18 ديسمبر، 2024 8:23 م

بمناسبة أحداث كركوك المؤسفة في هذه الأيام .. ما نعرفه عن مدينة كركوك وتأريخها

بمناسبة أحداث كركوك المؤسفة في هذه الأيام .. ما نعرفه عن مدينة كركوك وتأريخها

نبذة عن تأريخ كركوك
“قلعة كركوك” المقدّر عمرها بآلاف السنين، شبه الدائريّة في شكلها، العالية المُتّسعة، ذات الأحياء والشوارع والأزقّة والأبنية المتنوعة في حجومها وطُرُزها، هي الأساس الذي أنشئت عليه مدينة كركوك، والتي إنبثقت حواليها وعلى جانبي نهر “خاصَه صُو” وعلى مرّ القرون، أحياء سكنية أحدث، أمثال:- “مُصلّى، بِرْيادي، جُقُور، إمام قاسم شرقيّ النهر… و”قُورْيه، صاري كَهْيَه، نَفْطْجِلَر، تِكْريتْلِلَر، قِشْله، تِسِنْ” وسواها في غربيّ النهر، وجميعها مسمّيات تركمانيّة لا ريب فيها.

توالت الحضارات على قلعة كركوك وتنوّعت بأعراقها ودياناتها ومقدّساتها ومذاهبها، فورثت عنها عمرانها ودور عباداتها اليهودية والمسيحية ومقابرهم ومقاماتهم المتنوعة، قبل أن تُبنى جوامعها الإسلامية العديدة في العهود الأموية، العباسية، السلجوقية، آقْ قُويُنْلُو، قَرَه قُويُنلُو وغيرها، فضلاً عن العهد العثماني.

أما العثمانيون، وقد حكموا العراق -بحدوده الدولية الحالية- طيلة أربعة قرون متواصلة، فقد جعلوا من كركوك -من الناحية الإدارية- “آلاياً/لواءً”، أُتبِع إلى ولاية بغداد، إلاّ أنها رُبِطَت إدارياً أو باتت عاصمةً لولاية “شهرزور” ببعض الفترات لإفتقارها لمدينة عامرة تصلح مقاماً لِوالٍ أو حاكم، ولم تَضْحَ كركوك لواءً/محافظة بذاتها إلاّ بعد الإحتلال البريطاني للعراق (1918) وترسيخ حدوده الدولية بعد تأسيس دولة العراق الملكي (1921) حيث تألّفت من أربعة أقضية هي:- مركز كركوك، طوزخورماتو، كفري ذوات الأغلبية التركمانية ، و”الحَويجة” ذات الأغلبية العربية، وقبل أن يُفْصَل قضاء “جم جمال” ذي الأغلبية الكردية من لواء “السُليمانية” عام (1946) ويُضَمّ إلى “كركوك” لأسباب ما زالت مُبهمة حتى يومنا هذا… ذلك الذي جعل من هذا اللواء/المحافظة ذات ديموغرافية من ثلاث قوميات رئيسة، إلى جانب أقليات أخرى كـ”المسيحيين” بطوائفهم ومذاهبهم العديدة، وكذلك “اليهود” حتى عام (1954).

رؤية التركمان نحو “كركوك”
يصرّ التركمان من أهالي مدينة كركوك وأشقاءهم المُنتشرين في عموم العراق، على كون هذه المدينة مسكنهم الأساس منذ العهد العباسي على أقل تقدير، وما تبعته من حضارات بعد إنهياره، حتى أن مسيحيّي القلعة الأصيلين لم تكن لديهم لغة سوى التركمانية، وما فتئوا كذلك حتى يومنا هذا، في حين لا تجد فيها أو حواليها أية آثار كردية كانت أم عربية، حتى أن التركمان يتحدّون بأن المقابر العديدة وسط القلعة نفسها وبين الأحياء المتاخمة لها لا تحتوي -عموماً- على رفات سواهم من الأعراق لغاية عقد العشرينيات من القرن العشرين… وما المقابر الصغيرة وأصحابها الأكراد إلاّ من أولئك الذين نزحوا من قرى قريبة وأنشأوا في “كركوك” دور عبادة (تكايا) للدراويش بمباركة السلطات العثمانية في عقودها الأخيرة، أمثال عائلتي “خانقاه” والطالبانيين خلال القرن/19 أو مطلع القرن/20… أما العرب فلم يكن لهم وجود وسط المدينة – في حينه- إلاّ على شكل عوائل منفردة.

بقيت ديموغرافية كركوك محافِظة على حالها بشكل عام حتى بعد تفكّك الدولة العثمانية ولحين إكتشاف الثروة النفطية على مقربة من ضواحي المدينة خلال عقد العشرينيات فتأسست شركة (I.P.C) البريطانية وإستقرّت قرب المدينة، حين تهافتت للعمل في منشآتها المتعددة الآلاف من أهالي شماليّ العراق بشكل خاص، ضمّت أكراداً وعرباً وآثوريين وأرمن وغيرهم، فيما قدم إليها آخرون ليُنشِئوا فيها مصالح تجارية وإقتصادية مالبثت أن تطورت بشكل هائل وسط كركوك، بعد ربطها مع بغداد وأربيل بسكة حديد، وبطرق مبلّطة مع خمسة ألوية/محافظات، فيما تأسست القيادة العسكرية للمنطقة الشمالية خلال في أواسط عقد العشرينيات وأُنشئ العديد من المعكسرات في ضواحي المدينة بعد تشكيل أولى أفواج وكتائب الجيش العراقي الذي إنخرط في صفوفها الآلاف من الشباب الأكراد والعرب وغيرهم من سكنة البعض من القرى النائية التابعة لكركوك، ومدينتي السليمانية، وأربيل وأقضيتها ونواحيها.

لم يتواجد الأكراد ببعض الكثافة في مدينة كركوك حتى عقد الخمسينيات إلاّ ضمن حَيّين سَكَنيّين، أولهما “إمام قاسم”، وثانيهما “شورجة” اللذان إحتويا- بشكل عام- مساكن متواضعة لعمال بناء وخدمات وجنود وأفراد شرطة، في حين لم تكن نسبة الطلاّب الأكراد، وكذلك العرب، في مدارس مدينة كركوك -التي درستُ شخصياً في صفوفها- تزيد على (10%) من مجموع الطلاب، على الرغم من إفتقار جميع أقضية اللواء/المحافظة لأية مدرسة متوسطة وثانوية في ذلك العقد.

تَنَعَّمَتْ مدينة كركوك بهدوء وأمان وإطمئنان، فتعايش فيها التركمان والأكراد والعرب وسواهم متآخين متلاحمين بعيدين عن الإضطرابات، حتى شاءت الأقدار أن يُقضى على العهد الملكي يوم 14 تموز1958، لتنقلب موازين العراق في جميع مناحيها على أعقابها، وبالأخص في المناحي السياسية والإجتماعية، فإنخرط العديد من الأكراد في صفوف الحزب الشيوعي- الذي أحكم قبضته على معظم العراق خلال النصف الأول من عام 1959- وبالأحزاب القومية اليسارية الكردية التي عمّت المنطقة الشمالية من العراق وبالأخص “الحزب الديمقراطي الكردستاني” بزعامة “ملاّ مصطفى البارزاني”، حتى نُفِّذَتْ بحقّ التركمان منتصف شهر تموز 1959 مجزرة أُستُشهِد خلالها عشرات من أُصَلائِهم سحلاً بالحبال وتعليقاً على الأعمدة وتمثيلاً بالجثث وتقطيعاً بالأجساد، كانت غايتها الأساس إجبارهم على هجر مدينتهم وتركها لسواهم من الدُخَلاء، في حين ترك آلاف الأكراد قراهم ليستوطنوا مدينة كركوك حيث أنشأوا أحياءً جديدة لهم على عجل قرب محلّتي “إمام قاسم وشورجه”، وقبل أن يضيفوا إليهما أحياءً أخرى بمباركة حكومة “عبدالكريم قاسم” أو بغضّ الطرف عن توجّهاتهم… إلاّ أن الهجرة الكردية نحو كركوك حُدّدت بشكل ملحوظ منذ عام 1963 عند تسلّم حزب البعث مقاليد الحكم، وإستمر كذلك في عهديّ الرئيسين الراحلين “عبدالسلام وعبدالرحمن محمد عارف”.

وفي مقالة ملخصة لاحقة سنتطرق إلى مراحل محاولات تعريب محافظة كركوك.. فإلى لقاء قادم بعون الله.