23 ديسمبر، 2024 12:12 ص

(بمناسبة قرب محرم وعاشوراء).. موكب عزاء شباب باب الشيخ

(بمناسبة قرب محرم وعاشوراء).. موكب عزاء شباب باب الشيخ

في العام 1930 تركً والدي وعمي بيت أبيهما الحاج عليوي لخلاف عائلي.. وغادرا مدينتهما وأقاما في بغداد عند أحد أقاربهما مدة قصيرة قبل أن يسكنا في منطقة (باب الشيخ).. فجدي الحاج عليوي.. كان من الوجوه المعروفة في النجف وبغداد.. وكان يمتلك بساتين نخيل وحقول رز في مدينة الحيرة (المناذرة) التي تبعد 18 كم عن مدينة النجف.. وكان يلقبونه بلقب (أبو عاكوله).. حيث طبخ مضيفه كان لا يوصف.. فكميات رز العنبر التي تطبخ.. خاصة خلال أيام محرم العشرة الأولى خاصةً كبيرة جداً.. وكانوا يضعون الأكل على العاكول المنظف والمغسول على طول الطريق من بيت جدي في مدينة الحيرة حتى الشارع العام وبداية مدينة أبو صخير.. وجزءاً من الشارع العام الموصل لمدينة النجف.. ليأكل منه المارة والزوار ..
وعلى سر أبيه عمل والدي في بغداد في تجارة المواد الغذائية (جملة ومفرد).. فابتاعً محلاً كبيراً لذلك في منطقة باب الشيخ أيضاً.. وكان يساعد الفقراء والمحتاجين بشكل كبير.. وأقامً علاقات واسعة مع التجار وأبناء المنطقة ووجوهها.. فذاعً صيتهُ .. حتى إن مرشحي الانتخابات النيابية من كل الكتل كانوا يحاولون كسب وده ..
المهم: منذ أوائل الأربعينيات من القرن الماضي أقامً والدي في منطقة سكنانا موكباً لعزاء الحسين (ع) أسماه (موكب عزاء شباب باب الشيخ).. وبالرغم من انتقال سكننا في أواخر الأربعينيات إلى منطقة البتاوين ظلً والدي يرعى الموكب الحسيني هذا.. فأخذ يتسع ويشتهر عاماً بعد عام.. حيث إن قراءهُ القادمين من النجف الاشرف كانوا من بين أفضل قراء المواكب الحسينية المعروفين ..
ومنذ منتصف الخمسينيات كنتُ (أنا) واحداً من بين فتية المنطقة المواظبين على الحضور يومياً في هذا الموكب.. منذ افتتاحه حتى انتهائه.. وأساهم يومياً بتقديم أفضل وجبات الطعام للحاضرين.. فضلا على المساهمة بتوزيع كميات كبيرة من الطعام على فقراء المنطقة وطالبي النذر والتبرك ..
كان الطباخون لهذا الطعام من الهنود الذين كانوا يقومون أيضاً بالطبخ اليومي للحضرة الكيلانية.. وهم من أفخر طباخي (الرز باللحوم والكاري) على الطريقة الهندية.. وهو ما كان يقدم عشاءاً يومياً للحاضرين في (موكب عزاء شباب باب الشيخ) ..
وبمرور الزمن اكتشفتُ (أنا) حالة كانت اعتيادية في ذلك الزمان.. وهي إن الحضور في موكبنا هذا هم خليط من الطائفتين.. وقد يكون الحضور من السنة والشيعة أعدادهم متساوياً.. لان سكان المنطقة هي خليط من الطائفتين.. وكان عدد الحضور للموكب اليومي (اللطامة) يقدر بين 1500 إلى 1600 رجلاً يشق اللطم صدورهم لتنزف دماً حباً لسيد شهدائنا الحسين (ع).. أؤكد كان نصف هؤلاء (اللطامه) أو أقل من أبناء المنطقة من السنة ..
توسعت صداقاتنا نحن شباب المنطقة لتضمً شباباً آخرين من منطقة البتاوين.. وكانت معظم لقاءاتنا المسائية في منطقة باب الشيخ.. حيث كنا نؤدي صلاتي المغرب والعشاء في الحضرة
الكيلانية.. أو في جامع ألخلاني.. كما كنا نحضر الموالد وقراءات الذكر في أيام شهر رمضان المبارك.. التي كان يحيها الشيخ (طيب الذكر) عبد الستار الطيار وفرقته في الحضرة الكيلانية..
لم نكن نعرف البتة التفرقة الطائفية.. بل لا يعرف أي منا مذهب الآخر.. ولا يخطر ببال أحدنا أن يسأل عنها أبدأ.. لان هذا الموضوع أصلا ليس في قاموسنا !!
تذكرتُ كل هذه الذكريات كشريط سينمائي جميل ومحبب في هذا الزمن العاهر.. الذي نجد فيه من يثير الضغائن لمرضٍ في قلبه أو نقصٍ أو انحرافٍ أو قل ما تشاء.. بل ويقتل الشخص على أسمه.. ولتستكمل هذه الصورة البغضاء اليوم بداعش وسلوكها المعادي للإسلام ديناً ومجتمعاً وللإنسانية جمعاء ..
أيها الطائفيون بكل أشكالكم أقول لكم: لن ولن تستطيعوا تمزيق النسيج العراقي.. وستعود اللحمة بين سنة العراق وشيعته رضيتم أم أبيتم.. والخزي والعار يلاحقكم حتى في آخرتكم ووجوهكم مكفهرة.. مسودة.. ليس لكم من ناجي ..
فنحن (شيعة وسنة) العراق جميعنا أبناء آل البيت عليهم ومحبوهم.. ولن تنالوا منا.. بل سننال منكم بوحدتنا وتمسكنا بديننا وحبنا لوطننا العراق بكل أطيافنا (عراقيون والى الأبد) ..