12 أبريل، 2024 6:00 ص
Search
Close this search box.

بمناسبة الجدل الدائر حول جدوي او عدم جدوى اعادة سعر الصرف ، وجهة نظر اقتصادية

Facebook
Twitter
LinkedIn

عوائد تصدير النفط والتي تأتي بالدولار الامريكي ، هي ملك وزارة المالية العراقية . ولكنها لاتستطيع استخدامها في التعاملات داخل العراق . لذلك تقوم ببيعها الى البنك المركزي الذي يدفع مقابلها بالدينار العراقي الى وزارة المالية.
ويحتفظ البنك المركزي بتلك الدولارات الى ان يستلم طلبات على الدولار لتمويل التعاملات الخارجية للبلد والتي لايمكن ان تتم بالدينار العراقي.
وهذه الطلبات حالياً تأتي من خلال مزاد العملة والتي تتقدم بها البنوك لتمويل الصفقات التجارية للقطاع الخاص او لتمويل طلبات الافراد على الدولار.
كذلك يدفع البنك المركزي الدولارات لتمويل مشتريات المؤسسات الحكومية من الخارج.
وبذلك فأن البنك المركزي يسترجع قسم من الدنانير العراقية التي دفعها سابقاً لوزارة المالية مقابل الدولارات النفطية.
وبذلك تتجمع لديه الدنانير لكي يقوم بدفعها مجدداً لوزارة المالية مقابل تيار الدولارات المتدفق مع تدفق الصادرات النفطية.
وكلما كان الطلب على الدولارات اقل من ايرادات الصادرات النفطية ، يتحقق فائض بالدولار لدى البنك المركزي ويرتفع بالتالي احتياطي البلد من العملات الصعبة.

(انا استخدمت الدولار فقط للتعبير عن العملات الصعبة للتبسيط ، والتي قد تكون باليورو او الباون الاسترليني).
الآن ماذا عن سعر الصرف للدينار العراقي مقابل الدولار؟ واين هو موقعه في العمليات التي اوردتها فيما تقدم ؟
بما ان البنك المركزي يدفع قيمة الدولارات بالدينار العراقي الى وزارة المالية ، فان احتساب تلك القيمة يتم وفقاً لسعر الصرف المعتمد رسمياً ..
هذا يعني ان ايرادات وزارة المالية من بيع الدولارات للبنك المركزي ترتفع عند تخفيض قيمة الدينار العراقي، كما حصل قبل حوالي عامين، عندما اصبح الدولار يساوي حوالي ١٤٦٠ دينار عراقي بدلاً عن ١٢٥٠ حسب ما اتذكر ..
قامت الحكومة بذلك الاجراء لزيادة مواردها بالدينار لمواجهة تدهور اسعار النفط ولإجراء تخفيض ضمني في الرواتب والاجور الحكومية بنسبة تقترب من ٢٢%.
ذلك الإجراء مع انه جلب فوائد لخزينة الدولة بالدينار العراقي ، الا انه لايعتبر من الإجراءت الجيدة او المقبولة على الصعيد الاقتصادي والمالي بسبب نتائجه وآثاره الجانبية السيئة على الاقتصاد (خاصة وانه تم بنسبة عالية جداً وهي ٢٢% تقريباً).
اول هذه السلبيات هو هز الثقة والمصداقية بسياسات الحكومة والبنك المركزي بسبب اقدامها على هكذا قرار بشكل مفاجيء.
ثانياً ، الحاق الضرر بالدائنين بالدينار العراقي لانهم اقرضوا دنانير تساوي دولارات اكثر واسترجعوا دنانير تساوي دولارات اقل !!
ثالثاً ، تآكل رأس المال المقوم بالدينار العراقي بنفس نسبة التخفيض.

رابعاً ، تحقيق المدينين من التجار ورجال الاعمال، فائدة عرضية بنسبة ٢٢% لانهم يستطيعون بيع مالديهم من سلع او ارصدة دولارية بدنانير اكثر من تلك المقترضة من البنوك او الافراد.
قد يجادل بعض القرّاء بأن من اقرض واقترض بالدينار سوف لن يتأثر بذلك التخفيض. وهنا اقول ان هناك مايسمى تكلفة الفرصة المضيّعة او الضائعة التي ترد في حساب الدائن حيث كان بامكانه شراء الدولارات بسعرها السابق بدلاً من اقراض المبلغ طمعاً بسعر الفائدة.
كذلك فان العراق الحالي منفتح تجارياً على العالم ويكاد ان يستورد كل شيء. لذلك فقضية الربط والتقييم مع الدولار هي في صلب حسابات كل القطاعات حتى تلك التي تعتبر نفسها وطنية لكنها تستورد كل المكائن ومستلزمات الانتاج ، بل حتى العمالة بالنسبة لقسم من النشاطات.
اضافة الى ماتقدم من آثار ، هناك اختلال هيكل تكاليف الانتاج وبالتالي الاسعار لكل القطاعات وربما فقدان القدرة على المنافسة مع الغير عندما لايتحمل السوق رفع اسعار البيع بنفس نسبة تخفيض العملة..لاسيما وان ذلك التخفيض ادى الى خفض القوة الشرائية لاصحاب الدخول المحدودة كالموظفين والمتقاعدين مما قلص قدرتهم على دفع الاسعار العالية.
تقام دراسات الجدوى على اساس اسعار مفترضة او متوقعة للمدخلات وللمخرجات للمشاريع الجديد، ونظراً للطبيعة الاستيرادية الفائقة للاقتصاد العراقي ، فأن كل تلك التقديرات تقوم على سعر صرف الدولار بالدينار العراقي.
عندما يحصل تخفيض بهذا الشكل قد تنقلب الصورة وتتحول

المشاريع الناجحة الى فاشلة وقد يتم اغلاقها.
الآن يدور حديث عن ضرورة اعادة سعر الصرف الى ماكان عليه والغاء ذلك التخفيض الكبير.
اذا تمت اعادة سعر الصرف فأن سلسلة جديدة من المشاكل الاقتصادية سوف تعاود الظهور ولكن الاطراف المتضررة والمستفيدة سوف تختلف.
سوف يلحق الضرر بالاطراف المدينة حيث سوف ترتفع مبالغ الدين بالدولار بالامريكي وسوف ترتفع القوة الشرائية لاصحاب الرواتب والمتقاعدين مقابل انخفاض عائدات الحكومة بالدينار العراقي.
ارتفاع القوة الشرائية سوف يرفع الطلب بنفس المقدار تقريباً،
وبما ان العراق يستورد كل شيء فسوف ترتفع فاتورة الاستيراد ويزداد الضغط على ميزان المدفوعات وربما الاحتياطيات لدى البنك المركزي.
الأثر الاخطر ، هو اهتزاز ثقة العالم بالاستقرار النقدي في العراق وبرصانة وعقلانية السياسات النقدية والمالية.
ذلك يجعل من تدفق الاستثمارات اصعب..
وقد يؤدي ذلك الى الابتعاد عن الدينار في التعاقدات وتصبح التعاقدات بالدولار لضمان مصالح كل الاطراف وتجنباً لأي قرارات مستقبلية متسرعة وغير مدروسة.
لذلك كله، ارى ان الافضل هو الالتفات الى الفئات التي تضررت من قرار التخفيض السابق ومحاولة دعمها وكذلك دعم قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية المتضررة بشدة.

#Salah_Hizam
#صلاح_حزام

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب