لم يبقَ على الإنتخابات, إلا أيام قليلة معدودة تفصل بيننا وبينها؛ وقد لحِظَ الخبراء والمحللين السياسيين- فضلا عن المواطنين- نشوب حروب تسقيطية قوية, كادت أن تودي بالأصوات السياسية المعتدلة, والتي تدعو الى برامجها الإنتخابية؛ وهذه الحالة صحية جدا بنظري, خاصة إذا علمنا أن هناك معركة قائمة بين رموز للفساد ونهب المال العام والإرهاب, وبين رموز تحاول لم الصف, ورأب الصدع, وتفتيت التكلس الذي أصاب نفوس الشركاء؛ بل والذي أريد له أن يصيب نفوس أبناء شعبنا, لولا رحمة من الله وفضلٍ .
المواطن يقف الآن بِحِيرَةٌ, لا يعرف مصيره الى أين, أو أي جهة يريد أن ينتخبها, خاصة وأن قوى الظلام والفساد, حاولت قدر إستطاعتها اشغاله, بل وإشراكه بحروبها التسقيطية, في سعي منها لإيقاف عجلة تفكيره, وللإكثار من اللغو واللغط, لتضيع أصوات المُصلحين, ولتُضَيِعَ أصوات الذين يريدون لم الشمل.
كثيرة هي المشاكل التي مرت على العراق,في السنوات العشر الأخيرة, وأكثر منها المشاكل التي بقيت في خزين ذاكرة العراقي, عن حقب الإستبداد السابقة؛ ولكن الظرفية الآنية التي عملت عمل المخرب الحقيقي, لأي عملية إصلاح في هذا البلد, إنما تجسدت بوضوح ملموس, في خطابات التفرقة المبطنة بنزعة استبدادية واضحة, تريد أن تجعل من مشروع صناعة الدولة, عبارة عن مشروع شكلي, هدفه تخدير الناس بالخطابات الرنانة, بتصدير تصورات عن انجازات واهية, ومشاريع وهمية, وملفات فشل في إدارتها القائمين عليها .
وفي المقابل , لم يخلو العراق من الناس المصلحين؛ حتى وفي أحلك الظروف التي يمر بها الآن, حيث الذئاب من كل حدب وصوب تحاول نهش جسد هذا البلد, صعدت أصوات تنادي بالوحدة, تنادي بالتقارب, تنادي بنبذ العنف , وإستخدام الحلول السلمية, تنادي بتوحيد الصفوف, من أجل خلق أمة عراقية موحدة لا تستطيع المؤثرات السلبية (المتمثلة بالإرهاب, وتأثير دول الإقليم , وتأثير الدول الكبيرة, وتأثير المفسدين) أن تخترقها , أو تحرك بنيتها الوطنية, وهذا الأمر ليس بمستحيل, وهو ليس بعيد عن الواقعية , فالكثير من الدول اليوم, إستطاعت أن تتوحد وتوحد ابنائها, وتوحد خطابها, وترقى وتتطور.
وقد شهدنا في هذه الإنتخابات بروز خطاب سياسي جديد ومعتدل, اختلف فيه عن كل المكونات السياسية الموجودة على الساحة, حمل خطابا ظاهره الوعود الوردية, القائمة على برنامج رصين لبناء الدولة العصرية العادلة؛ وباطنه هضم وفهم واستيعاب تام ودقيق, لكل تفاصيل وجزئيات المشكلة العراقية (السياسية, الإجتماعية, المذهبية, الإقتصادية … إلخ إلخ )؛ وهذا هو ما ميزه عن الباقين, لذا نجد, وعلى صعيد القيام بالخطوة الأولى لترميم اللحمة الوطنية , هو تقديمه لوعود مؤطرة بتأكيدات قوية, من قبل قياداته العليا؛ بأنه وبعد الإنتخابات مباشرة, سيسعى الى إعادة قوة ووحدة وهيبة الإئتلاف الوطني, لأن القائمين عليه, يعتقدون بأن هذا الإئتلاف, هو الأساس للإنطلاق نحو أي مشروع حقيقي لبناء الدولة العصرية العادلة. حيث أن مكوناته السياسية, تمثل التشكيلة الأقوى, والتشكيلة الأقرب الى البنية النفسية والعقائدية للمجتمع العراقي؛ لذا نجد بعض الفرقاء السياسيين وخوفا من هذا المشروع المعلن, يسعون الى تحطيم هذه الصورة ذات النمطية الوحدوية, في ذهن المواطن, من خلال بث الإشاعات التسقيطية, التي توحي بأن هذا الإئتلاف أو هذه الكتلة, هي بعيدة عن ثوبها الوطني, وتركيبتها العراقية الجنوبية الأصيلة, كل ذلك في سعي من هذه القوى السياسية البائسة, إلى زعزعة ثقة الناخب بهذا الإئتلاف, خاصة وان هذه القوى لم تستطع ان تجد منفذا او ثغرة سلبية في خطابه السياسي المعلن, لكي تخترقه .
إن مثل هذا النوع من الخطاب السياسي المعلن لهذا الإئتلاف, قد عبر أشواطا تطورية كبيرة, ترقّى فيها من مفهوم البناءات والأطر الحزبية الضيقة, والمصالح الفئوية الضيقة, وصراع المشروعية حول هرم السلطة الأعلى, إلى ماهو عابر للحزبية؛ ألا وهو مشروع بناء الدولة المدنية والعصرية, وإمتلاك الجرأة اللازمة, للتقدم ببرنامج وحدوي, يتلائم مع كل أطياف الشعب العراقي, من أجل أن يكون خطابه السياسي : قولا , وفعلا ..