كنت في زيارة لمنزلي الآخر في اطراف قضاء الكرمة قبل سنوات حين دخل افراد داعش الى المنطقة فجرا ..اعترف ان سماع اصوات ( التكبير ) ورؤية عناصر داعش بلباسهم الافغاني وشعورهم الطويلة اثار الرعب فينا ..كان الفرار منهم اول مافكرنا فيه فخرجنا نجري تحت نيرانهم تاركين كل شي ..منازلنا .مركباتنا ..ذكرياتنا ..
سهل لنا الخروج، اشتباكهم مع الجيش في تبادل اطلاق نار لم نعبأ به كثيرا ففي تلك اللحظة الهاربة من الزمن ، لم يكن امامنا سوى التفكير في الخلاص من قبضتهم ..سحب كل منا اولاده وحملنا الصغار منهم وقطعنا عدة كيلومترات جريا على الاقدام ..كنا في كل مرة يشتد فيها القصف وضرب النيران ننبطح على الارض ، وحين تهدأ ، ننهض وقلوبنا تكاد تهوي من بين اضلعنا اذ يتخيل كل منا انه سيجد فردا او اكثر من عائلته وقد فارقوا الحياة ..رغم الموقف العصيب ، مازلت اتذكر المواقف الانسانية التي لم نتخل عنها جميعا ..البعض حمل المرضى واخرون اوصلوا النساء الحوامل والعجائز ، وكان في استقبالنا اهالينا من بغداد في منطقة كانت ماتزال تحت سيطرة الجيش …
لم يسبق لي ان كتبت عن تلك اللحظات التي واجهت فيها الموت حتى الآن لقسوتها ولااصدق حتى الآن كيف وصلنا سالمين الى بغداد الا من اصابات بسيطة وذكريات موجعة لمن اصبحوا نازحين وتركوا وراءهم كل مايملكون …فيما يخصني ، حاولت ان اتناسى مافقدته من املاك وأماكن عشت فيها سنوات جميلة لكنني لم انس لحظات مواجهة الموت التي ذكرني بها مشهد اقتياد مجرمي سبايكر الى الاعدام أمام ذوي الضحايا ..تخيلت تلك اللحظات التي عاشها ضحايا سبايكر بمواجهة موت محقق ..ترى ماالذي
جال بخاطرهم وقتها وهل طغى رعبهم من افراد داعش على قدرتهم على التفكير ..لقد رأيت رجال داعش بأم عيني ..رجال مسلحون كأي رجال آخرين لكن تسليمهم الموصل وفتح ابواب الانبار امامهم ثم منحهم فرصة العوم في دم 1700 شاب عراقي والتهليل لقوتهم في بعض الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي جعل منهم مصدر رعب زعزع العراق طوال السنوات الفائتة ..لقد وجدت داعش لها معينا في الداخل كما في الخارج لتصبح شوكتها اقوى وبقائها اكثر امتدادا واطول عمرا..وحين يتم تنفيذ حكم الاعدام بافراد ينتمون الى داعش وثبت مشاركتهم في قتل ابناء سبايكر فهذا لن يشفي الوجع العراقي تماما ..ربما سيهديء من روع اهالي الضحايا قليلا وسيشعرون بالثأر من قتلة ابنائهم لكن الثأر العراقي لن يتحقق باعدام 36 داعشي فقط بل بفتح ملفات من ساعد على تقوية شوكتهم وسلمهم المدن واستخدمهم كورقة للفوز بالانتخابات ..سيتحقق الثأر حين تنكشف كل خبايا المسؤولين عن تحول داعش الى (بعبع )…لقد سلب دخول داعش الأمان العراقي لكنه دق ايضا اسفين عدم الثقة في نفوس العراقيين بكل من اعتاش على نزيف العراقيين وجوعهم ..ثأرنا ليس من داعش فقط بل من كل فاسد نخر جسد العراق بفساده فساهم في استمرار وجودها..وأملنا فقط ان يساق الفاسدون الى المحاكم كما سيق المجرمون الى الاعدام وأن نتحرر من رعب (داعش ) وعفن (الفاسدين) لنتناسى او ننسى لحظاتنا الأليمة ..