بعد أكثر من عقدين على الحكم الاتحادي في العراق، ما زالت العلاقة بين بغداد وأربيل تسير على حافة الحذر، وتخضع لمزاج سياسي متقلب، تغذيه موروثات من التنازع والخوف المتبادل. ورغم الدستور الذي نظم العلاقة بين الحكومة الاتحادية والإقليم، إلا أن التنفيذ ظل مرهونا بالتفاهمات الوقتية، لا بالثقة المستقرة.
المفارقة أن أول ما يجب معالجته لا يكمن في بغداد، بل في البيت الكردي نفسه، فالخلافات المستمرة بين الحزبين الكورديين الرئيسيين عطلت كثيرا من فرص الحل، وأضعفت موقف الإقليم سياسيا وشعبيا. التفاهم الداخلي شرط أساسي قبل أي تفاهم مع المركز، ولا يمكن بناء موقف تفاوضي موحد بينما الشركاء في الإقليم يختلفون حتى على شكل الإدارة.
كما أن حكومة الإقليم مطالبة بإعادة النظر في بعض سياساتها، والالتزام الجاد بما يتم الاتفاق عليه مع بغداد، انطلاقا من مبدأ احترام وحدة العراق لا من منطق التنازلات. الاتفاقات لا تنفع إن لم تُحترم، والدستور لا يُحتكم إليه انتقائيا.
من جهة أخرى، يظل ملف رواتب موظفي ومتقاعدي الإقليم من أكثر القضايا إلحاحا وإنسانية، يجب على الطرفين إيجاد حل دائم وعادل يكفل الحقوق، ويُنهي هذا الاستنزاف النفسي والاقتصادي لمئات آلاف العائلات، الذين لا ذنب لهم سوى أنهم في منطقة تتنازعها الحسابات السياسية.
ومن المؤكد ان النخب الثقافية قادرة على تفكيك الروايات المتطرفة التي تصوّر العربي محتلا والكردي انفصاليا، وذلك عبر البحث في التاريخ المشترك والنضال المشترك ضد الطغيان.
على المثقفين العرب والكورد أن يُنتجوا خطابا إنسانيا وطنيا غير إقصائي، يعترف بالحقوق التاريخية للكورد كما يعترف بانتمائهم للعراق، فضلا عن تعزيز التربية على المواطنة والهوية الثقافية من خلال المدارس والجامعات والإعلام والنشر، يمكن للمثقفين الإسهام في غرس مفهوم “العراقي أولًا”، لا على حساب الخصوصيات القومية، بل في إطار دولة عادلة ومتنوعة.
ان دور النخبة ليس تكميلياً، بل جوهري في إصلاح العلاقة المختلة بين بعض الفئات الكردية والعربية. العدو الحقيقي ليس العربي ولا الكوردي، بل الجهل والكراهية والتمييز، وأول من يجب أن يُشهر قلمه في وجه هذا العدو هو المثقف الصادق الحر.