هل يُهــزم الكتــــاب ؟
لا يمكن للمثقف الحريص على مستقبل وطنه، والمحب لشباب أمته، والعاشق لثقافتها، لايمكن إلا أن يحزن وهو يرى الكتاب يتوارى وينحدر أمام جحافل من المعوقات عن متلقي العلم والثقافة عامة.
إننا حين نتذكر سالف الأيام في عقود الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي حين كان الكتاب هو المصدر الأساس للثقافة وتكوين الوعي وتشكيله، فأننا نتأسى على هذه الأجيال التي تطارد بجيوش ضاغطة تتناوله من كل الاتجاهات وكل منها يأخذه إلى اتجاه معاكس… وتكون النتيجة تمزقاً فكرياً رهيباً، يكون من آثاره ضعف في الشخصية وفي التكوين… وتسطح في الثقافة والفكر والإبداع.
فمن يتذكر شارع المتنبي في بغداد والذي كان سوقاً رائجاً للكتاب والذي كان بأرخص الإثمان… ومن يتذكر المكتبات ودور النشر العريقة التي تقدم للقارئ أفضل الكتب يتأسى على ما نحن عليه اليوم، ومن يتذكر مجالس ألخاقاني والشعرباف وغيرهما من جهابذة الأدب والفكر… إذ كان المحور دائماً هو الكتاب… ليس غير؟
عندما نتذكر ذلك… وما نتج عن ذلك المناخ من عمالقة ما زلنا وسنظل نتعلق بأهدابهم ثم نقابل ذلك بمغريات الثقافات الاستهلاكية ومصادرها… الفيديو والفضائيات وحتى الصحافة خفيفة الظل وغيرها، عندما نتذكر ذاك ونقابله بهذا فأنه ليس من العسير على ذي لب أن يدرك الفرق بين ثقافتنا الحالية وثقافة ذلك الجيل… بين الشخصية الثقافية آنذاك.. القوية المتماسكة الخلاقة المبدعة، وبين الشخصية الثقافية الآن… لان المعطيات متغيرة.
إن الكتاب وما وضع أمامه من حجب وعقبات، واعني بها الثقافة الرائجة الآن، وهي ثقافة الفضائيات والانترنت التي بإمكانها أن تعصف بالمجتمع نحو اليمين تارة والشمال تارة أخرى، أو التي نستطيع تسميتها بالثقافات الاستهلاكية الميسرة، ومناهج التربية التي تعلم أبناءنا العلم والمعرفة أشبه بالمغذيات بالإبر… كل هذا يجعل الكتاب يتوارى ويندحر
أمام هذه الجيوش التي لا قبل له بها… وللأسف الشديد فأن نتيجة هذا الانهزام من الكتاب لن تضر إلا أجيالنا ومستقبلنا الثقافي والفكري، ذلك لان الكتاب يجب أن يظل هو المصدر الأساسي للتلقي والمعرفة، وان على مفكري العراق وأولي الأمر أن يعملوا على الانتصار للكتاب في معركته ضد هذه الجيوش، لكي يوجد المناخ الطبيعي للنمو الحضاري الأمثل.