18 ديسمبر، 2024 7:50 م

بناء الأنسان أم الأوطان أولاً؟

بناء الأنسان أم الأوطان أولاً؟

ألعراق لا يحتاج سوى لنظرية معرفيّة فقط يتمّ من خلالها تحديد القوانين والدساتير التي تستند على جذور فلسفية تحقق الأنسانية والمدنية:
كتب لي صديق عزيز على قلبي له باع طويل في آلثقافة و الأعلام, و هو من جيلنا, جيل السّتينات و السّبعينات, مُبيّناً ما يجري في العراق من حركة توعوية وسط جيل الشباب بقيادة ثلة من المثقفين يتقدمهم الأستاذ السيد مدير الأمانة العامة لمجلس الوزراء الذي قدّم الكثير في طريق البناء والأدارة و الخير و يستحق التقدير و حتى رئاسة الوزراء, ولعلّه كان ردّا مبطناً من أخي العزيز الأستاذ أبو عمار على موضوع مقتضب جداً لم يتم إستدراكه تماماً .. وكان عليّ بيان تفاصيله أكثر, كي لا يُساء فهمه و كما حصل, حيث كتبته على عجل كما أكثر مقالاتي بعد عودتي من بغداد لكندا لسوء حالتي الصّحية, و كان صائباً في تقييمه لبعض الحدود, خصوصا بعد ما شهدت بعض الملامح التي أشار لها بنفسي أثناء زيارتي الأخيرة قبل أيام, إلا أنني أصرّ و أقرّ و أعلن بأنّ المفقود الوحيد الذي يحتاجه العراق كما العالم قبل كل الأشياء و البرامج في هذا الحراك و التحولات الفكرية – الثقافية – العلمية – الأدارية – العمرانية .. هو وجود نظريّة شاملة و كاملة تُحدّد الأصول الكلية و الجذور و الأهداف الرئيسية من أيّ حراك على الصعيدين الحضاري و المدني, و الحال أن هذه الحلقة الأهم أراها مفقودة, لأنّ التعليم و التربية و الدِّين و المناهج الأعلامية ليست متخلفة في العراق فقط بل وخاطئة, و من غير الممكن و العدل تجاوز و عبور الأخطاء و السلبيات كما الحلول لأثبات موقف أو تحقيق هدف محدود, و الفرق أنك لو كنت تملك النظرية, فالأخطاء و الخسائر قد تصل للصفر أو قريبا منه.

طبعا نحن حين نناقش قضايا كبيرة مثل هذه القضية الفكرية – الفلسفية الأساسية العميقة, فأننا نخاطب العقول الكبار – أيّ الفلاسفة وربما المفكرين بدرجة أقل – لا العقول الأعلامية و الثقافية العادية و لا حتى الأكاديمية منها و التي تختص في علم من العلوم, من هنا يجب أن يكون صاحب الرأي في هذا النقاش بمستوى يُؤهله لطرح مثل تلك الأمور التي إنْ أخطأ الباحث في تقريرها و حتى في توضيح هامش من هوامشها – ناهيك عن المتون و الأصول؛ فأنها ستكون كارثة .. و كارثة كبيرة تسبب بشكل طبيعي هدر المليارات و تدمير النفوس وتخريب الشعب بل و الأمة بكاملها, بحسب بيانات نظريتنا الكونية المعرفية التي أرجو من المهتمين نشرها و دراساتها.

العراق بحسب ما رأيت, و هو واقع لا ينكر مُقبل على صفحة بل صفحات جديدة رغم كل المآسي, لكن المشكلة أن هذا الحراك الحكومي و الشعبي و الحزبي لبعض الحدود و التي لا يخلو من الأخلاص خصوصا من بعض الشخصيات المؤمنة الهادفة كمدير الأمانة العامة, لا يمكن أن يُوفق لا هو و لا غيره ما لم تُنجز ضمن إطار نظرية معرفية كاملة و شاملة تُحدد جميع المسارات و الأمكانات و الأهداف النهائية العليا, فقد يُكتب لمشروع معين النجاح النسبيّ لكن ليس بآلضرورة أن يحقق ذلك المشروع الحالة المثلى أو ما يسمى في الأدارة الحديثة بـ ( الأوبتيمم), من هنا تبدء الخسائر و ربما الخراب أو بأقل تقدير السير ضمن دائرة مغلقة وسط عالم هائج و متطرف!

نحن حين نؤشر أو نؤيد أو ننتقد إنما نبني إنتقادنا سلبا أو إيجاباً على أسس علميّة كونيّة – تُختزل خواتيم آلفكر الأنساني – و لا مجال للخطأ أو التهاون فيها و الأختلاف لا يفسد في الودّ قضية, و العلم كله عند الله قطعاً, و نحن به مؤمنون, لذلك رأيت بأنّ العراق لا يحتاج سوى لنظرية معرفية أساسية جامعة تتبنى فلسفة الأهداف الكونية .. يتم بموجبها وضع البرامج و التخطيط والأمكانيات و تحديد الأولويات و المشاريع الستراتيجية و قضايا مبنية على النصّ وعلى العقل كتوأمان إن إفترقا إحترقا, و كما نشهد الحرائق في بلاد الغرب التي إعتمدت العقل – دون الحضارة.

وصحيح .. من إن بناء الأوطان لا يتحقق إلا ببناء الأنسان, لكن وضعنا الحالي و في عصر كعصرنا, أرى أن بناء الأنسان و الأوطان توأمان لا ينفصلان, رغم معارضته للنصوص و منها آلآية المعروفة: (لا يُغيير الله ما بقوم حتى يغييروا بأنفسهم), و هذه باتت من البديهيات العلمية و العقلية والفطرية, و كما عبر عنه باولو كويلو – من خلال قصة بريئة جداً عرضناها يوم أمس, خلاصتها:

” كان الأب يحاول أن يقرأ الجريدة ، ولكن ابنه الصغير لم يكفّ عن مضايقته ، وحين تعب الأب من شغب ابنه قام بشق ورقة من الجريدة مطبوع عليها خريطة العالم و مزقها الى قطع صغيرة ، و طلب من ابنه ان يعيد تجميع الخريطة ظنا منه انّ الولد سيضيّع يومه كله في جمعها .. الا انّه لم تمرّ خمسة عشر دقيقة حتى عاد الولد وقد أعاد ترتيب الخريطة ! فتسائل الأب مذهولا !! هل كانت أمك تعلمك الجغرافيا !! فرد الطفل قائلا : لا ، لكن كانت هناك صورة لإنسان على الوجه الآخر من الورقة ، وعندما أعدت بناء الإنسان أعدت بناء العالم ..”

كانت عبارة عفوية ولكنها جميلة و ذات معنى عميق ترجمت رسالة القران كلها !

( عندما أعدت بناء الانسان أعدت بناء العالم ).