23 ديسمبر، 2024 1:51 م

بناء الانسان العراقي هو الأصعب

بناء الانسان العراقي هو الأصعب

يؤكد علماء النفس والاجتماع والاعلام ان إعادة بناء الانسان هو من اصعب المشكلات التي تواجهها المجتمعات في أوقات ألازمات والحروب ، وما تتعرض له من محن ونكبات ، والعراق واحدة من تلك الدول التي عانت من مشكلات تخريب نفسي واجتماعي وقيمي، تعرض لها بسبب ما تعرض له من عدوانات كثيرة ، ومطامع سلطة ورجال سياسة، لم يضعوا للانسان العراقي قيمة تذكر في اهتمامهم ، لانتشاله من واقعه الدامي المرير الى واقع افضل ، مما يمر به من ازمات وانتكاسات مريرة على شتى الأصعدة.

ويرى المهتمون بشؤون علم النفس والاجتماع والاعلام ان إعمار الانسان في دولة مثل العراق ، تعرضت لمختلف أشكال الحروب والصراعات والانقسامات،  هو أهم من أعمار البنى التحتية ، وينبغي أن يحتل إعادة إعمار الشخصية العراقية الأولوية القصوى، لأنه من السهولة بمكان إعمار مشاريع البنى التحتية ، وتلك التي جرى تدميرها بفعل الحروب والصراعات، ولكن المهمة ألاكثر صعوبة ، هو كيف يمكن أن تنتشل الانسان العراقي من حالة انكساره النفسي والقيمي، وتعيد اليه ثقته بنفسه وقدرته على أن يتجاوز المحن والصعاب، ويتفهم أسباب ما حل به من خراب ودمار لبلده وقيم حياته ومعالم قوته ونهضته التي بناها طوال عشرات بل مئات من السنين، واذا بها كلها مع الانسان العراقي وقد أصابها الدمار والتفكك والانحلال بفعل قوى التدمير التي كانت الولايات المتحدة ومن حالفها على غزو العراق،  المسبب الأكبر في كل ما تعرض له الانسان والمجتمع العراقي من دمار وتخريب لنفسه ولبنيته، وتفكك بلده وانحداره الى مستويات خطيرة.

ويشير المختصون الى أن العراق يكاد البلد الوحيد في العالم الذي لم يهتم ببناء الانسان في بلده، وجرى الاهتمام بمسك زمام السلطة والاستحواذ على الثروات والمغانم ، واختلاق صراعات وحروب ونزاعات وتوترات طائفية ومذهبية ، بينما لم ينل الاهتمام بحقوق الانسان العراقي ومحاولات اعادة بنائه الا نسبة متدنية تكاد لا تساوي 1 % من مجموع حصيلة الاهتمامات الاخرى، ما انعكس بشكل خطير على بناء الانسان، وعانى المواطن العراقي من تحديات أمنية وسياسية خطيرة اصابت شخصيته في الصميم.

ويشير خبراء علم النفس والاجتماع الى ان الشخصية العراقية تعرضت الى اختلالات ونكسات وصدمات نفسية خطيرة ، أدت الى تفكك بنية المجتمع العراقي وازدياد حدة التناحرات الطائفية والمذهبية التي غذتها الحكومات العراقية المتعاقبة ، منذ احتلال العراق وحتى الان، وكرسها الاميركان منذ البداية يوم اعتمدوا التقسيم الطائفي والمذهبي هو النظام السياسي السائد في العراق، تحت حراب الديمقراطية وفي ضوء توجهاتها بأن يتم غرس الشقاق والنزاعات بين العراقيين في عمليات احتراب على الهوية والانتماء لم يشهد لها تأريخ العراق الحديث مثيلا، اذ لم يستخدم هذا الاسلوب بنفس الطريقة وبهذه الحدة ، حتى البريطانيين أنفسهم ، يوم احتلوا العراق بعد الحرب العالمية الاولى، وسيطروا على مقدراته، ورغم تشابه الاحتلالين البريطاني والامريكي للعراق في اهدافهما وتوجهاتهما،  الا ان الاميركان كرسوا الجانب الطائفي والصراع المذهبي الى أقصاه، وبنوا ديمقراطيتهم الموعودة على هذا الاساس،  ومن خلال اتباع هذا الاسلوب ، تمكنوا من ترويض العراقيين وتقسيمهم الى ملل ونحل وطوائف وقوميات واعراقه مختلفة كل يغني على ليلاه، ولم يكن هم العراق موجودا في أغلب بنيته التي تم تشكيلها وفقا لتوجهات طائفية ومذهبية، وكان العراق هو الغائب الاول من كل ما جرى ويجري حتى الان.

 ويؤكد المختصون بشؤون بناء قدرات الانسان انه كان الاولى بالقائمين على السلطة في العراق أن يعيدوا بناء ألانسان العراقي الذي تعرض لإنكسارات نفسية واحباطات وعمليات ترويع وضياع لمستقبله وثرواته، وجرى تفكيك بلده، على مرأى ومسمع العالم كله، ولم يجد الانسان العراقي أي اهتمام يذكر لاعادة بنيته الحياتية والنفسية، التي تعرضت الى مختلف الضغوط وعمليات الترويع والقتل، ورأى شعبه يقتل ويروع ويسرق ويمزق ويغرق أمام عينيه، وقد ضاع مستقبل بلده وشعبه بين القبائل.

أما المتغنين بالديمقراطية فلم يشبعوا حتى الان من كؤوسها المترعة بالدم العراقي، ولم يشبه القتلة من شهوة الانتقام، والسراق لم يشبعوا من جوع قديم يستأصل في نفوسهم ، ولم يصدقوا انهم امام ثروة لاتنضب، في وقت لايرى الشعب العراقي من ثروته شيئا، وما يحصل عليه من فتات هذه الثروة، لايشبع جوعه ولا يروي عطشه ، أما المثقفون والطبقات المتوسطة فقد اختفت من العراق، وعاني المثقفين من العزلة والاغتراب داخل بلدهم ،وأصبح العراق مقسما الى نوعين:  أما مفرط في الثروة بعد ان جنى الاف الغنائم، واما معدم بعد ان حرمه  السياسيون والسراق والممسكون بالسلطة ، وجروده من كل ما يحفظ له بقية آدميته، كي يفرضوا ارادتهم عليه، ويقودون شعبهم الجائع الفقير كالاغنام لاحول لها ولا قوة، ويكون مصيرها ( الذبح ) في خاتمة المطاف.