23 ديسمبر، 2024 5:13 ص

بماذا سيتضرر العراق من توقف اتفاقية الحبوب ؟!

بماذا سيتضرر العراق من توقف اتفاقية الحبوب ؟!

في تموز 2022 وقعت روسيا وأوكرانيا على اتفاقية الحبوب برعاية أممية ووساطة تركية بهدف ضمان شحن الحبوب الأوكرانية العالقة في الموانئ عبر البحر الأسود بسبب الحرب ، ومنذ ذاك الحين جرى تمديد الاتفاق الذي يحمل عنوان ( مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب) عدة مرات ، لكن روسيا أعلنت في 17 تموز الجاري إنها علقت مشاركتها في هذا الاتفاق ، ومن شان ذلك إحداث أزمات في توريد الحبوب للبلدان التي تستورد منهما الحبوب وارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية ، والعرب هم من أكثر الشعوب تضررا كونهم من الأكثر استهلاكا للقمح فمن حيث عدد السكان فإنهم يشكلون 5% من أجمالي سكان العالم إلا إنهم يستهلكون 25% من نسبة الاستهلاك العالمي من القمح ، وحسب تقرير أمريكي فأن 9 من الدول العربية استوردت بما يمثل 21.9% من واردات القمح العالمية ، ومن المتوقع أن تكون ( مصر والسعودية والمغرب والإمارات والجزائر وتونس والسودان والأردن واليمن وليبيا وفلسطين والكويت وقطر وعمان ) ، ضمن أكبر دول المنطقة تضررا كونها الأكثر استيرادا للحبوب من روسيا وأوكرانيا ، كما إنها يمكن أن تتضرر من ارتفاع الأسعار التي قفزت في البورصة الأوروبية بنسبة 8.2% في 19 تموز عن اليوم السابق لتصل إلى 253.75 يورو (284 دولاراً) للطن ، والعراق ليس بمعزل عن الازمات العالمية التي تهدد توريد القمح باعتباره مستهلكا كبيرا فهو يستهلك أكثر من 5 ملايين طن سنويا ، ويحتاج شهريا 450 ألف طن لتامين متطلبات البطاقة التموينية التي تتضمن مفرداتها تخصيص 9 كغم للفرد الواحد شهريا مما يتطلب توفير أكثر من 4 ملايين طن سنويا لمجمل المشمولين بالبطاقة التموينية عدا ما تحتاجه الأسواق لأغراض صناعة الخبز والمعجنات .
ويتوقع المواطن بان صعوبات ستواجه العراق في توفير حاجته من الحبوب وبالذات القمح في بعد أن اضطرت الحكومة لتعديل الخطة الزراعية التي تقلصت بسبب شح المياه التي طالت جميع انهار العراق ، فما نشهده انخفاض ملحوظ في مستويات الخزين المائي لقطع او تخفيض الاطلاقات المائية من دول المنبع ومواجهة مواسم قليلة الأمطار ، وهو أمر واضح للعيان ويشهده المواطن العراقي يوميا حيث تنخفض مستويات الأنهار وتنقطع المياه عن كثير من المناطق وتسبب تلف الزراعة والثروة الحيوانية وجفاف مساحات واسعة من الأنهار ، ولكن ما فاجأ تلك التوقعات تصريحات معالي وزير التجارة السيد أثير الغريري، التي حضرتها ( واع ) ، والتي أكد فيها أن مخازن وزارة التجارة استوعبت كميات من الحنطة هي الأكبر بتاريخ العراق ، فيما توقع أن يشهد العام ( المقبل ) طفرة نوعية في إنتاج الحنطة في ظل الخطط الحكومية ، وقال الغريري في كلمة له خلال احتفالية انتهاء موسم تسويق الحنطة لعام 2023 وتحقيق الاكتفاء الذاتي ، أن وزارة التجارة تمكنت من استيعاب كميات كبيرة من مادة الحنطة أثناء الموسم الزراعي ونجحت خطة التسويق بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة في منع تهريب كميات من الحنطة من والى باقي المحافظات بالتنسيق مع الأجهزة الرقابية والامنية في جميع المحافظات ، وتوقع أن يشهد العام المقبل طفرة نوعية في الإنتاج والنوعية في استخدام وسائل الزراعة وأساليب الري الحديثة وإجراءات أخرى داعمة لزيادة المساحات المزروعة ، ومنها تسديد حصص المزارعين من مستحقات التسويق أولا بأول التي كانت تشهد تأخيرا في سابق الأعوام ، لافتاً إلى بذل أقصى الجهود لتنفيذ فقرات ( البرنامج الحكومي ) بخصوص الحبوب .
ورغم التفاؤل الذي يملأ هذه التصريحات والتي تفتقر للأرقام ، إلا إن هناك من يسأل عن مدى الإمكانية في ديمومة توفير احتياجات البلد من القمح خلال المواسم القادمة ، فالعبرة ليس في توفيرها لموسم محدد وإنما استمرار التوريد و الاحتفاظ بتخزين استراتيجي يؤمن الأمن الغذائي للسكان لمادة غاية في الأهمية وتدخل في الوجبات الغذائية لأغلب السكان ، ونقول ذلك في ظل تصريحات وزارتي الموارد المائية والزراعية التي فيها إشارات واضحة إلى تخفيض الخطط الزراعية القادمة لأكثر من النصف والتي اضطرت لإيقاف زراعة الرز رغم إن زراعته له كثير من المدلولات ، كما إن المواطن يتساءل إذا كان وضع الحبوب بهذه الدرجة الايجابية فلماذا يتأخر او يتبخر تجهيز الطحين في الحصص التموينية الشهرية ولماذا لا يؤثر ذلك على أسعار الخبز في الأفران والأسواق ، وهي أسعار بقيت ثابتة ولم تنخفض رغم عبور الازمات السابقة المتعلقة بانخفاض أسعار صرف الدينار والأزمة العالمية في توريد الحبوب التي مرت قبل عام ، وفي الوقت الذي نتفاءل فيه لتظافر الجهود في توفير قوة الشعب من الحبوب فان من المهم التأكيد على توفير خزين استراتيجي لكي يواكب مختلف الظروف وإيجاد بدائل عن الهدر في الطحين الموزع في البطاقة التموينية ، لان أكثر جهد الدولة يتركز فيه ولكن نسبة مهمة من المواطنين لا يستخدمونه في صناعة الخبز وإنما يتم بيعه للوكلاء والناقلين بأثمان ( بخسة ) لا تناسب قيمته ، حيث يباع الكيلو لهم ب300- 500 دينار للكيلو رغم انه مطحون في حين إن الدولة تشتري الحنطة ( حبوب ) من المزارعين بسعر 850 ألف دينار للطن أي 850 دينار للكيلوغرام ، ولرخص ثمن طحين الحصة ونوعيته فهناك من يستخدمه كأعلاف للحيوانات ، ولتخفيف العبء على التجارة في توفير الطحين ، فالمقترح إتاحة الخيار للمواطن في استلام الطحين لصناعة الخبز او بيعه للتجارة و يعوض المواطن بمبالغ مقابل تنازله عن حصته من الطحين باختياره ويمكن السيطرة على ذلك من خلال البطاقة التموينية الالكترونية التي دخلت التطبيق ، وقد يجد البعض إن هذا المقترح يتقاطع مع نوايا التجارة في توزيع الخبز والصمون للمواطن بدلا من الطحين ، وهي نوايا تحتاج لمزيد من التفاصيل وقد لا تجد لتلك التوجهات نصيبا من النجاح لعدة مسوغات وأسباب لا نريد الخوض في تفاصيلها الآن ، والخلاصة إن تصريحات الوزير بخصوص قدرة البلد في توفير احتياجاته من الطحين وتحقيق الاكتفاء الذاتي تشير إن وضع الحنطة في بلدنا بأمان وبمعزل عن التأثيرات العالمية ، وذلك يبشر بالخير حتى وان تم استيراد كميات محدودة بدرجات جودة عالية للخلط وتحسن النوعية كون ذلك يتكرر كل عام ، والأكثر أهمية في كل لأحوال هو التأكد في تامين الأمن الغذائي من الحبوب كونه ابسط ما يقدم للمواطنين .