23 ديسمبر، 2024 6:07 ص

بلوى العراقيين بقيادات حزب الدعوة

بلوى العراقيين بقيادات حزب الدعوة

الخطاب ( التاريخي) الذي ألقاه ما يسمى ( الاب القائد ) أحمد حسن البكر في 1979 بإعلانه التنحي عن رئاسة الجمهورية لصالح المقبور صدام حسين، لا يضاهيه لدى رسامي الكاريكاتير  سوى الخطاب ( التاريخي ) للقائد نوري المالكي. ظهر الحاج نوري  في خطابه الاخير محاطاً بأخوته الدعاة وقادة حزبه وائتلافه، بوجوههم المتجهمة ووقفتهم المتيبسة وكأن الطير تأكل من رواسهم، ليهذي بأمور لا يصدقها فراش مكتبه.

لحظتان بائستان في التاريخ العراقي. الاولى نقلت العراق من ديكتاتورية الحزب القائد الى ديكتاتورية المشيخة والعائلة الصدامية  والثانية تسعى لنقل السلطة من المالكي الساعي لفرض ديكتاتوريته الى ديكتاتورية حزب الدعوة وبنطاق اوسع كما، في خطوة  يراد لها، تأسيس ديكتاتورية التحالف الشيعي( توسيع مجال شعار ما ننطيها ). لحظتان لم تخرج الشعب والوطن المغدور من عبث وشرهة ولؤم الاحزاب الشمولية التي عومت العراق في بحور مضطربة لا تلوح فيها ضفاف أمنة.

 ما ان لملم المالكي اوراقه حتى خرج علينا بعض قادة حزبه ليعلنوا سلامة الاوضاع الداخلية للدعوة والجوانب التاريخية لفترة رئاسة الوزراء في عهد المالكي، وتبدو تصريحات الدكتور وليد الحلي في لقائه في الفضائية العراقية وإشادته بالمالكي،  شيئاً من المسخرة التي لا تحتاج الى تعليق، متناسياً توعده للمالكي ونهجه في الاعلام بعد إعلان نتائج الانتخابات الاخيرة. ليت الرجل أدان طرق واساليب العمل في فترة المالكي ونتائجها وعزمهم على تصحيح ما جرى، ربما بسلوكه هذا وسع من فسحة الامل الضيقة للمحروقة  أرواحهم على واقع ومستقبل العراق.

 

ظهر المالكي محاطاً بوجوه ارتبط معظمها ان لم يكن جلها بالفساد والخراب. هذه الصورة تعكس حقيقة التغير وفحواه. هؤلاء الذين انتقلوا من الجحور الى مواقع النمور والابراج العالية وقادوا الدولة بأسلوب المنظمة السرية كي تبقى تبيض لهم ذهبا مخمساً، لم يكونوا على استعداد لخسارة موقعهم ونفوذهم ( الرباني ) وارصدتهم التي تصطف الى يمينها العشرات من الاصفار، باسم المذهب والطائفة والمظلومية التاريخية. لن يسمحوا بأن  يتحول ربان سفينتهم الى جرذ ينخر فيها. ففي الوقت الذي اخرجوا المالكي من الباب فانهم ادخلوه من الشباك ( هذا في الحد المعلن )، مما يعنى ضياع الفرصة لتقييم ما حدث ورسم معالم سياسية جديدة، وطنية، صادقة تنتشل البلد مما فيه وتفتح الباب امام تحول حزب الدعوة من الشمولية الى المَدنية وهي خطوة تمس كل احزاب الاسلام السياسي والاحزاب الشمولية بكل الوانها، عداها لا ينتظر العراق ارضاً وشعبا سوى الموت البطيء، لكن المعادلة تبدو غير سهلة، خاصة في ظل ضعف او انعدام السياسات الوطنية وضعف وجود ارضية متماسكة في القوى المتنفذة  لأحداث إنعاطفة في الوضع السياسي القائم. فتقديم الرجل للمساءلة والحساب وهو صاحب الملفات المخفية لوقت الحاجة كما يدعي، ربما سيمزق كيس الزبالة المتعفنة وسيفضح المستور، ولنا ان نتصور عفونة الروائح المنبثقة منها. اسئلة عديدة عن دور المالكي لم تتضح بعد، لا تقتصر على سمات الرجل فقط وانما هناك عوامل متعددة تلعب دورا في هذا الامر، بما فيها عناصر دولة القانون التي يرتبط وجودها بالمالكي وهل ستنقل ولائها. بتقديري سيكون المالكي امام خيارين احلاهما مر، ام ان يقبل بدور هامشي ويجلس ( على باب الله ) بانتظار القادم وما ستحمله الايام، أو يستمر بهذيانه وهلوسة المحيطين به وتصوراته المتضخمة عن نفسة وبالتالي سيجري تصفيته سياسياً وربما جسدياً لاحقاً.

                                                                                                                                               بعيدا عن  ما يطرحه البعض عن دورس الموعظة في دورس التبادل السلمي للسلطة من قبل المالكي او دور مرجعية السيستاني الحاسم في هذا الامر، رغم ان رسالة السيستاني لحزب الدعوة سبقت تنحي المالكي بفترة غير قصيرة، لكنها لم تكن حاسمة في موقف المالكي في اقل تقدير، الا ان المتتبع يلاحظ ان اعلان انسحاب المالكي ترافق بعد ساعات مع رفع الغطاء عنه من قبل خامنئي وترحيبه بترشيح العبادي. لقد فهمت ايران الرسالة الامريكية ولو بشكل متأخر نسبيا، خاصة حين تجول كلاب الدولة الاسلامية ( داعش )المسعورة عند عتبة دارها. يمكن للمالكي ان يلتقي بمرشد الثورة بدون ربطة عنق وتحت العلم الايراني وينحني لتقبيل يديه ولكن الأمريكيين لن يتركوه ينبح  حرصا على مصالح دولة الفقه. ما جرى هو خطوة في صالح عموم نظام المحاصصة من اجل ترميمه. ترميم مواقع حزب الدعوة، ترميم التحالف الوطني، ترميم سلة النظام كله ولذلك سارعت الاطراف الاخرى بالترحيب به واخذت تهيء نفسها للجولة القادمة، لكن من يعرف او يستطيع ان يتجاهل عدد البيض الفاسد في هذه السلة.

شن ( مختار العصر ) حربه على الكل وبالذات حلفائه من السنة والاكراد تحت شعار ( نارهم تأكل حطبهم ).  شعار لا يبتعد عن بعض وجوه سياسة صدام حسين ومواقفه  عندما اعلن الحرب على ايران وطبق هذه السياسة الطائفية على الشيعة، وتسربت الحياة كما يتسرب الماء بين اصابع العراقيين فلا ماضٍ كان ولا حاضر ولا مستقبل، ويبقى السؤال المفتوح الى متى يبقى الوضع هكذا، اي اله سيمد العراقيين بالمزيد من الصبر كي يضلوا متفرجين خارج الملعب. لا يحتاج ذو عقل ان يدرك الى اين قادت سياسة المالكي وقد كُتب وسيكتب الكثير في هذا الشأن ولكن ما يحتاجه وضعنا القائم روحاً وطنية صادقة وشجاعة واصراراً من اجل اعادة الهوية الوطنية المتهتكة وفتح مسارب للخروج من  نظام المحاصصة، فهل سيطرق رئيس الوزراء المكلف ومن يقف الى جانبه هذا الباب؟