عملت إيران على تحويل حياتهم إلى أحزان ومآتم طوال أيام السنة فما أن ينتهوا من مأتم قتل الحسين حتى تبدأ أربعينية الحسين وما أن يتم الانتهاء منها حتى يبدأ مأتم الزهراء ثم مأتم العباس يليه مأتم زينب ثم مأتم الكاظم ثم الشعبانية ثم السجاد ثم مأتم الموسوي وهكذا طوال السنة ، والتي يتم التدشين فيها لهذه الأعمال كل سنة في شهر محرم تحت مسمى أحزان عاشوراء ..
وبينما يظل العراقيون طوال أيام السنة يهرولون من النجف إلى كربلاء إلى سامراء حيث السرداب ومن قبر إلى قبر ومن مأتم إلى آخر ، نجد إيران في هذه السنوات تفرغت لبناء جيش قوي وتفرغت للتصنيع والتسليح العسكري على وجه الخصوص ؛ والاختراعات والابتكارات حتى أحرزت تقدما كبيرا في طريقها إلى إنتاج السلاح النووي ..
إنه الدهاء الفارسي الذي جعل معمميه في العراق يحولون حياة العراقيين إلى هذا الحال المخزي حتى أنهم أقنعوا شيعة العراق بأن غسلهم وتدليكهم لأقدام الزوار الإيرانيين وهم في طريقهم لقبر الحسين يعتبر عملا يقربهم إلى الجنة مهما فعلوا بعدها ولذلك: يتسابقون إلى هذا العمل .. !!
لقد قضوا على الجيش العراقي العملاق السابق بالتعاون مع حلفائهم الأمريكان ذاك الجيش الذي صمد أمام إيران ثماني سنوات حتى انتصر في النهاية ، قضوا عليه وأسسوا بدلا عنه جيش آخر :
القسم الأول منه يحمي زوار الحسين وبقية الأماكن ؛
والآخر ينتشر في الطرقات ومن كافة الرتب العسكرية حاملين على رؤوسهم الأواني الممتلئة باللحم والرز للقادمين من إيران وغيرها لزيارة قبر الحسين وبقية الطقوس التي ابتكرها الآيات ..
هذا هو حال العراق التي أعلنت منظمة اليونسكو في نهاية الثمانينات أن العراق هو أول دولة في منطقة الشرق الأوسط استطاعت القضاء على الأمية ..
السقوط الفكري للشعوب أبشع وأشد وأخطر من السقوط العسكري يا سادة يا كرام “.
هل السيادة بالعراق هي هيمنة دولة دون اخرى على العراق فايران تعتبر سيادة العراق مهددة اذا ما اقام العراق علاقات مع امريكا يؤدي لوقف الهيمنة الايرانية على العراق بتقويض مليشيات تجهر بولاءها لايران ويحد من هيمنة الاحزاب وقوى سياسية ومنها الاحزاب الاسلامية المحسوبة شيعيا زورا المقربة من ايران التي حكمت طوال 15 سنة ويتظاهر الشارع الشيعي ضد هذه الاحزاب بسبب فسادها وسوء الخدمات والوضع الامني المزري، ويهدد مخططات ايران بممر امن لها من طهران للمتوسط عبر العراق.
فكلنا نعلم ان السيادة منتهكة بالعراق عبر وضع صور زعماء اجانب بشوارع العراق وساحاته العامة للخميني والخامنئي قادة ايران واستفراد قاسم سليماني الايراني على القرار المليشياتي والسياسي ببغداد ولقاءه بقوى وشخصيات سياسية في وقت يدعي البعض هزلا بانه مجرد مستشار عسكري؟ فلماذا يلتقي مع قوى سياسية اذن بالعراق؟
كذلك من علامات فقدان السياسية العراقية امام ايران امتلئ العراق بالمخدرات المهربة من ايران وقطع ايران لـ 41 نهر عن العراق وهيمنة ايران على السوق الداخلية ببضائع صناعية وزراعية رديئة مقابل اهمال متعمد لكل القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية بالعراق وكذلك للفساد المالي والاداري المهول وهيمنة الفاسدين وكبار الفاشلين على مقاليد السلطة والمال والاعلام والسلطة مما يؤدي لتدويرهم انتخابيا كل اربع سنوات ليدخل العراق بمتاهات مرعبة
فمتى نتخلص من افكاركم المسمومة بجعل العراق ضيعة للقوميين والاسلاميين متى تنظرون للعراق بانه لا بوابة غربية ولا بوابة شرقية للاخرينمتى تنظرون للعراق ليس مجرد ساحة أو جبهة للصراعات نيابة عن الاخرين.
نستغرب بان من رفعوا شعارات السيادة هم وراء سقوط الموصلوهم من رفضوا بقاء قواعد امريكية بالعراق عام 2011 رغم حاجة العراق لهذه القواعد وبعد ثلاث سنوات فقط يسقط ثلث منطقة العراق بيد داعش وتتبخر فرق عسكري بكاملها مقابل بضع مئات من الدواعش بظل حواضن سنية داعمة للانتفاضة ضد حكومة بغداد لتسقط محافظات بكاملها مقابل مقاتلين من تنظيم الدولة لا يحملون غير الاسلحة الخفيفة والمتوسطة
فاين اصحاب شعارات السيادة بالحكم ببغداد، هل يستحق ذلك ان تقولون اين امريكا؟ لماذا لم تتدخل مباشرة بعد سقوط الموصل كما تدخلت باربيل؟ في وقت اربيل طلبت دعم امريكا في وقت بغداد كانت خاضعة لافشل سياسي بالعالم نوري المالكي الذي وعد باسترجاع الموصل بايام؟؟ بكل غباء وفي وقت لم يتعرض العراق لاعتداء دولة اجنبية حتى نقول الاتفاقية الامنية الاستراتيجية بين العراق وامريكا بل ابو بكر البغدادي وتنظيم داعش معظم مقاتليه هم عراقيين وقادته وزعيمه عراقيين.
ثم الم تكن اصلا في ذلك الوقت بغداد محصنة بفرق عسكرية تحميها وبحواضن شيعية رافضة لداعشوالدليل السفارة الامريكية بقت ببغداد مع باقي السفارات الغربية وهذا دليل بان المجتمع الدولي كان يدرك بان بغداد عصية على داعش رغم المخاطر من طوقها فتدخل المجتمع الدولي وامريكا لهزيمة داعش بعمق حواضنها بالمثلث السني العربي.
ونسال ايضا لماذا من رفض بقاء قواعد امريكية هم اكثر صراخا وعويلا بمقولة اين كانت امريكا لماذا لم تدعمنا ضد داعش اول ما سقطت الموصل؟؟ وبنفس الوقت هم اكثر من عارض تدخل التحالف الدولي الامريكي لدعم بغداد ضد داعش بعد ذلك يرفضون قواعد امريكية ثم تنسحب امريكا وبعد ان يسقط جزء من العراق بيد الارهاب يقولون اين امريكا؟
الإسلامي الشيعي الموالي لايران العراق بالنسبة له مجرد ولاية تابعة لايران وتحت حكم ولاية الفقيه الحاكم الايراني خامنئي وان العراق مجرد جبهة وساحة للقتال بالنيابة عن ايران وممر بري لطهران للمتوسط والاسلامي السني العراق مجرد ولاية تابعة للخلافة الاسلامية السنية الكبرى التي تميع الحدود وان الشيعة والمسيحيين واليزيديين كفرة ومشركين يجب استاصالهم، وهكذا لبقية الاديولوجيات القومية والاسلامية المريضة فكريا لتسيسها للدين والقومية لمصالح الخارج وليس الداخل.
مخاوف اتباع ايران من ان بقاء قوات امريكية بسوريا سوف يحد من تمدد روسيا من شرق سوريا للعراق، وكذلك وجود القوات الامريكية يقصم ظهر تنظيم داعش والمتطرفين السنة بوضع حاجز عسكري امريكي يمنع ما جرى مثل عام 2014 بالموصل وسوريا وكذلك سوف يساهم الوجود الامريكي بانهاء مشروع ايران بجعل العراق وسوريا مجرد ممر امن لطهران للوصول للمتوسط لاكتمال الامبراطورية الايرانية للمندب والمتوسط.
إيران و إمبراطورية المذهب – في التاسع من ديسمبر/كانون الأول 2004، حذر العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، في حديث لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، من سعي إيران لتشكيل “هلال شيعي” يضم العراق وسوريا ولبنان، مضمنا بذلك التحذير مخاوف قد تطال استقرار دول الخليج التي تقطنها أقليات شيعية.
وقال الملك عبد الله حينها إن أكثر من مليون إيراني دخلوا العراق بتنسيق من حكومة طهران والأحزاب المتعاونة معها في النظام السياسي العراقي الجديد للمشاركة في الانتخابات التي كانت حجر الأساس الأول لانسياح إيراني منظم داخل هذا البلد العربي الكبير، ومن ثم خلخلة التوازن القائم بين شيعته وسنته على أمل تقليص العامل العربي القومي لصالح الطائفي المذهبي.
وفي مارس/آذار 2015، أعلنت إيران رسميا اشتراك قواتها وقادتها في معارك “تحرير” تكريت وأجزاء من محافظة صلاح الدين بعدما هيأت الحكومة العراقية والأحزاب السياسية والمليشيات، المؤيدة لإيران، قاعدة من المبررات المرتبطة بعدم قدرة القطع العراقية على حسم المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وبعد أن مرر النظام العربي بكامله هذا التدخل الإيراني في شأن دولة عربية يعاني شعبها من مشاكل تاريخية وآنية تستهدف تغييرا ديموغرافيا في عقيدته وولائه، خرج إلى العالم محمد يونسي، مستشار الرئيس الإيراني، ليعلن أن بلاده أصبحت إمبراطورية من جديد وأن بغداد عاصمة هذه الإمبراطورية!
بعد أن مرر النظام العربي التدخل الإيراني في شأن دولة عربية يعاني شعبها من مشاكل تاريخية وآنية، خرج إلى العالم مستشار الرئيس الإيراني ليعلن أن بلاده أصبحت إمبراطورية من جديد وأن بغداد عاصمة هذه الإمبراطورية!
ولتباطؤ العرب أيضا في إبراز ردة فعلهم تجاه طهران وبغداد على حد سواء تجاه هذه التصريحات، خرج رئيس تحرير وكالة “مهر” للأنباء الإيرانية، حسن هاني زاده، بـ”بالون اختبار” للإرادة العربية بشكل عام، وللإرادة العربية العراقية بوجه الخصوص، حيث هاجم بقسوة الدول العربية واصفا إياهم بـ”العربان” وداعيا العراق للوحدة مع إيران لأسباب طائفية وتاريخية، وترك “العروبة المزيفة الجاهلية وتراب الذل العربي” وتغيير ملابسهم بعيدا عن “الدشداشة والكوفية.”
ونتيجة للأحداث التي باتت تتطور بشكل مكثف وسريع خلال الأشهر التي أعقبت سقوط محافظتي نينوى وصلاح الدين وأجزاء من محافظة ديالى والأنبار بيد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في يونيو/حزيران 2014، فقد رفعت الحكومة العراقية، ثم الإيرانية، الحجب التي كانت تغطي الدور الإيراني في العراق، من الناحية العسكرية والعملياتية والمخابراتية، على وجه الخصوص، وبات الحديث عن قائد فيلق القدس الإيراني، قاسمي سليماني، ومشاهدة حضوره في معارك في آمرلي وديالى وجرف الصخر وغيرها، أمرا عاديا.
فقد كان الإعلان الرسمي عن توليه جانبا رئيسيا من قيادة العمليات في تكريت وما حولها أمرا لا جديد فيه، لكن الجديد الذي أدخلته طهران في المشهد، هو صور المئات من الدبابات والآليات المدرعة وراجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة والخفيفة وغيرها، وفي هذا المشهد تحديدا رسائل مكثفة ومباشرة للولايات المتحدة، ثم لدول الخليج العربي عن قدرة طهران على بسط نفوذها بالدم والقوة المسلحة، مقابل عدم جرأة واشنطن للعودة إلى العراق لقتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
نعود لتحليل هذه التحركات والتصريحات الإيرانية المستفزة، والتي بلغ فيها رئيس تحرير “مهر” ذروة التجاوز على القيم والأعراف السياسية والدبلوماسية، وحتى الإعلامية، ولا أدري هل أن هذه التصريحات التي وسم فيها العرب بأسوأ السمات تأتي من باب “اختبار” ردود الأفعال، أم من باب “لقد أسمعت لو ناديت حيا “. لكنها على أية حال، تأتي في سياق “فرض الأمر الواقع” على العراقيين أولا، من خلال التأكيد على أن أغلبية سكان العراق هم من “الشيعة” وأن العرب (النظام العربي) تعمدوا ترك العراق فريسة للإرهاب والاحتلال و”المظلومية”.
وهذا بالضبط ما ذهب إليه حسن هاني زاده حين قال “على الشعب العراقي أن يتجه نحو الوحدة مع أصدقائه الحقيقيين، وينسلخ من ثوب العروبة المزيفة لأن كل ويلات العراق سببها وجود العربان.. ما فائدة الوجود الشكلي للعراق في الجامعة العربية التي تنظر إلى الشعب العراقي بنظرة طائفية؟ لماذا الدول العربية في مجلس التعاون لا تسمح للعراق أن ينضم إلى هذه المجموعة؟ أليس هذا خير دليل على أن الدول الست في المجلس المشؤوم لا تعتبر العراق بلدا عربيا؟”. وزيادة في الإيغال بتفريق العراقيين العرب عن محيطهم الطبيعي، يتساءل زاده بعد تقديمه لدور قاسمي سليماني في تكريت “أين جنرالات العرب، لماذا لا يذهبون إلى تكريت ليساعدوا إخوتهم في العروبة والإسلام؟”.
ما هو موقف شيعة العراق، المعول عليهم في مواكبة أو رفض الخطط الإيرانية لقضم بلادهم وإرادتهم، وهي التي يمكن أن تكون الحجر الأهم في بناء الأيديولوجية الجيوسياسية المعلنة في طهران وبغداد على حد سواء؟ هؤلاء العراقيون العرب لا يمكن اعتبارهم امتدادا لإيران بأي حال من الأحول، لا بل هناك فروق كبيرة بين شيعة العراق وشيعة إيران، أول هذه الفروق يمثله البعد القومي لكليهما، فمعظم شيعة العراق هم قبائل عربية أصيلة توجد امتدادات سنية لها في ذات المناطق الجغرافية أو حولها.
ومن هنا فجميع قبائل العراق يوجد فيها سنة وشيعة وبنسب متباينة، ثم إن شيعة العراق يغلب على ردود أفعالهم تجاه المواقف المفصلية العنصر الوطني كأسبقية أولى، وهذه الحالة مثبتة عبر تاريخ العراق منذ فترة الحكم العثماني، فالإنجليزي، فالاحتلال الأميركي.
إن تطور المشهد الإيراني في المنطقة ببعده المنصوص عليه في مفهوم “الثورة الإسلامية الشيعية” التي دعا إليها الخميني عام 1979-1980 لم يكن ضمن محركات البحث والتعقب العربية بالشكل الذي يجب أن تكون عليه قضية بهذه الأهمية
ولعل تجربتي الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) والمقاومة العراقية للوجود الأميركي والبريطاني بعد 2003، تمثلان نموذجين مثاليين لهذا الأمر، أضف إلى ذلك عناصر تتعلق بأصل المذهب ومعتقداته، كما أن أكثر علماء الشيعة في العراق لا يقرون مبدأ ولاية الفقيه وليس عندهم أي ارتباط سياسي بولاية الفقيه القائمة في إيران، لكنهم يتعاطفون مع كل شيعة العالم بدافع نفسي مرتبط بإحساسهم كأقلية في العالم الإسلامي.
إن تطور المشهد الإيراني في المنطقة ببعده المنصوص عليه في مفهوم “الثورة الإسلامية الشيعية” -التي دعا إليها الخميني عام 1979-1980- لم يكن ضمن محركات البحث والتعقب العربية بالشكل الذي يجب أن تكون عليه قضية بهذه الأهمية.
ففي أولى خطواته بحكم إيران، قال الخميني وأتباعه إن البحرين جزء تابع لإيران، وكذلك فعلت بالجزر الإماراتية الثلاث ثم عززت من قبضتها في مسيرة “الثورة” بجعل حزب الله اللبناني عمودا رئيسيا يمثل إيران وولاية الفقيه في الخيمة اللبنانية، وهكذا بالنسبة لقضايا ومؤشرات كثيرة لا يتسع لها موضوع هذا المقال، لكنها -أي إيران- توجت كل خططها التغلغلية في الجسد العربي والإسلامي عبر بوابة الاحتلال الأميركي للعراق، فكان الاندياح بأرض الرافدين ميسرا في ظل “حكومات” عراقية موالية بشكل مطلق لطهران سواء كان هذا الوصف لمؤسسات حزبية أو تنظيمات دينية أو أشخاص.
وضمن خطة مبرمجة بشكل دقيق، ونتيجة لغياب الدور العربي المطلق، فقد استمالت طهران موقف شيعة العراق عبر بوابة الشعائر الدينية المرتبطة بعقائد الشيعة والتي تتركز معظمها في العراق، فقامت بتحويل أشهر وأيام العراق إلى مواسم للحزن والنحيب والزيارات المليونية للمراقد وغيرها، وهذا الإجراء بشكل عام أعطى جرعات تخديرية لسكان المدن الشيعية، ثم باتت تلك المواسم مصدر رزق وتجارة كبيرة جدا للمدن المقدسة مثل النجف وكربلاء وسامراء والكاظمية ببغداد.
إن علْم طهران بتناغم شيعة العالم مع خطابها المدافع عن مصالحهم، ثم توسع نفوذها في العراق تحديدا، ثم في لبنان وسوريا واليمن وأفغانستان وباكستان، يدفعها الآن لتتويج جهودها منذ عام 1979 وحتى الآن بإعلان إمبراطوريتها، المرتكزة على المذهب “الشيعي” والبعد الجغرافي والتنظيمات السياسية (الشيعية وغير الشيعية) التي تمولها بشكل مباشر أو عبر وسيط، وحتى هذه اللحظة يبدو هذا الحلم منظورا لدى قادة طهران، لكنه في حقيقة الأمر، وإذا ما تم تداركه عربيا وإسلاميا لن يتحقق، ولن يكون إلا ما هو كائن فعلا في حدود العلاقات الدولية والاجتماعية.
نحن نقول إن جل ما تخشاه إيران في مشروع “الإمبراطورية الشيعية” هو دور شيعة العراق العرب، ذاك أن شيعة العراق هم قبائل عربية كما أسلفنا، تعرضوا منذ عام 2003 ومازالوا لشتى أنواع الظلم والتعسف والإرهاب من قبل مليشيات وعناصر المخابرات الإيرانية، وحرموا في محافظاتهم (البصرة، ذي قار، ميسان، المثنى) من كل أنواع الخدمات، وكلفت طهران رئيس الوزراء العراقي السابق تشديد قبضته على سكان هذه المناطق خلال فترة حكمه لإذلالهم أولا، ولتطويعهم لصالح المشروع الإيراني في العراق وفي المنطقة ثانيا.
ولكن نتائج كل هذه الضغوط ما زالت لصالح القومية العربية والوطنية العراقية، وما زال أغلبية الشيعة العرب في العراق في تقاطع تام عاطفيا ووطنيا وعشائريا ضد فكرة أن يكون العراق تحت ظل ولاية الفقيه (طهران) لكنهم، أيضا، بحاجة فعلية لمواقف عربية لصالح العراق، وليس لصالح شيعة العراق، فالمغدور في المعادلة كلها هو العراق والعراقيون، ثم المنطقة بأسرها.
إن علْم طهران بتناغم شيعة العالم مع خطابها المدافع عن مصالحهم، ثم توسع نفوذها بالعراق تحديدا، ثم لبنان وسوريا واليمن وأفغانستان وباكستان، يدفعها الآن لتتويج جهودها منذ عام 1979 وحتى الآن بإعلان إمبراطوريتها، المرتكزة على المذهب الشيعي
سنة العراق من جانبهم، في حالة صراع دموي وفكري وعقائدي مستمر ضد المشروع الإيراني، ورغم أنهم في حالة تواصل عشائري مع إخوانهم من الشيعة العراقيين، فإنهم أيضا يحتاجون لموقف عربي واضح يدعم نضالهم ضد كل ما يجري على أرض وطنهم العراق، ويرون أن إيران، مع قوى عديدة، تحاول أيضا قطع أوصالهم من خلال العنف والإرهاب لإجبارهم على الهجرة من العراق أو القبول بفكرة الحرب الطائفية، وعند ذاك تكون إيران أبرز المدافعين عن حق “الشيعة”. وهو ما لم يحصل حتى هذه اللحظة نتيجة للأبعاد الثقافية والاجتماعية والتنظيمية التي جُبل عليها العراقيون فيما بينهم منذ مئات السنين.
نعود إذن لتصريحات يونسي وزاده وغيرهما، حول موضوع الإمبراطورية ودعوة العراقيين للاتحاد مع إيران، ونؤكد أن طهران اكتشفت من جديد أن العراقيين لم يروَضوا بعد للدرجة التي يقبلون بها أي مشروع استتباع يقدَم لهم من خلال رفض العشائر العربية الشيعية وكذلك المراجع العراقية الشيعية والسنية المطلق لمثل هذه المشاريع.
كما انتبهت طهران أيضا، أن للعرب أيضا صوتا ما زال مسموعا، وقد يكون مؤثرا، من خلال تصريحات ومواقف رافضة لتصريحات المسؤولين الإيرانيين، إضافة لقرار وزراء خارجية جامعة الدول العربية في التاسع من مارس/آذار بشأن دعم الجيش العراقي في حربه ضد الإرهاب، كان كل ذلك في حقيقة الأمر إيذانا عراقيا ثم عربيا للحكومة العراقية والإيرانية بإمكانية إجماع عربي على إدارة الشأن العراقي كملف “عربي” بما يعنيه من مساعٍ حثيثة توفر للعراقيين (شيعة وسنة) مصادر تعينهم على مقاومة للمشروع الإيراني.
ويبقى السؤال المطروح: هل سيكون هناك حقا، إجماع عربي لمواجهة المشروع الإيراني بدءاً من العراق؟