23 ديسمبر، 2024 6:35 م

بلغ العراق مرحلة الحسم: فأما الإعمار وأما الإنهيار1/3

بلغ العراق مرحلة الحسم: فأما الإعمار وأما الإنهيار1/3

نشرتُ بتأريخ 27/10/2010 مقالاً بعنوان ” بلغ العراق مرحلة الحسم: فأما الإعمار وأما الدمار” دعوتُ فيه إلى تشكيل الحكومة التي أعقبت إنتخابات 7/3/2010 البرلمانية، على اساس “الأغلبية السياسية”؛ وإذا كان لابد من “حكومة شراكة” فيجب، عندئذ، الإلتزام بضوابط معينة. لم يحصل البديل الأول المفضل وأخُذ بالبديل الثاني فشوههً الطغمويون(1) كما تابعنا طيلة السنوات الأربع المنصرمة. وجدتُ المقال الآن مناسباً جداً لإعادة نشره كحلقة أولى وثانية من ثلاث حلقات بعنوانٍ معدَّلٍ قليلاً إذ أبدلتُ كلمة “الدمار” بـ”الإنهيار” التي تمثّلُ مآلاً أقل وطأةً من “الدمار”. وهذا مبنيٌّ على ما أنجزته حكومة إئتلاف دولة القانون بقيادة السيد نوري المالكي، خلال الدورة التي أوشكت على الإنتهاء، من تطور كبير على طريق إعادة بناء الدولة المهشمة.

فرغم أكوام هائلة من جهود التسقيط المتنوعة يميناً ويساراً، ورغم حُجُبٍ كثيفة جداً أُلقيت للتعتيم على منجزات ذات قيم وطنية عليا لا يمكن لأي وطني شريف أن يغفلها ولو للحظة واحدة (ولكنها أُغفلت!!!) كإجلاء القوات الأجنبية وإستعادة الإستقلال والسيادة الوطنيتين والمحافظة على الثروات النفطية بما يحمله التفريط بها لا من خسارة مادية للوطن وحسب بل ينطوي على تهديدات جدية لإستقلال العراق وسيادته ومصداقية ديمقراطيته، ورغم الإرهاب التكفيري الأسود والتخريب الطغموي من داخل العملية السياسية المتناغم مع الإرهاب والرامي إلى محاولة إستعادة السلطة الطغموية المفقودة – أقول رغم كل ذلك وأكثر حققت عملية إعادة بناء الدولة العراقية، التي هشمها النظام الطغموي والإحتلال، خطوات هامة جداً

بصعوبات بالغة ومضاعفة واجهها إئتلاف دولة القانون وزعيمه، لأنها بنيت على أسس ديمقراطية، لم يألفها الشعب من قبل، تنتظر الإستكمال. إلا أن ما تحقق منها على أرض الواقع غير مسبوق في تأريخ العراق؛ وهذا القدر الذي تحقق هو الذي مكّن الجماهير من حماية نفسها ودولتها الديمقراطية الوليدة في وجه مؤامرات خطيرة وجمة إشترك فيها الكثيرون من أطياف متنوعة متلاطمة مع بعضها نظرياً لكنها إجتمعت وتعاونت وتناغمت؛ ويندهش المرء للسحر الذي جمعها!!! لكن المفرح أن الجماهير قد عاقبتهم عقاباً شديداً عبر صناديق الإقتراع قبل أقل من شهر.

هذا هو الذي أحدث التغيير خلال الدورة المنصرمة وإقتضى تعديل عنوان المقال. لكن رافضي الديمقراطية بدرجات متفاوتة تتراوح بين وأدها تماماً وبين تشويهها كجعلها “ديمقراطية العوائل العليا!!”، لم يلقوا سلاحهم ومازالوا يكابرون ويناورون ويلوفون ويدورون رغم الصفعات القاسية التي تلقوها من الشعب عبر صناديق الإقتراع في 30/4/2014.

بناءً على هذا ستتناول الحلقة الثالثة من هذا المقال الإحتمالات المتاحة أمام تشكيل الحكومة الجديدة إذا ما نجح المناوئون في عرقلة تشكيل حكومة أغلبية سياسية بناءً على نتائج إنتخابات 30/4/2014.

———————-
بلغ العراق مرحلة الحسم: فأما الإعمار وأما الدمار

27-10-2010
المحاصصة مدانة:

يُلاحظ أنه ما من جماعة سياسية ولاسياسية في العراق إلا وكالت أشد اللعنات على نظام المحاصصة. الغريب أن الأكثر لعناً للمحاصصة وطعناً بها هم الذين طالبوا بها وحصلوا عليها وإنتفعوا منها بالإبتزاز، ولعب الأمريكيون لعبتهم في هذا المجال. ويُلاحظ أن كثيرين ممن تلعلع أصواتهم، من أجل الدعاية والكسب الإعلامي السياسي، لا يعرفون ماهية وسمات المحاصصة وما هو ملعون فيها وما هو ضروري ودستوري. وأجزم أن بعضهم لا يعرف بأن الحكومتين البريطانية والألمانية، مثلاً، شكلتا بالمحاصصة؛ وأن المحاصصة هي شكل من أشكال جبهة وطنية أو شراكة وطنية. ولكنها، في العراق، مشوهة ومفرغة من محتواها تنفع الطرف الضعيف في الإئتلاف وتضر القوي الذي يسكت، على مضض ومكرهاً، حرصاً على مصلحة وطنية عليا وتجنباً لهجوم إعلامي، قد يتبعه . كما يُلاحظ أن جميع التكتلات والأحزاب العراقية تتمنى وتطمح، ولو بالكلام والإدعاء ذي الضجيج الصاخب بالنسبة لبعضها، إلى أن يرتقي العمل السياسي العراقي إلى الأسلوب الديمقراطي المعهود والمعمول به في جميع أنحاء العالم الديمقراطي ألا وهو إدارة شئون الدولة عبر ممارسة وتفعيل مبدأ “الحكومة والمعارضة” أي بإعتماد مبدأ “الأغلبية السياسية” وفقاً لما تفرزه صناديق الإقتراع أولاً وما يُنجز من تحالفات لاحقة ثانياً، علماً أن التحالفات عرضة للتفكك وإعادة التشكيل بعناصر ومكونات مختلفة ولعدة مرات أثناء الدورة البرلمانية الواحدة ، وهو أمر طبيعي لا يحتاج إلى قانون أو تشريع بقدر ما لا يحتاج تنفس الهواء أو شرب الماء أو تناول الطعام إلى تشريع دستوري.

مخاطر تأخير تشكيل الحكومة الجديدة:

لا أريد أن أخوض في التفاصيل والمسببات بإسهاب، إلا أن تقديراتي تشير إلى أن تشكيل حكومة عراقية جديدة قد يجعله البعض، تعمُّداً

بهدف تسفيه النظام الديمقراطي، في غاية الصعوبة ما سيستغرق وقتاً طويلاً ربما أطول مما مضى أي أطول من المدة الفاصلة بين إنتخابات 7/3/2010 حتى الآن [27/10/2010]. إن أي مدة إضافية لن تعود محتملة سواءاً على صعيد المصالح الوطنية العليا والسفلى أو على صعيد مزاج ومعنوية الشعب العراقي. كما إنها أضرت إضراراً بالغاً بالعملية الديمقراطية فقد جرى خرق الدستور رغم أن ذلك الخرق إعتبره الواعون لتداعيات محاولة الإنقلاب الأبيض الفاشلة يندرج تحت باب “ الضرورات تبيح المحظورات” على حد قول الخبير القانوني السيد طارق حرب، إلا أن طغموية وتحيُّزَ كثير من السياسيين وسطحية كثير من الإعلاميين وخباثة الكثير الآخر منهم الذين روَّجوا وصوّروا، لحد التهريج، تأخرّ تشكيل الحكومة كما لو كان صراعاً على المناصب والكراسي والمنافع الشخصية وأغفلوا حقيقة الضرورات التي أباحت، للبعض بكل تأكيد، محظورَ خرق الدستور والتأخير، تلك الحقيقة المتمثلة بتلافي إحتمال إلتئام مجلس النواب دون إتفاقات مسبقة ما قد يؤدي إلى تفكك المجلس، خاصة في ظل غياب إقرار مسبق من جانب الكتل السياسية، وبالأخص من جانب إئتلاف العراقية، بإحترام نتائج التصويت داخل مجلس النواب دون اللجوء إلى المقاطعة وما يترتب عليها من تداعيات قد تكون خطيرة، أقول إلا أن تلك السطحية والخباثة قد شوَّشتا رؤى قسم من المواطنين رغم أن الغالبية أثبتت تفهما لحقيقة الصراع ولم تلتفت للتشويش. إلا أن إدامة أمد هكذا فرص للتشويش وتكررها سينالان، إن عاجلاً أو آجلاً، من ثقة الشعب بجدوى الديمقراطية، علماً أن تنفير ونفور الشعب منها هما ديدن وهدف الطغمويين وحلفائهم التكفيريين، وقد تجعل الناس يتقبلون فكرة “الدكتاتور العادل” الخرقاء، مما يقتضيان معالجة مسألة تشكيل الحكومة بيسر، وتفعيل دور مجلس النواب ورفع كفاءة أداءه وإنتاجه، ومعالجة موضوع خلق علاقة صحية بين مجلس النواب والحكومة وفق

الأسس الديمقراطية السليمة، وتنشيط القضاء، وتفعيل حرمة القانون، مع إعتبار هذه أموراً في غاية الأهمية.

ولكن ما هو السبيل إلى ذلك؟ :

بادئ ذي بدء يجب الإقرار بأن جميع الفرقاء العراقيين المنخرطين في العملية السياسية، قد حصلوا على فرصهم بمطلق الحرية في ظل نظام المحاصصة واللامسؤولية، للعمل بموجب ما حلا لهم وما سمحت به ضمائرهم ومفاهيمهم وإجتهاداتهم وخِبَرُهم الحياتية من أعمال ربما كانت إيجابية وربما كانت سلبية. وكمواطن عراقي تهمه مصلحة البلد أقول للكتل السياسية المختلفة: بما أن الأمور نسبية، فأنسوا تحديد فاعل السلب وفاعل الإيجاب وتجنبوا تبادلَ الإتهامات وأنسبوا الإيجاب للجميع وسجلوا السلب ضد مجهول إفترضوه عدواً لجميعكم بلا إستثناء. عندئذ نقول: لقد وصل الفرقاء حالة فهم أحدهم الآخر وبلغ المجتمع حالة الإستقرار، بمعنى أن لا يستطيع أحد كسب ما لا يبيحه له الدستور بوسائل غير الوسائل الدستورية والقانونية. إن ذلك تعبير عن حالة التوازن؛ وتستوجب المصالح الوطنية العليا المحافظة على تلك الحالة وتطويرها فما عاد الوضع يحتمل التناحر أو محاولة تغيير الواقع الجديد بغير الوسائل الدستورية وبالأخص بإنتهاج طريق القوة أو التمرد إذ هي وسائل لا تؤدي إلا إلى الكارثة الحقيقية والخراب التام بدءاً بتشظي العراق وإنتهاءً بحروب الطوائف على النمط الأندلسي ولكن بأسلحة حديثة للدمار الشامل أكثر فتكاً وهولاً.

وجوب نبذ التطاحن وإعتماد التعايش والتصافي والأغلبية السياسية:

من هنا فلا ينفع بعد الآن إلا التصافي وفتح صفحة جديدة للعمل بروح تنافسية وطنية وديمقراطية شريفة عادلة عالية بعيدة عن العناد

والتعصب بأي شكل من الأشكال، يقدم فيه كل فريق أجود ما لديه للشعب والوطن ويقبل بحكم الشعب عبر صناديق الإقتراع وإحترام الدستور والنظام، الذي يسعى الجميع لإستكمال ديمقراطيته بالتقويم والتطوير، فيصلاً ووسيلةً لتداول السلطة السلمي، على أن تكون نقطة الإنطلاق هي الوضع الدستوري والتشريعي الراهن الذي بلغته العملية السياسية. أما السبيل فيتمثل بالأخذ بمبدأ “الأغلبية السياسية”. وبما أن جميع الأطراف أصبحت تلح على تشكيل حكومة “شراكة وطنية” فلا بأس من البدأ بهذا الخيار على ألا تتحدد به الكيانات إلى ما لا نهاية حتى الخراب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1): للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته : “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع أحد الروابط التالية رجاءً: t/show.art.asp?aid=29http://www.ahewar.org/deba8995 http://www.baghdadtimes.net/Arabic/?sid=96305 /news/news.php?action=vhttp://www.qanon302.netiew&id=14181