23 ديسمبر، 2024 5:29 ص

بلوى الله بشهدائنا وشهدائهم

بلوى الله بشهدائنا وشهدائهم

قتلنا في الجنة وقتلاهم في النار. صراخ بدعوى الدعاء وهذيان بدعوى المناجات، لا ينفك نسمعه في كل كارثة ونائبة تلم بهذا الشعب الذي نكب نفسه بسيادة هولاء المهوسين بسوق هذا الشعب بسوط الفتاوى من كارثة الى اخرى ، أئمة الموت يلوحون بهذا الشعار لتحشيد اكبر عدد من شبابنا وليكونوا في عداد قتلانا وقتلاهم. غربان الموت هذه  لم ينفك نعيقها يوما في استخدام كل ما في ايدهم لشرعنة الموت  وباشكال مختلفة باعتباره مشروع يومي مقدراً للعراقيين. تحت ايديهم حشد فائق من النصوص والاحاديث والتفسيرات والتاويلات لاثبات قدسية فتواهم وشرعنة القتل وتقديسه.  يبحثون في كل نائبة وكارثة عن ( الشهيد السعيد ) والذي عاش دنياه بائسا، جائعا، مهدور الكرامة، تاركا خلفه حفنه من الايتام ولن نستغرب ان لم يكن اولادهم واحفادهم ضمن طابور الشهداء السعداء.  الكل يستمد فتواه بالاساس من نص واحد هو القران مسنداً بالاحاديث والتفسيرات والتأويلات المتنوعة. الكل يدعي قدسية تأويله وصحة بوصلته في اكتشاف الطريق الاقرب الى الله، فالاسلام السياسي سنياً كان ام شعياً لا يسعى الا لتعطيل منظمومة التفكير المنطقي للانسان ويتعارض بشكل كامل مع العقلانية الدينية، التي بتنميتها وتنشيطها لن تعادل  هذه الفتاوى، ثمن الورق الذي كتبت عليه.    

 القرأن يشتمل 6236 آية. آيات الاحكام الشرعية تتراوح حسب السيوطي في ( الاتقان ) ب 500 و600 آية, نُسخت منها 120 أية ( رغم الاختلاف المتعدد في عدد الايات المنسوخة والتي لم ُيتفق على عددها- الملاحظة من الكاتب)، فتبقى في حدود 5700 اية لا يعلم تأويلهن الا الله والراسخون في العلم ( العفيف الأخضر- من محمد الايمان الى محمد التاريخ). تتنصب بموازة ذلك الاعداد الكبيرة من الاحاديث لدى كل من السنة والشيعة لتؤول وتثبت انا قتلاهم في النار وقتلانا في الجنة. قتلانا، شهداء سيكون مثواهم الجنة وسيرافقون الانبياء والصدقين، اما قتلاهم فلهم جهنم وبئس المصير. نحن الفرقة الناجية، وملائكة بدر تقاتل بين صفوفنا وكم من طائفة صغيرة غلبت طائفة  كبيرة. هذا وغيره من الهوس والهذيان الدينى المتعطش للموت والخراب والذي استبدل الخطاب القومي اليمني والرجعي لستنيات وسعبنيات القرن الماضي لطبقات وفئات واحزاب لم نحصد من سياسيتها سوى الدم والدمار، هي اليوم تتصدر واجهة الاحداث بلبوس طائفية، وحين تتطلب مصالحهم ان يلتقوا، فلن يجدوا صعوبة في ان يجدوا طاولة مطرزة بما لذ وطاب ولن نسمع منهم سوى تبويس اللحى والغفران لقتلنا وقتلهم.     

ما دارت طاحونة الحرب و سرطان الموت العبثي والدمار في الجسد العراقي المنهك، حتى علا نعيق هذه الغربان ، دافعين كل ماهو جميل في الحياة الى المحرقة. شعار  لم يستغرب العراقيين سماعة منذ ان  تلقفتهم الحروب. منذ الحرب العراقية الايرانية المشوؤمة، بل ربما ابعد من ذلك بكثير، لم  يتغير في هذه اللوحة سوى صوت وصورة هذه الغربان والتي لم ولن يعرف احدا منا، لماذا قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار.

كيف ستكون حيرة الله يوم القيامة بقتلانا وقتلاهم؟ من سيدخل من هؤلاء الى الجنة ومن سيساق الى نار، شاتما إمامه الذي اتبع فتواه. فالكل يدعي مصداقيته سواء بمقتله او بعدد جرائمه التي نفذها تقربا لله.

يرسم الاسلاميون بطريقتهم هذه صورة كاريكترية جديدة لله يوم القيامة عند اجتماع قتلانا وقتلاهم ( شهدائنا وشهدائهم ) بين يديه وما اكثر هذه الصور التي رسمها المفسرين والذين لم يتفق جلهم على تفسير واحد لاية واحدة في كتاب لا يعلم تاويله الا الله والراسخون في العلم. الله المغترب عن عباده نتيجة  فقه اوليائه( الصالحين)، اولئك الذين سكتوا عن خراب بلدهم وافقار شعبهم وصمتوا على ان تكون نعمة الانسان بامانه وسعادته ورفاهية حياته وضمان مستقلبه وخير بلده وشعبه. قتلانا وقتلاهم، رجالا ونساءاً هم فلذات قلوبنا، ووردنا التى زرعناها، هم ابائنا وامهاتنا واخواتنا واخواننا. هم العراقيون اهلنا. هم ابناء هذا البلد المنكوب بالارهاب والطائفية والقتله والسراق وكل ما يبخس كرامة الانسان. على اي قاعدة وعلى اي فقه سيقطع قتلانا بطاقات الدخول المجاني للجنة؟ كيف ستجمع الجنة القاتل والضحية. هي حيرة الله بقتلنا وقتلاهم؟. كلُ سيدعي مصداقيتة سواء بجرائمه  التى ارتكتبها غير عابئا باعداد ضحاياه او بتضحيته بنفسه، انه صاحب الجنة و لن يتحمل اكثر عذب حور العين ، اللواتي طال إنتظارهن وشوقهن له.
حين تدعى كل امة بامامها، سيجد كل منهم عذره بانه اجتهد، فان اصاب فله أجرين وان أخطئ له أجرواحد، هو في كلا الحالتين كسب الدنيا والاخرة. غربان الموت المهوسة بردائها الاسود من كلا الطرفين لم توسع يوميا مساحة الحياة ولكنهم كانوا الاكفئ بتوسيع مساحة المقابر. انها بلوى الله بقتلنا وقتلاهم وبلواه بعلمائه الراسخين في العلم وشرعنة الموت. فياخيبة وبؤس قتلانا وقتلاهم.