23 ديسمبر، 2024 3:52 ص

بمناسبة إنقضاء نصف قرن على نكبة حزيران .. بماذا شارك العراق في حرب حزيران/1967

بمناسبة إنقضاء نصف قرن على نكبة حزيران .. بماذا شارك العراق في حرب حزيران/1967

تمهيد
​قبل نصف قرن من الزمان في مثل هذا اليوم، وتحديداً في صبيحة يوم (الإثنين-5/حزيران-يونيو/1967) كنتُ ضابطاً برتبة “ملازم” أشغل منصب آمر سرية الإسناد بالوكالة لدى فوج المشاة الآلي/1-اللواء المدرع/6- الفرقة المدرعة/3 من الجيش العراقي، وقد أُمِرنا مطلع الشهر بترك شمالي الوطن لنتحشد في “براري الورّار” إلى الغرب من مدينة “الرمادي” إستحضاراً للحركة إلى أرض المملكة الأردنية لإنبثاق معالم حرب ثالثة قريبة تتصاعد مع الكيان الصهيوني، وقتما فوجئنا ظهيرة ذلك اليوم بإندلاعها وقتما باغت الطيران الإسرائيلي “مصر” منذ الصباح بضربات جوية مباغتة على معظم قواعدها الجوية قبل الإنتقال نحو القواعد السورية والأردنية.
​لقد تلـمّستُ في مقالات عديدة نُشِرَت عن هذه الحرب مغالطات عديدة ومبالغات لا موجب لها في شأن تشكيلات الجيش العراقي البرية التي تحركت للمشاركة في هذه الحرب… ولـمّا كنت أحد شهود العيان على تفاصيلها وأحد الضباط المشاركين فيها، فقد وددتُ -وسط هذه المقالة المختصرة وبالإفادة من يوميات سجّلتها في مفكراتي- تسليط البعض من الضوء على وقائعها عساني أفيد التأريخ القريب ومتابعي نكبة العرب الكبرى في حزيران/1967.

التشكيلات التي تحرّكت للمشاركة في الحرب
1. فوج المشاة الأول-لواء المشاة الأول-فرقة المشاة الأولى
• بقيادة “المقدم الركن طارق محمود جلال”.
• أمر السيد الرئيس “الفريق عبدالرحمن عارف” أن يتم نقله بطائرات النقل العسكرية الضخمة (آنتونوف-12/أوكرايينا) التابعة للقوة الجوية العراقية إنطلاقاً من “قاعدة الحبانية الجوية” إلى “مصر” مباشرة.
• كما قيل عن إصدار الرئيس أمراً بنقل نجله “الملازم قيس” ليكون ضمن ضباط هذا الفوج.
2. جحفل لواء المشاة الأول-فرقة المشاة الأولى
• بقيادة “العقيد الركن خليل إبراهيم الآغا”.
• ولما بقي لديه فوجاه الثاني والثالث فقد عُوِّضَ بفوج مشاة من لواء المشاة/27 (على ما أتذكر) بقيادة “المقدم محمود العرس” ليتكامل عدد أفواج اللواء ويغدو ثلاثة.
• وضع جحفل اللواء تحت إمرة قيادة الفرقة المدرعة الثالثة حال وصوله “الورّار”.

3. الفرقة المدرعة الثالثة (ناقصاً اللواء المدرع العاشر)
• كانت الفرقة المدرعة الثالثة خلال عقد الستينيات هي ((الفرقة المدرعة الوحيدة)) في الجيش العراقي، معتبراً إياها ((القوة الضاربة والإحتياط الإستراتيجي والذراع الطولى لدى القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية)).
• قائدها منذ عام (1963) العميد الركن محمود عريم.
• تحركت ألويتها الثلاثة إلى شمالي العراق أواسط عام (1965) وإنتشرت في بقاعه على شكل “جحافل ألوية”.
• في يوم (29/5/1967) تمت تسمية جحفلي لواءين من فرقتنا لترك مواضعها في شمالي الوطن والتحشد في “براري الورار” تهيؤاً للحركة إلى “الأردن”… وهما:-
أولاً. جحفل لواء المشاة الآلي الثامن
• بقيادة “العقيد الركن حسن مصطفى النقيب”.
• تم إخراجه من إمرة فرقة المشاة/4 في قاطع “الموصل” تاركاً قواطع “سرسنك-العمادية-بامرني” وإعادته لإمرة الفرقة المدرعة/3.
• ضم اللواء ما يأتي:-
– (ثلاثة) أفواج مشاة آلي مجهزة بناقلات أشخاص مدرعة (ب.ت.ر-152) المدولبة سوفييتية المنشأ.
​- كتيبة الدبابات/8 المجهزة بـ(48) دبابة (ت-54) سوفييتية المنشأ.

ثانياً. جحفل اللواء المدرع السادس
• كان آمر لوائنا بالوكالة “العقيد إسماعيل محمد ياسين التلعفري” قبل أن يتطوع “العميد الركن سعدون حسين” آمر كلية الضباط الإحتياط ليقود لواءنا (مؤقتاً وبالوكالة) ليعود “العقيد إسماعيل” إلى منصبه الأصل آمراً لـ”كتيبة دبابات المثنى” في قاطع “الموصل”.
• مع العلم أن “العميد الركن سعدون حسين” تطوع للمشاركة في هذه الحرب، رغم كونه (أقدم بالإسم) من قائد فرقتنا “العميد الركن محمود عريم” وكلاهما من دورة واحدة في الكلية العسكرية، إذْ كان القِدَم العسكري لدى الجيش العراقي شيئاً مقدساً لا يمكن تجاوزه… وقد ظلّ كذلك ولم يُسمَح بإختراقه حتى أواسط عقد الثمانينيات أثناء الحرب مع “إيران”.
• وبعد إنتهاء الحرب بأسابيع إلتحق “العميد الركن محمد طيب كشمولة” الذي عاد من منصب الملحق العسكري العراقي في “واشنطن” على إثر قطع العلاقات مع “الولايات المتحدة” لدعمها “إسرائيل” في هذه الحرب- بعد تعيينه بمنصب آمر لوائنا (أصالة)، فأُعيد “العميد الركن حسين” إلى منصبه آمراً لكلية الضباط الإحتياط.
• وقد ضمّ لواؤنا الوحدات الآتية:-
o فوج المشاة الآلي الأول (الذي كنتُ فيه بمنصب آمر سرية الإسناد) بقيادة “العقيد محمود بكر أحمد”… وقد كنا مجهزين بعجلات قتال مدرعة حديثة من طراز (M-113) أمريكية المنشأ.
o كتيبة دبابات “خالد” بقيادة “الرائد علي المشهداني” (بالوكالة)، والمجهزة بـ(48) دبابة طراز (ت-54) سوفييتية المنشأ.
o كتيبة دبابات “المقداد” بقيادة “المقدم الركن دخيل علي الهلالي” المجهزة بذات النوع والعدد من الدبابات.
o فيما ظلت “كتيبة دبابات المعتصم” بإمرة اللواء المدرع العاشر، وكذلك أُرجِعَت “كتيبة دبابات المثنى” بقيادة “العقيد إسماعيل التلعفري” إلى “الموصل” بأمر السيد رئيس أركان الجيش وكالة “اللواء حمودي مهدي” لقدم دباباتها التي كانت من طراز (ت-34).
المشاركون الفعليون في حرب حزيران/1967
• واقع الحال الذي حصل، أن التشكيل الوحيد الذي عبر “نهر الأردن” إلى الضفة الغربية مع الصباح الباكر ليوم (5/حزيران/1967) هو “جحفل لواء المشاة الآلي الثامن” فقط بقيادة “العقيد الركن حسن مصطفى النقيب”… ولكنه لم يلحق لينتشر في القاطع الذي خصص له، فبينما كان آمره وآمرو وحداته ما زالوا في مرحلة الإستطلاع وما فتئت الوحدات منتظرة في العراء، فقد شنّت الطائرات الإسرائيلية غاراتها عليهم وكررتها تباعاً حتى المساء لتُصاب دبابات هذا اللواء ومدرعاته وأفراده بخسائر جسيمة إضطرته على الأنسحاب (غير المنتظم) عبر “نهر الأردن” إلى شرقيّه، حيث تم تجميعه بعد إنتهاء الحرب وإسكانه وسط معسكرات الجيش الأردني في “الزرقاء” ليعيد اللواء تنظيم نفسه ((الذي لم يُعاد))، فظلّ جحفل هذا اللواء بمثابة (قوة إحتياطية) ولم تتحرك وحداته من تلك المعسكرات إلاّ بعض المرات.
• أما جحفل لواء المشاة الأول… فقد ظلّ الطيران الإسرائيلي يلاحقه منذ وصوله إلى بلدة “المفرق” يوم (8/حزيران/1967) ولغاية إنتشار أفواجه الثلاثة على عجل في بقاع “غور الأردن”، حيث كانت وحدات الجيش الأردني في حالة إنسحاب (منتظم) من الضفة الغربية، وقتما باتت “المملكة الأردنية” وعاصمتها ومدنها الكبرى في خطر داهم.
• أما لواؤنا المدرع السادس… فقد وصلنا إلى ضواحي مدينة “المفرق” مساء (8/حزيران/1967) حتى جاءتنا كميات هائلة مما نحتاجه من جميع أنواع العتاد وإستلمناها ليلاً، وكنا متهيئين للحركة صبيحة (9/حزيران) حينما أعلنت “المملكة الأردنية الهاشمية” قبولها لوقف إطلاق النار.
• ظلّت “سوريا” لوحدها في هذه الحرب، وكان التعرّض الإسرائيلي متواصلاً على “هضبة الجولان” و”القنيطرة” ومحيطها، ما حدى بقائد فرقتنا أن يقرر إنفتاح لوائنا على سلسلة الهضاب والتلال الفاصلة بين “الأردن وسوريا” تحسّباً لأي إلتفاف قد يقدم عليه الجيش الإسرائيلي نحو “الرمثا-إربد-جرش-عمان” فيحاصر ما تبقى من الجيش الأردني وجحفل لواء مشاتنا الأول.
• ولكن ذلك لم يحدث، فبعد (شبه قتال) دام يومين آخرين، قبلت “دمشق” وقف إطلاق النار يوم (11/حزيران) وتوقفت “إسرائيل” عن التقدم، وإنتهت الحرب بكارثة لم يسبق لها مثيل في تأريخ العرب.
• كانت وسائل الإعلام العربي -وكلها حكومية مملوكة للدولة- تركّز على إمكانات الجيوش العربية المتاحة بـ”محو الكيان الإسرائيلي من الوجود وقذف شعبها اليهودي في براثن البحر المتوسط وخليج العقبة”… ولكن الحقيقة التي فرضت أوزارها أن (4) جيوش عربية وفرقة من الجيش العراقي إندحرت أمام هذا العدو الذي توالت إنتصاراته للحرب الثالثة على التوالي في غضون (19) عاماً.
إعادة الإنتشار بعد الحرب
وفيما أُلحِقَ عدد من رعائل دبابات كتيبتي “خالد والمقداد” بشكل منفرد لتعزيز المواضع الدفاعية لألوية المشاة الأردنية بدءاً من مثلث “أم قيس” و”الحِمّة” حيث تلتقي الحدود الأردنية-السورية-اللبنانية نزولاً إلى “البحر الميت”، فقد خُصّص لجحفل لواء المشاة الأول قاطع دفاعي على “غور الأردن” الشمالي متداخلاً مع المواضع الدفاعية لفرقة المشاة الأولى الأردنية.
ظلّت وحدات جحفل لوائنا مرابطة في مواضعها الدفاعية على الحدود الأردنية-السورية ما يربو على (3) أشهر، حتى صدرت الأوامر بإعادة إنتشار تشكيلات الجيشين المتعاونين الأردني والعراقي، وجعل جحفل لوائنا المدرع ((قوة إحتياطية ضاربة تحت إمرة القيادة الأردنية)) متحشّداً بمنطقة مركزية في محيط مدينة “المفرق” بإتجاه الغرب نحو مدينتي “الرمثا وجرش”.
أما فوجنا الآلي -فإضافة لكوننا ضمن الإحتياط الضارب- فقد كُلّفنا أن نحيط بجحافل سرايانا وعجلات قتالنا “قاعدة الحسين الجوية” بالقرب من “المفرق” لنحميها من جهاتها الأربع أزاء أي إنزال جوي إسرائيلي محتمل تهيّؤاً لعودة (9) طائرات مقاتلة أردنية من طراز “هوكر هنتر-العلامة/7” الملتجئة منذ يوم (7/حزيران/1967) إلى “قاعدة H-3” العراقية كي تستقر وسط قاعدتها الأصل التي لم تكن لدى “الأردن” سواها.
وقد واصلنا مهمتنا هذه لغاية أوائل عام (1969) وقتما تحرك لواؤنا المدرع إلى “محافظة درعا” السورية.
الرئيس “عبدالرحمن عارف” يتفقدنا
​بُعَيدَ هذا الإنتشار خلال شهر (أيلول/1967) فقد زارنا السيد الرئيس “الفريق عبدالرحمن عارف” وإلى جانبه الرئيس الجديد لأركان الجيش العراقي “اللواء الركن إبراهيم فيصل الأنصاري” بصحبة جلالة “الملك الحُسَين” و”المشير حابس المجالي” رئيس أركان الجيش الأردني وقائد الجبهة الشرقية “اللواء الركن عدنان إحمد عبدالجليل” يرافقهم العديد من كبار قادة الجيشين العراقي والأردني، حيث قضوا جميعاً بين وحدات لوائنا نهاراً كاملاً.
​أما زيارة السيد الرئيس “عبدالرحمن عارف” التفقدية الثانية فقد أتت بعد أيام من “معركة الكرامة” -التي وقعت نهار يوم (الخميس-21/آذار/1968)- وقتما كان آمر لوائنا “العميد الركن محمد طيّب كشمولة” قد كلّفني بمهمّة ضابط إرتباط مع قيادة الفرقة الثانية الأردنية -ومقرها متاخم لبلدة “عجلون”- لأنقل صورة ميدانية واضحة من ميدان المعركة كي يتهيأ اللواء للهجوم المقابل في حالة توغّل القوات الإسرائيلية عبر “نهر الأردن” إلى عمق المملكة.
وفي هذا الشأن كذلك، وللفائقية الجوية التي حققتها “إسرائيل” وإحتمالات تعرض طائراتها على قطعاتنا، فقد ألحقت مديرية مدفعية الجيش العراقي -بأمر من السيد رئيس الجمهورية بعد زيارته التفقدية الأولى لمقر فرقتنا المدرعة الثالثة في “المفرق”- بطرية م/ط ثقيلة تضمّ (18) مدفعاً (100ملم) إنتشرت حوالي مدينة “المفرق” لتأمين الدفاع الجوي ومعالجة الطائرات المحلّقة على إرتفاعات عالية.
•​وفي حين كنا مبلغين رسمياً أن نستصحب إحتياجاتنا لبضعة أسابيع ليس إلاّ، فقد كُتبَ على فرقتنا المدرعة الثالثة أن تظلّ مرابطة على الجبهتين الأردنية والسورية لـ(44) شهراً متلاحقاً من دون إنقطاع.
ما معنى مصطلح (جحفل)؟؟؟
• ما ينبغي إيضاحه في هذا الشأن أن المصطلح العسكري (جحفل/Group) يعني أن يكون التشكيل (اللواء) متكاملاً في جميع صنوفه بإلحاق الوحدات الساندة والمعاونة والخدمات المخصصة له ضمن ملاك الفرقة ليغدو التشكيل مكتفياً بذاته ولا يحتاج شيئاً إضافياً من الفرقة.
• فعلى سبيل المثال فأن (جحافل الألوية) التي ذكرنا وحداتها الأصل، قد أُلحقت لكل واحد منها ما يأتي:-
o كتيبة مدفعية ميدان واحدة (18مدفع- عيار 122ملم).
o بطرية مقاومة طائرات واحدة (18مدفع- عيار 37ملم).
o سرية هندسة ميدان واحدة بـ(3) رعائل متنوعة.
o سرية تموين ونقل واحدة بـ(120 عجلة).
o معمل ميدان واحد.
o وحدة ميدان طبية واحدة.
o فصيل كيميائي واحدة.

“عميد ركن متقاعد… دكتوراه في التأريخ”