بداية موفقة تلك التي اقدمت عليها المبدعة بلقيس حميد حسن، بصدور روايتها التي تحمل عنوانين، رئيسي (هروب الموناليزا) وآخر فرعي(بوح قيثارة). والعنوانان صيغا بطريقة لافتة حقا، وينتظران ما تؤول اليه القراءة الأولى للعمل، لنطلع على مرجعيتهماوأدوات تناولهما، لتشابك تأويلاتهما بإحالات من العسير فهم مقاصدهما، حتى نلج متون العمل بندية، لنقترب من نوايا الكاتبة في هذا التوظيف الملتبس، مع علمنا أنها شاعرة متميزة في لغتها وموسيقاها وبلاغة توظيفاتها، وقبل كل شئ، ملكة الحفظ المذهل لأشعارها، إذ نادرا ما نراها تعتمد على القراءة المباشرة من مصدر أمامها، بل قدرتها على حفظ أشعارها عن ظهر قلب، بموهبة نادرة، لتفاجئنا باقتحامها جنس الرواية، والتي تتطلب مقدرة وكفاءة ولغة حكي، ليس من اليسير على أي مبدع أن يغامر بخوض هذه التجربة، لأنه شتان ما بين الكتابة الشعرية وقرينتها الروائية. لكلٍتجنيسهوأدواته ومرجعيته وموهبته ولغته، والسبب في توجه الشعراء للكتابة الروائية كما هو معلوم، اختلاف أدوات الكتابة وحالاتها، وطول النفَس في الوصف والتناول المؤسس على تقنيات مغايرة للصياغات الشعرية، حتى فاجئتنا بهذا الغزو الجديد لاقتحام عالم الكتابة الروائية بعد أن ألفناها شاعرة متمردة بلغة مغايرة للسائد في الكتابة الشعرية من حيث تمكنها ودرايتها بكتابة قصيدة التفعيلة والحديثة على حد سواء.
إن من بديهيات الكتابة الروائية أن يسعى الكاتب إلى أن يخفف من أعباء الوصف الممل أحيانا، وهذا يتطلب دربة كافية لدي المبدع، لمعرفة وقت الحوار، ووقت الاسترسال في الوصف، وتداخل الأحداث، بطريقة لا تدفع القارئ لغلق الكتاب قبل تتمته، لطغيان اللغة الآسرة، والحوارات الممتعة، والانتقالات في المكان، والزمن، وبلغة موجزة، ولكنها موحية ومعبرة، لأن الدخول إلى عالم السرديات ليس بالأمر الهين والمتاح لاي كاتب، يتطلب كاتبابوعي سردي، ومعرفة عالمة بأدوات السرد بمنهجية تتحكم ببواطن العمل، بعيدا عن الالتباسات والغموض والخروج عن المنحى المرسوم للعمل بشطحات قد تسئ كثيرا لما يروم الكاتب تسطيره على البياض، وحتى تتمكن لغة السارد من الادراك بإقتناص الحدث الروائي باختيار الصور الذهنية التي تؤثث لفضاء السرد بتواشج لا انفصام فيه بين خبرة السارد بكل تفاصيلها ومتلقي السرد بلغة متماهية وعارفة ببواطن العمل، بتوظيف أصوات سردية داخل العمل، تكون موحية ومستفزة للمتلقي، لخلق ذلك التواشج المطلوب من العلاقة القوية بين السارد والمسرود له، وهذه الحالة هي ما يسعى اليها الكاتب لاعلان حالات فرح ومصالحة آسرة بين مكونات التناول وهموم المتلقي في التواصل، وهذه التوصيفات سالفة الذكر، هي ما لاحظناها حاضرة بقوةوبشكل جلي ومتقن في عمل المبدعة بلقيس حميد حسن.
أليست هذه المعايير تعتبر أساس نجاح أي عمل روائي يسعى الكاتب لفرض سطوته بكفاءة عالية، على قارئ يبحث عن الجديد والمتميز، إذا ما أريد للعمل أن يكتب له النجاح والتفرد؟
يقول ميلان كونديرا: إن اكتشاف كينونة الانسان وسره المنسي والمخفي في آن هو ما يمكن للرواية وحدها دون سواها أن تكتشفه)
هذا توصيف دقيق ومدروس لماهية الاشتغال على العمل الروائي الناجح، وهذا ما سعت إليه الكاتبة بلقيس حميد حسن، لتستجمع شتات ما بقي من رصيف ذاكرتها، لحالات ومرارات ومكابدات مرت عليها وعاشتها بمعية بنات جنسها من العراقيات،فأبت إلا أن توثقها بلغة أدبية لا بكلام إنشائي عادي، لتحقق أولا ذاتها في هذه المغامرة الابداعية الجديدة، وثانيا لتوثق محطات مهمة في تاريخ العراق، وما عانته المرأة من إقصاء مذل ولا زالت، وهذا هو الوفاء بعينه، أن توظف أديبة كفاءتها الإبداعية لتسجيل حالات من العذابات والمرارات، باقتناصها وتسطيرها بأمانة الناقل لمن عاشها وكابدها وعاينها، قريبا أو بعيدا، بلغة أدبية موحية وبمعاني انسانية غاية في الوجد والانكسار والألم الممض.
جميل أن تحفر الكاتبة غورا في دواخلها، لتخرج ذلك الخزين الوجداني والعاطفي ورغباتها المكبوتة قسرا، لتوقظ حالات عاشتها وكابدتهابنفسها، هي ومن على شاكلتها من بنات جنسها، من حجم هائل للعذابات، لتقوم بتنصيصها ومن ثم القدرة على البوح بصدق المكلوم من تلك الصور المريرة، لتبحث عمن يشاركها ذلك القهر من مصادره المتعددة، عله يخفف عنها قليلا. وتتنفس الصعداء بعد أن تخرج المكبوت من ذاتها المعذبة، لتعلنه على الأشهاد ودونما مواربة أو وجل، بوحا مكلوما، وحسرات من زمن لا يعرف الرحمة، لأجمل المخلوقات الكونية. طفلة مائعة لا تعرف خبث الآخرين، وصبية تتفتح يوميا أمام مرأى من حولها، دون أن يعيها الآخرون، كائنا جميلا ومخلوقة ندية، وشابة يافعة صودرت عنوة من عالمها الوردي الجميل، لتدخل زنازين اللاءات في كل تفاصيل حياتها، حتى عادت لا تغامر بمجرد التفكير بانها أنثى من حقها أن تحب وأن تختار وأن تحيا بفرح الامساك باحلامها كي لا تشذ عنها اللحظات الآسرة، عاثت في تكوينها الخرافات والممنوعات والرعب من تجاوز الخطوط الحمراء ودوائر الغضب السادي، حتى فقدت الإحساس بآدميتها، وأصبحت جثة هامدة لا روح فيها، خلاف اؤلئك الذكور الذين يلحسون خيبتها وهي صاغرة، وهم بذلك القدر من المكر والخيلاء، لحقٍ منحه لهم المشوهون لشرعة الحياة، ليتملكوها رعونة، يوزعون الملذات لمن يريدون، وكأنهم وريثون حتى لكرامة الناس وأمانيهم في العيش البعيد عن سياط الجلد اليومي المخيف، ومصادرة أحلام ورغبات أجمل المخلوقات، وهم لا يقفون على ما هم عليه من أفعال خرقاء ومواقف لا علاقة لها بجنس البشر، ومخلوقات الله في أرضه الواسعة، البعيدة عن هذه الارض القاحلة بسياطها وجبروتها وتخلفها ولا آدمية معمريها.
تقول الكاتبة في لوحة “ما قبل البوح”:
(قد تختلط عليكم شخصياتنا، كما اختلطت عليكم معرفة مشاعرنا وتحيرتم. هل نحن بشر أم أقل من بشر؟ وقد يرى بعضكم نفسه في بوحنا هذا)
كأني بها تريد أن تقول إذا عمّت نكباتنا، هان علينا نواحنا، فتريد من المتلقي أن يشاركها ذات المحن التي ستبوح بها، وهي العارفة بأن ما من عراقي يخلو من هذه المكابدات.
ثم تواصل في عتباتها الأولى قبل الشروع في بوحها:
(اليكم أوتارنا التي فاقت عددها الحد، أنا أو هي أو هنّ. كلنا نمتزج ببعضنا في بوح قد يتعبكم حينما لا تعرفون من تتكلم عن ذاتها ومن تتكلم عن الأخرى. أو حين تتشابه عليكم الأزمنة والأماكن، وتختلط عندكم الأمور)
هكذا تتشابك في بوحها حالات مختلفة في مساراتها وتفاصيلها، ولكنها كلها تلتقي في حالة من التوحد المرير لما تعانيه المرأة من أطراف عديدة، منها ما هو ظلم مجتمعي، الى قمع سلطة، مرورا بسطوة الرجل وجبروته، وصولا الى الملاحقات والتيه في منافي العذاب، صور مخيفة من المعاناة تنقلها لنا الكاتبة، بتأثيث لحظات سرد، هي بمثابة مراجعات لما مخزون في ذاكرتها، (فلاش باك) تسقطه بين اللحظة والأخرى على الحكي، لا باقحام غير مرغوب فيه أو من بنات أفكارها، بل بمكابدات حقيقية، حين تصرخ بصوت مبحوح متعب يصل أحيانا الى حالات من الهمس الخفيض، لتعرض شريطا آسرا مما كانت تعانيه من مصادرة لطفولتها، وأنوثتها، وكرامتها، ووجودها، وكينونتها، كونها مخلوق يحس ويشعر ويتمنى ويعيش حالات من الأحلام المشروعة، لكن كل هذه التفاصيل تذوب عبثا في بوتقة الممنوعات وتابوهات مقيتة، الأمر الذي يجعل الرفض مشروعا، والتناول بلغة قد تبدو غير محتشمة في نظر من مارس سطوة الالغاء عليها، عادية بل وجريئة بصدق من البوح الانساني يعبر عن معنى الاستلاب الحقيقي، لتبيان حجم المعاناة والكبت والضيم الذي مورس ضدها وبنات جنسها. إنها ندوب الحياة القاسية وما تتركه من خراب روحي.
(منذ سنوات تعلمت أن أنام عارية، لكنني لم أنس عادتي القديمة أيضا، فقبل أن أغفو تمتد يدي إلى نعومة صدري وخصري ثم إلى عصفوري)
أليس هذا ما يحصل في كل البيوتات العربية بغموض أسرارها، فلماذا كل هذا الكبت لمخلوقة من حقها أن تمارس حياتها بشكل طبيعي، لا بمعنى التحلل الأخلاقي، ولكن لرفض أساليب القمع من محظورات أقل ما يقال عنها، أنها تصادر أحلام الفتاة المشروعة، بامتلاك حرية التحكم بجسدها، والتصرف به كيف تشاء، لا أن يصبح العقل والجسد والأحاسيس والشعور وحالات التوحد البريئة مع الذات الكسيرة، كلها ممنوعات على الأنثي المسلوبة الأرادة أن لا تتجاوزها، ومشروعة على الصبي والشاب بعقلية ذكورية مقيتة.
أن الكاتبة هنا تفتح ملفا في غاية الخطورة والأهمية لتعود هي وبجرأة غير معهودة، لسان حال كل المعذبات من أبناء جنسها، مرة بهمس وديع، وبصوت أنثوي آسر، ومرة بصراخ يشق عنان هدأة الصمت المريب، لتبحث عمن يواسيها حالات الانكسار والحرمان بكل أشكالهما وحالاتهما الكارثية.
(هكذا نحن البشر نقدس صلباننا ونضعها أيقونة على الصدور. فلا تتعجب من امرأة تبيع ليلها للأوهام وتفضل الوحدة على كل شئ)
المرأة في هذه المجتمعات المتخلفة محرومة وممنوعة حتى من المسامرات، لتهرب من وحدتها وتذوب في هم انساني مشترك، فأية محنة هذه، وأية بلوى تلك التي تقض حياة الحالمات بغد خال من كل اشكال المحاصرة والمصادرات.
بوح القيثارة موزع على سبع وعشرين وترا، بشكل مغاير للمألوف، وكل وتر له بوحه وحرقته ونغمه الحزين وضرباته الموجعة.
أما العنوان الرئيسي للرواية فله ايقاعه الخاص بحد ذاته، وله حكايته وفطنة توظيفه، أنه عنوان لافت، كونه يرتبط بلوحة ليوناردو دافنشي الخالدة، وما حيك عنها من قصص وحكايات وتأويلات، منها الصحيح ومنها المبالغ فيه، ويتأتى كل هذا من أهمية اللوحة ذاتها التي استولت على اهتمامات الناس وسلبت عقولهم، طيلة قرون وما زالت لها ذات التأثير والقيمة الفنية العالية، فكيف تسنّى للكاتبة بلقيس حميد حسن أن تلتقط هذه اللوحة الكونية، لتحيلها عنوانا لروايتها؟ وما الغرض من هذا التوظيف المستفز؟
هي لا تخبرنا لماذا هذا الاختيار، ولكن بظني أن الكاتبة كانت من الفطنة حين أسقطت حالة اللوحة وهي حبيسة اطارها كل هذا الوقت وهي تتحمل المحاصرة المخيفة والتقولات ولا تستطيع أن تعلن عن احتجاجها ازاء ما تعانيه من أحكام، سلبا أو ايجابا، لعلني هنا وصلت إلى سريرة الكاتبة لنلتقي معا في تفسير هذا الاختيار، فالموناليزا قد تمثل نساء الكون المضامات. لتتجزء إلى نصفين، واحد يمثل اللائي نلن حريتهن وخرجن من غياهب الظلم المجتمعي الذي مورس عليهن طويلا حتى تحولن إلى مخلوقات طائرة، متحررة بالمطلق من سطوة القرف الذكوري والأفكار البالية، وامتلكن حريتهن، فلا رقيب ولا مصادرة ولا قوانين مجحفة.
أما النصف الثاني فيشمل اللاتي لا زلن في ذات دائرة القهر ومصادرة آدميتهن، وما أكثرهن في عالمنا المبتلي بالرث والعتيق، تحت قوانين غاية في القسوة، فأحالت المبدعة بلقيس حسن، حالتهن الحبيسة خلف أسيجة الغياب،إلى تلك اللوحة أسيرة أطارها دونما فكاك من الخلاص القريب.
أليست هذه فطنة يشار لها بالبنان من مبدعة وظفت هذه الحالة بخيال شعري خصب، أكثر من أي شئ آخر؟
إنها صرخة مدوية بوجه مجتمعات لا تريد أن تزيح الغشاوة عن عيونها، ولا ترتضي أن يكون للمرأة ما للرجل من حقوق في أمتلاك ناصية القرار لآدميتها، كونها مخلوق له القدرة على العطاء أكثر ما للرجل أحيانا، والتخلص من تلك النظرة الدونية والمقززة، كون المرأة خلقت للذة الرجل وكفي، وينبغي أن تظل ساهرة على خدمته وتلبية رغباته البهيمية، هذا الوضع فرض عليهن قسرا من خلال نصوص قاسية، أسموها (بالمقدسة) لا يمكن الخروج من سطوتها، فالمقدس من المحظورات التي لا يمكن الاقتراب منها، لتظل المرأة حبيسة تلك النظرة الدونية، وما عليها إلا أن تسمع وتطيع وتضطجع للرجل دونما أية محاولة للممانعة أو مجرد تفكير بالرفض لهذه المصادرة المهينة.
(قد يكون هذا البوح ثقيلا،متلونا بلون ما تبقى من نارنا بكل لهيبها الحارق، أو غامضا، طالعا من سواد عتمة لا رؤية فيها إلا لبريق الدموع والعذاب)
هذا هو قدر المرأة في مجتماعاتنا الكسيحة، ليس لها من سلاح غير سفح الدموع ولوك العذاب دون طائل.
اليس هذا النوع من التمرد الذي تعلنه الكاتبة مشروعا، وإنها أباحت لنفسها أن تتجند بكل ما أوتيت وبأسلحة الفكر والأبداع المتميز، والتي هي أمضى من أسلحة الفتك الظالمة بحق النساء، هذه الكائنات الوديعة، الشفافة، باحساسها المفرط، وهي تتوزع بين الأم والأخت والحبيبة والابنة، فلماذا تغيب هذه الحالات الانسانية بنظر الرجل؟ ليتحول إلى حيوان مفترس والمرأة فريسته سهلة المنال، لتبقى دائما ظلا وتابعا له وخاضعة لرغباته السادية؟
نكتشف من خلال متون النص أن “الموناليزا” هو اسم صديقتها الشهيدة “موناليزا أمين” والتي تهديها هذا العمل لتقول:
“إلى ذكرى صديقتي الشهيدة “موناليزا أمين”التي استعرت اسمها الأول حبا”
الكاتبة بهذا القدر من الوفاء للصداقة البريئة تطلب من صديقتها السماح لها بتوظيف أسمها ليتصدر هذا العمل.
كذلك تهدي هذا العمل: (إلى المعذبين بالحب حتى آخر الزمن…)
ثم تقتبس من كتاب النبي لجبران خليل جبران هذه الحكم الرائعة عن المحبة:
المحبة لا تعطي ذاتها.
المحبة لا تأخذ إلا من ذاتها.
المحبة تطحنكم فتجعلكم كالثلج أنقياء.
(طفقنا نلتصق ببعضنا، التصقنا حتى اللانهاية ولا ندريالآن من نحن. الشهوة التي في جسدك ناري التي تشربتها روحك، اللوعة التي في روحي نارك التي تشربها جسدي، وهي قطعة النار التي لا ندري هل امتصّتنا، أم نحن امتصصناها وانتظرنا كل آلاف السنين، حتى التقينا في ذاك اليوم، فعدنا إلى حيث تُعامة وقطعة النار)
هو ليس بتلاحم جسدين يفرغان شهوة آنية، ولا بحالات حسية قد تفعل فعلها في ذكورة الرجل غير المهذبة أحاسيسه، وليست دعوة لتفريغ غبش شهواني على الطريقة البهيمية، إنما تلك هي رحلة الروح العاشقة لمعارجها الفسيحة لتسبح في برازخ لا حدود لها ولا تأتي مصادفة، حيث يلتقي العشاق وتحدث المعاصي، لا خلافا لما يريده الرب، إنما تخرج لسانها الدبق، ما أن تنأى هي بجلدها عن أخاديد المجتمع المحفورة في أعماقها، لتتخلص منها، وتلك نقطة ولادة جديدة لها ولمن تحب، فتعيد بناء جسدين بحكمة الإله الرحيم، الذي هو أرحم من أبناء جلدتها من البشر القساة، لتبدأ صفحة جديدة في حياتها حتى وإن كانت مجرد استيهامات لذيذة.
نبارك للمبدعة بصدق هذه الهدّة الابداعية القوية والفارزة في حياتها الأدبية، لتغني مسيرتها الموسومة دائما بالتجدد والعناوين الكبرى، فقد جمعت بلقيس حميد حسن تلاوين من العطاء والتجدد الدائم، حين عاد الإبداع والكتابة اللصيقة بها، أمرا كيانيا لا يمكن أن تتخلى عنه، أو حتى تغيب عنها لحظات التوحد مع الكتابة الآسرة.
هي فاتنة وأنيقة في كل شئ، شِعرها، مقالاتها، خفّتها، مجالساتها، طعم روحها العذبة، طراوة ضحكتها المميزة، لتضيف لنا عذوبة بوحها، وتكشف ذلك الجانب الذي ما توانت في الاعلان عنه والتعبيير عن ضيقها الدائم منه، ذلك الإقصاء والجحود الذي لاقته من أقرب المقربين لها، وهي بهذا الطلاء السماوي الباذخ، تكون شديدة التأثر من الأذئ الذي يلاحقها، رغم مزن الفرح التي تمطرها على كل الناس.
تلك هي شهادتي لهذه الأيقونة العراقية المباركة والتي تستحق كل تكريم وإشادة، بإضافاتها الإبداعية والإنسانية لأرض اسمها عراق، أرض لا توليها من الحنو ما تستحق وللأسف. وهذا لعمري هو أفدح صيغ العقوق.