23 ديسمبر، 2024 2:02 م

بناء مدارس العراق ، مليارات تنهب وفساد يستشري

بناء مدارس العراق ، مليارات تنهب وفساد يستشري

في ظل واقع مؤلم لابنية المدارس في العراق حيث النقص الحاد في عددها وعدم استيعابها لاعداد الطلبة المتزايد وسوء المتواجد منها لابنية لا تصلح لهذا الغرض كونها طينية او ايلة للسقوط كما سمتها الوزارة.
أنبرت وزارة التربية في قيادة اكبر حملة لبناء المدارس وكانت خلاقة ومبدعة في اعتمادها اسلوب حديث ومتطور للتنفيذ يحقق الاداء العالي وسرعة الانجاز وهو نظام البناء الجاهز (Precast).
الا ان هذا الابداع والخطوة الخلاقة قد افسدتها وزارة التربية بل انها ساهمت بشكل كبير في وأد المشروع والحكم عليه بالفشل في اعتمادها اختيار شركات حكومية معظمها تابع الى وزارة الصناعة والمعادن وهنا يبدأ الانهيار حيث يطرح التساؤل نفسه عن علاقة شركات هذه الوزارة بالبناء الجاهز خاصة وان وزارة الصناعة والمعادن بقيادة  الاخوة ( ال كربولي) في ركب تشوب مسيرته الكثير من شبهات الفساد منذ كانوا يعملون في قيادة الهلال الاحمر العراقي.
وحيث ان البناء الجاهز في حقيقته التي قد لا يعرفها الا المهندسون وذوي الاختصاص وهو ليس بناء تقليديا وانما صناعة متخصصة تعتمد على التطور وسر المعرفة (know-how) التي لا تمتلكها هذه الشركات وليس في كوادرها ذوي خبرة ومعرفة يستطيعون استيعاب هذا الفكر الهندسي الخلاق في التصنيع و التنفيذ الذي تطور عبر عقود عديدة بدأ من خمسينيات القرن الماضي بتكنولوجيا تتطور الى يومنا هذا.
ولو كانت وزارة التربية جاده في انجاز المشروع بمستوى عالي وكفوء لاستعانت بمكاتب استشارية هندسية رصينة وعالمية تنقل الينا التكنولوجيا الحديثة وتشرف على تنفيذها كما شاهد العراقيون وانبهروا في حينها بالاسلوب الحديث والراقي والتنفيذ العالي الاداء والجودة في مشروع شارع حيفا في ثمانينيات القرن الماضي على سبيل المثال بدلا من تصاميم هندسية / انشائية  قدمتها شركات وزارة الصناعة مستندة الى تكنولوجيا قديمة تعود الى خمسينيات القرن الماضي لتحقق لهم ارباح تتجاوز الخمسمائة مليار دينار تستقطع من قوت العراقيين وهو مايمثل الفرق بين كلف الانتاج وقيمة تلك العقود ناتجة عن طريق انتاج ابنية رخيصة بتكنولوجيا قديمة جدا غير مطابقة للمواصفات القياسية المحلية والعالمية وهذا ليس تخمينا وانما استنادا الى اطلاعنا وتدقيقنا لتلك التصاميم واستنادا الى خبرتنا في هذا المجال.
أما الجهة التشريعية والرقابية في العراق المختصة بمتابعة شؤون التربية فهي لجنة التربية في البرلمان ولو تفحص اي مطلع اعضاء اللجنة المكونة من (14) شخصا وبالرغم من علو كعبهم في اختصاصاتهم فهم ليسوا مؤهلين لمتابعة او مراجعة او الاشراف على مثل هذه المشاريع.
وقبل ايام قليلة قام برلمانيو لجنة التربية  باستجواب وزير التربية ووزير الاعمار والاسكان في جلسة استجواب غير متكافئة حيث ركزوا في نقاشهم على التلكؤ في التنفيذ ونسيوا أو انهم لم ينسوا بل لايعرفون انهم تعاقدوا على شراء ابنية وتقنية حديثة تتجاوب مع القرن الواحد والعشرين وجاءت الشركات لتبيعهم تقنية قديمة منذ خمسينيات القرن الماضي وهم لا يعرفون مايشترون.
وبرغم هذا الخلل الجسيم الذي لن يكتشفه ابدا وزير التربية ولا اعضاء لجنه التربية في البرلمان وهو خلل يمثل عصب وجوهر القضية حيث قامت وزارة التربية في اصرار غريب على السير في اسلوب الدعوة المباشرة لجهات تنفيذية غير اختصاصية أو كفوءة في انجاز العمل تابعه لوزارة الصناعة والمعادن بقياده الاخوة (ال كربولي).
واذا نظرنا الى العدد النهائي للمدارس المحالة الى شركات وزارة الصناعة والمعادن نجد ان العدد الكلي قد بلغ  662 مدرسة أي حوالي 1,418,666 (مليون واربعمائة الف) متر مربع باحتساب معدل مساحة المدرسة 2,143 متر مربع ، ويعتبر هذا الرقم بالحسابات الهندسية رقم كبير جدا وخيالي يفوق باشواط أمكانية هذه الشركات، مما يدل على أن الاكذوبة الامريكية الكبرى في اعادة الاعمار لازالت تعمل بكل طاقتها لنهب ثروات العراق حيث لم يتعلم هؤلاء من الامريكان الا الأحتيال والسرقة.
ولو كان هذا الامر قد حدث في عهد  النظام السابق لقامت الدنيا ولم تقعد حيث يشهد القاصي والداني بمهنية المدراء العامين في تلك الفترة وصرامة تطبيق الانظمة والقوانين في وجه الفساد والمفسدين حين كان ما يشتريه العراق من تكنولوجيا او حتى مواد تجارية ترقى لان تكون افضل ما موجود في الاسواق العالمية من حيث الكفاءة والقدرة والنوعية.
ولولا أن البلاد تسبح في فوضى عارمة في الادارة والفساد ولولا المحاصصه والمحسوبية المستشرية لوجدنا هؤلاء المفسدين يقبعون في دهاليز وأقبية ابو غريب عقابا لهم على ما يعيثون بالعراق من فساد وسوء ادارة ونهب.
وكما كان ال كابوني يزرعون الدمار والفساد  حولهم من خلال تجارتهم الفاسده والاحتيال والدعارة هاهم اليوم ال كربولي وال تميم  يلعبون عين الدور السيئ في العراق ولكن باسلوب اخر اكثر حداثة ودمار؛ ولا نقول الا لك الله ياعراق.
اني ارجو من القارئ الكريم ان يترقب مقالنا القادم في الايام القليلة القادمه حيث سنضع بين يديه بالاسماء والارقام كل مايتعلق بصفقات الفساد في بناء المدارس ومبالغ العمولات لتكون بين أيدي العراقيين حقيقه كالشمس لا يحجبها غربال .

انني مهندس استشاري قضيت اكثرمن ثلاثين عاما في اروقه الهندسة الحكومية وكعراقي غيور أناشد الحكومة العراقية والمسؤولين تشكيل لجنة استشاريه عالمية على ِمستوى عال وكفوء  للتحقيق في هذه الانتهاكات والمفاسد ووضع حد لهذه المسألة الكبرى ودراسة التصاميم المقدمة من قبل الشركات وتقييمها فنيا وهندسيا حتى لا يجلس ابناؤنا على قارعه الطريق يتعلمون الف باء العلم.
[email protected] 
* مهندس استشاري