فى الناصريه..فى إحدى اماسى صيف خمسينيات القرن الماضي تمايل الجسر الخشبي كارجوحه ،بين دفتى شاطئ الفرات ونسيمات المساء الحانية تتلاعب بالسدارات الكاكيه للصديقين الشابين (أأكريم الجده وعبدالكريم قاسم ) كانا نقيبين من الفوج الأول للواء الرابع عشر في حامية الناصرية ، التي تربض ببنائها الضخم كصرح سومري مهيب قبالة الفرات.تراقصت بجسديهما دماء الشباب وهم يحثان الخطى بنزق الصبابة ودفق الحياة ،حيث يستريحان فى فضاءات الناصرية الرحبة، ويرتشفان من نسائم عكد الهوى الفسيح.
فى حصن الحامية العسكري عندما يسدل الليل أستاره ويلقي الكرى رداءه على وجه الأرض يقف عبد الكريم إمام شباك غرفته الحزين ليطالع نهر الفرات الذي لاينام.. ففي أمواجه يسكب المحبون آهاتهم، وعلى جرفيه يهرق المستوحشون ندى دموعهم، وعلى رقص نسائمه عزاء للروح الوادعة، و فى تهاليل مشا حيفه سلوى لعاشق مثله مستهام بحب ريفية جنوبيه ،فيمــــــــد النظر بعيدا الى (بنكلة السمك) حيث طيف بائعة السمك (صبريه) ، بوجهها السومري الجميل ،تفترش شاطئ الفرات وتغترف براحتيها مائه العذب فيلامس شفاهها القرمزية، فيتناجيان كطيفي عاشقين ويمتزجان كالفضة بالذهب….وأستحضرذكرى يوم مـر من إمامها وهى تفترش الأرض حيث التقت..عيناهما…وخفق قلبيهما.. فاحمرت وجنتي صبريه واستحالتا إلى قرصي شمس وشب في قلب قاسم ضرام حب جديد… ورأى طيف وملامح ملكة سومرية يتربع في سوق الناصريه:سألها :كم كيلو السمك.. يبنــــــــــــــــيه .
أجابت:أأبلاش.. لأبو خلــيل.
لصوت صبريه وقع السحر على قلبه المرهف.. قلب ابن الصويرة.. وهو يصغى لتغريد بلبل من الناصرية، اوحفيف غصن تدلى على شاطئ الفرات ،اوخرير جدول على قلبة المفعم بحب العراق. ..كانت صبريه حورية بجسد امرأة جنوبية.. اوملاك سماوي نزل من الملكوت الاعلى ليبيع السمك..
تلعثمت الكلمات في فم عبدا لكريم.. فسألها :أأ نتي ش سمج.
أجابت وقد وضعت كفها البض على وجههاغنجاوتدلالا: يـــــا.عليـــــــــش..تســــــــــــــــال !!!!!
وجم عبد الكريم !!وتطلع بوجه اكتنزته مسوح ألبراءة والعفوية .
فردت علية: يـــــــــــــــــــــــــا.. لاتزعل.. أأأأسمي صبريه .
وأأنتة شسمك…رد الضابط وهو يرمق نجومه الذهبية :..اسمي.. النقيب عبدالكريم قاسم الزبيدى…
تبسمت صبرية…. :يــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا..معنــاتهه..أسمك..اأأكـــــــريم..
وضحكت بكل غنج ودلال وبدت صفين من جمان منضود في استدارة الفم القرمزي. وتدفق شلال من الدماء إلى تفاحتي الخدود..وضحك الاثنين.. وانتشوا بحلاوة اللقى وتهللوا بنورالامل.. حينها عشعش الحب فى الايك الخاوي.. وانبتت على الضلوع الحانية زنابق وزنابق.. وأوردت على القلب الخلي ازاهيروازاهير.
من اجل عينيي (صبريــــــــــه) رافق السهد ليالي (أأكريم) وتوادع السهر جوانح روحه العاشقة. وعزفت قيثارة شجونه لحن الحب الحزين.. وتكررت اللقيا وتجددت المواعيد وخط القدر بســـفر عمره مولد حب جديد ،حبا لايعرف الحدود ولايجيد وصف المناصب..حبا عذريا جمع قلبي فارسا من بغداد وريفية من الناصرية.وتهامــــــــــــــس أهالي الناصرية بحكاية الحب الجديد حب (النقيب ااكريم وبائعة السمك صبريه).. ولم ترق لخفافيش الظلام.. ممقتي نور الأمل.. لم ترق لذابحي حمائم الحب الجميل.. وسجاني بلابل الدوح..ناثري دروب الهوى حجرا وشوكا.. فأمطروا قرطاسه الأبيض الجميل وسيرته العسكرية الوضاءة بعشرات النصال المغمسة بالسم الزعاف ومزقوا لوحه الوفاء بعشرات الخناجر الصدئة.. فأراق الكيد عبير قصتهما ووأد الحقد سفر حبـــهما.
خيم الليل بجناحيه فوق قلب النقيب عبد الكريم والبس الفراق قلبه ثوب اسودا داكنا. وتأوه الصدر بحسرات كسيره .وهو يستمع لتقريع الضابط الكبير أمر حامية اللواء 14 ..عن مافعله فى مساءات (البنكله). أذ كان هذا الحب من زاوية ما ،كسرا للقوانين العسكرية، لذا تم نقله إلى وحدة عسكرية أخرى وختم رئيسة القول بأنه لن يرى طيف (أم السمـــك) مرة أخرى.وما عليه إلا إن يستلم أمر نقله الى موقع أخر ويرحـــــــــــــــــــــــــــل.!حزن عبدالكريم حزن المفجوعه بولدها ولم يطق لحظات الوداع مع صبرية فانهار باكيا بكل ما أوتيت عيناه من دمع وأسر الى صديقه النقيب عبد الكريم الجدة أنة :((لن يتزوج أبدا)) وفاء لحب صبرية الكبير..؟
مرت الايام وتعددت السنون وصبريه تغفو وتنام على صدى الذكــــــــــرى الحزينة، وتذرف دمعا كدموع الثكلى، وتناجى فى طيوفها شخص (أأأكـــــــــــــريم). وتنظر فى وحدتها وجهه الباسم.. وأن كان بعيد فهو رفيق نفسها وأنيس لوعتها..متجملة بالصبر ومتزودة بالأمل متيقنة من أرادة الرب سيجمع قلبيهما فى عليائه على أرائك فردوســـــــــه حيث ملكوت رحمته وواسع سماواته.
على سطوح بيوتات سوق الناصرية:تجمع الاهالى على سطوح المنازل بمنطقة (الصفاه) الغارقة بالظلام فى ليلية صيفية هبت فيها نسائم الجنوب وغازلت عيونهم جدائل القمر وإحداقهم صوب الضوء المستنير وهم يتنادون:(عبدالكريم كل القلوب تهواك…..عبدالكريم رب العباد يرعاك) وتنادت الحناجر المتعبة وهى تلهج بخيالها البسيط وحبها العفوي الكبير مشرئبة حيث النور المتعالي:ذاك الزعيم صورته.. بالكمر.. ذاك الزعيم صورته بالكمر !!!
أنتفضت صبريه لمسمع النداء وأعادت تلك الأيام الجميلة وتذكرت بان بينهما موعدا لم يتم. طوته كف القدر وأسدل عليه ستار النسيان وتمنت إن تلتقي بحبيبها أأكريــــــــــــــــــــــــــم ..حتى.. ولو..عند القمـــــــــــــــــــــــر.
_____________________
رواها لي (كامل محمد علي النجم الحسيناوي _ أبو رغد) وكتبتها بتصرف .(ومن مقال بعنوان صور من حياة الزعيم عبد الكريم قاسم لذياب مهدى ال غلام المنشور فى/جريدة بابل فى (16/2/2008 )