدستور بخاصة المواد 111 و112، وسن القانون بما يتسق مع هذه المواد.
2-المشكلة الثانية في المجال الاقتصادي هي الموازنة العامة وتحديد حصة الإقليم منها، حددت حصة الإقليم من إيرادات النفط بموجب قرار مجلس الامن 986 بنسبة 13 في المائة من عوائد النفط المباع وفق مذكرة التفاهم “النفط مقابل الغذاء” واستمر الحال طيلة مدة العقوبات، بيد أن النسبة قد تغيرت الى 17 في المائة من النفقات بعد خصم النفقات السيادية المحددة بنص قوانين الموازنات العامة مثلاً حددت تلك النفقات في موازنة 2005 بـ (نفقات المجلس الوطني، ديوان الرئاسة، مجلس الوزراء ووزارة الخارجية، تعويضات الحرب، فوائد حوالات الخزينة، أجور تصدير النفط) وتوسعت تلك النفقات بعد هذه الموازنة، ومن جهة أخرى نصت المادة 12/د (يجري إقليم كردستان تقديراً لإيراداته المتوقعة لعام 2005 من جميع المصادر وتزود وزارة المالية /دائرة الموازنة بها) ولم يحدد قانون الموازنة كميات تصدير النفط أو الية تسليم العوائد، مع استمرار منح النسبة في حال حصول زيادة في الإيرادات. وقد حددت كمية التصدير النفط من الإقليم بـ 175 ألف برميل يومياً في موازنة 2012 وتدخل الإيرادات في صندوق تنمية العراق، وحددت صادرات الإقليم من النفط بـ250 ألف برميل في موازنة 2013 مع إيداع إيراداتها في صندوق تنمية العراق، ولم تقر موازنة 2014 بسبب الصراع السياسي والانتخابات، لكن تم الاستمرار بهذه الكمية من صادرات النفط، بيد أن الإقليم لم يسلم أي إيرادات حصل عليها من مبيعاته للنفط، وتأزمت العلاقة بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان بعد احتلال التنظيمات الإرهابية(داعش) الى ثلث الأراضي العراقية إذ استغل الإقليم الظرف وسيطر على بعض المناطق وعلى الأسلحة التي تركها الجيش العراقي، وفي موازنة 2015 تم إضافة كمية 300 ألف تصدير كمعدل تصدير من نفط كركوك فضلاً عن الكمية المقررة لإقليم كردستان، وبقيت حصة الإقليم 17 في المائة بعد خصم النفقات السيادية. ولم يطرأ أي تغيير على مضمون الموازنة لعامي 2016 و2017، لكن بعد اجراء استفتاء الاستقلال لإقليم كردستان في 25 أيلول 2017 تأزمت العلاقة بين الحكومة الاتحادية والاقليم، ولصالح المركز، فبعد الانتصار الذي تحقق على التنظيمات الإرهابية وعودة المحافظات المحررة تمت سيطرة الحكومة على الحقول النفطية في كركوك، لذا لم تذكر كمية التصدير منها في الموازنة منذ عام 2018.
أن موازنة 2018 تعد من الموازنات الأكثر ضبطاً للإيرادات التي تتحقق في الإقليم، إذ حددت حصة الإقليم بعدد نفوسها بمعنى تكون حصة الإقليم 12.67 في المائة من النفقات التشغيلية والاستثمارية بعد حسم النفقات السيادية وهي ذات النسبة التي حددت خلال مدة العقوبات الاقتصادية. وحددت المادة 10/ثانياً/ج استقطاع حصة الإقليم في حال عدم تسديده مبيعات النفط الى شركة سومو. وجاءت موازنة 2019 في زمن حكومة السيد عادل عبد المهدي وهي أكثر الموازنات لصالح الإقليم، فقد جاءت المادة /10 من الموازنة بأن تلتزم الحكومة بدفع مستحقات الإقليم بما فيها تعويضات الموظفين ويستقطع مبلغ الضرر من حصة الإقليم في حالة عدم تسليمة الإيرادات التي تتحقق من مبيعات النفط المقررة في الموازنة والبالغة 250 ألف برميل يومياً. لقد صدرت أكثر من نسخة لموازنة 2019 الى أن استقرت بشكلها المنشور في الوقائع العراقية واختلفت تفاصيل الانفاق حيث تم حذف فقرات واضافة فقرات التي أدت الى زيادة
ومن المشاكل التي يجب النظر اليها عدد موظفي الإقليم فبحسب موازنة عام 2019 يبلغ 682021 موظفا يشكلون 13.2 في المائة من سكان الاقليم في حين بلغ عدد موظفي 15 محافظة عراقية 2941890 موظفا يشكلون 7.07 في المائة من سكانهم والنسبة لعموم البلد تبلغ 7.9 في المائة، وتزداد النسبة إذا تمت إضافة الموظفين الاكراد الذين يستلمون الرواتب من المركز.
وخلال عام 2020 لم تقر الموازنة لغاية أيلول(سبتمبر)، ويتم الصرف بنسبة 1/12 من موازنة 2019 بحسب قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019، ووفقاً الى تصريحات رئاسة الوزراء فقد ارسلت مسودة قانون الموازنة لعام 2020 الى مجلس النواب لغرض إقرارها. وفي قراءة سريعة لها فيما يخص العلاقة بين الإقليم والحكومة الاتحادية، يجب إلزام الاقليم بتسليم كامل الإيرادات المتحققة من بيعها للنفط عما يزيد عن 250 ألف برميل يومياً. لأول مرة تذكر في الموازنة العامة لعام 2020 بأن نفقات البيشمركة من النفقات السيادية والتي تكون واجبة التسديد من قبل الحكومة الاتحادية. علما هناك تناقض بهذا الموضوع إذ تذكر الفقرة ثانياً/ب من المادة 11 بأن يلتزم الإقليم بصرف مستحقات رواتب البيشمركة لعام 2020 من أصل التخصيصات المرصدة ضمن موازنة الإقليم للسنة المذكورة وأزاء حساب تعويضات الموظفين. جاء في المادة 11/رابعاً بأن تتحمل الحكومة الاتحادية تسديد الكلف التشغيلية عن نقل بحدود 350 ألف برميل يومياً من النفط المصدر، في حين حدد صادرات الإقليم بـ 250 ألف برميل بموجب المادة 11/ثانياً/أ. بمعنى هناك فرق قدره 100 ألف برميل يومياً. ومن المشاكل التي ولدتها موازنة 2020 هي قيام الحكومة الاتحادية بتسديد القروض والالتزامات المالية للمدة 2014-2019، والتي لا يوجد سند قانوني أو دستوري لوجودها لان الدستور في المادة 110 يحصر الاقتراض بالحكومة الاتحادية لكونه من اختصاصها.
إن مشاكل الموازنة العامة بين الإقليم والحكومة الاتحادية لا يمكن أن تحل الا بإقرار قانون النفط والغاز وفقاً لمواد الدستور وتحديد اليات توزيع الإيرادات النفطية، أما بقاء الوضع على ما هو عليه يجب أن تسلم جميع الإيرادات النفطية الى شركة (سومو) أسوة بمحافظات العراق الأخرى والتي هي أكثر غنى من محافظات الإقليم بإنتاج النفط. الا أن التجربة التاريخية تشير الى أن تذبذب العلاقة بين الإقليم والحكومة الاتحادية يرتبط بشكل مباشر بأسعر النفط، فتضعف عند زيادة أسعار النفط ويلجأ الإقليم الى الحكومة الاتحادية، علماً أن الحكومة الاتحادية عقدت عدة اتفاقيات لتنظيم العلاقة بين الطرفين لكن سرعان ما ينقضها الإقليم.
ومن المشاكل لاقتصادية الأخرى المنافذ الحدودية والتي حددت حصة الحكومة الاتحادية منها بـ 50 في المائة من الرسوم الكمركية المتحصلة في المنافذ بموجب المادة 21/ثالثاً من موازنة 2020، وهي نفس الصياغة في موازنة 2019. إن المشكلة في المنافذ الحدودية في الإقليم لا تتعلق فقط بالإيرادات بل بوجود المنافذ غير الرسمية والتي لا تخضع الى سيطرة الحكومة، ولوجود هذه المنافذ آثار اقتصادية سلبية لا تقتصر على الإيرادات بل بعدم الالتزام بقوانين وتعليمات تنظيم التجارة، ففي الوقت الذي تمنع فيه مثلاً وزارة الزراعة استيراد بعض المنتجات الزراعية لحماية المنتج المحلي يتم ادخال تلك المنتجات عن طريق المنافذ غير الرسمية ومن ثم تدخل الى باقي مناطق العراق عن طريق الإقليم مما يولد خسائر للمنتجين. لذا لابد من السيطرة المركزية على المنافذ الحدودية في البلد بأكمله لضبط الإيرادات وتعظيمها والسيطرة على نوعية وكميات السلع الداخلة الى البلد
يتبع ج2