23 ديسمبر، 2024 2:18 م

بمناسبة صدور سيرته الادبية ، احمد الباقري ذاكرة بحجم مدينة

بمناسبة صدور سيرته الادبية ، احمد الباقري ذاكرة بحجم مدينة

في كتاب تألف من 350 صفحة من القطع المتوسط جمع اتحاد ادباء ذي قار القسم الاكبر  مما انتجه الاديب احمد الباقري خلال خمسين عاما وقدمه هدية له كنوع من الاحترام والتقدير لهذه الشخصية المهمة .
فهذا الرجل الذي دخل حقول القصة والشعر والرواية والترجمة منذ بواكير شبابه اثر ان يواصل البقاء فيها متحركا بين ربوعها بدأب ونشاط عصيين على التقهقر ، مكتفيا منها بما تجود عليه من  زهور زكية الرائحة جميلة اللون ليجمعها وينسقها بذائقة فلاح خبير ويقدمها فيما بعد بالمجان الى كل عشاق الادب .
لقد خطى الباقري خطوته الاولى في صفحات مجلة الاداب اللبنانية في عام 1962بشكل قصة قصيرة عنوانها ((اللصان)) وبعد ثمانية اعوام من السير مابين الشعر والسرد  وصلت خطواته الى فرنسا فاختار بول ايلوار وسان جون بيرس  وشعراء اخرين ممن برزوا في الشعر الفرنسي خلال القرن العشرين وضمهم الى بعضهم  في ديوان واحد(( اسماه رصيف سوق الازهار )) فكان هذا هو حضوره الاول والمميز في عالم الترجمة رغم رمزية اللغة العالية  والتركيب المعقد للصورة الشعرية التي كان يميل الى استخدامها اولئك الشعراء .
وبعد تلك الخطوة المهمة اثر ان يسجل له حضورا مهما اخر في جنس القصة القصيرة فقدم مجموعة مشتركة مع اثنين من ادباء الناصرية هما كل من القاص والروائي محسن الخفاجي والقاص الراحل عبد الجبار العبودي عنوانها ((سماء مفتوحة الى الابد )) ، ثم استمر في انغماره على امتداد العقود الاربعة اللاحقة داخل هذا العالم المدهش ..  عالم الابداع الادبي ، متواصلا بلاكلل  ، مقدما عشرات القصائد والقصص والمسرحيات والروايات المترجمة ، اضافة الى رواية واحدة ذات طابع توثيقي عنوانها (( ممر الى الضفة الاخرى)).
ان اهم مااشترك به ادب احمد الباقري المنوع من صفات مميزة  ، هو تحركه مابين السائد والمألوف الذي يحمل حرارة الواقع المعاش ونبض الحياة اليومية  ، وبين الكوني الذي يحث المخيلة على انتاج اسئلة كبرى تتعلق بالوجود والمصير والانعتاق والحرية وسواها من المعاني المهمة التي بقيت لحد الان بلا اجوبة حاسمة افادت البشرية واخرجتها من عذابها الابدي .
واعتقد ان اديبا من هذا النمط لابد ان يكرس حياته  بالكامل من اجل خدمة الادب نفسه حيث يغدو الابداع بحد ذاته هدفا وحيدا وغاية متفردة يسعى اليها بزهد ونزاهة ونقاء ضمير وهذا ماحصل على ارض الواقع فعلا .
فقد اكتنفت حياة هذا الرجل صعوبات كثيرة جدا كان ثقلها كافيا لان يجعله ينهار تحت قسوتها فيبيع تاريخه من اجل رغيف يبقيه على قيد الحياة ، لكن التصاقه الشديد بذاته واحترامه لقلمه جعلاه يشتري ضميره بجوع قاس لاتستطيع النفوس الضعيفة من مقاومته   .
ان التمحيص الدقيق في نتاجه الادبي يكشف لنا عن تمكن واقتدار  في  قصيدة النثر يساعدانه على العبور من مدى المحلية المحدود الى مديات ارحب  اذ ان قصائده تمتاز برشاقة العبارة وعمق الفكرة وصدق المشاعر واكتناز التجربة الحياتية .
كما نجد  ان حضوره اللافت للنظرفي عالم الترجمة لايمكن  تجاهله بسهولة ، حيث انه برع في الترجمة لشعراء عالميين كبار امثال اوكتافيو باث ولورنس داريل ورينيه شار وسواهم من الاقل شهرة وكذلك ترجم لمسرحيين من الطراز الاول كجان جنيه ومرغريت دورا وصموئيل بيكت .علما انه في الاصل خريج قسم الرسم في معهد الفنون الجميلة ولايحمل تخصصا اكاديميا في اللغة الانكليزية مايدل على شغفه في التعلم الذاتي لها .
ان الباقري ينطلق في الكتابة من ذاكرة مؤثثة لها رصيدها الثقافي والمعرفي المتأتي من تلك المثابرة على قراءة الكتب والتواصل مع كل مايطرح في فكر وابداع حداثوي وهذا واحد من اسباب رصانة كتاباته وجديتها .