تنعكس قوانين الحياة العامة على الانسان (الفرد) فتكشف لنا حقيقة واضحة وهي ان استمرار حياة الانسان رهن بقدرته على التجدد، فالتطور انما هو تعبير عن التبدلات والتغيرات النوعية التي تنقل الفرد من مستوى الى مستوى اخر سابق لما قبله ومتقدم عليه . فالازمات هي مظهر طبيعي من مظاهر النمو ، والافراد الذين لايعرفون الازمات لا يمكن ان يكونوا احياء ومتجددين ، بيد ان بقاء الانسان حي رهن بقدرته على تجاوز ازماته تجاوزا صاعدا يحقق له شروط التكامل الدائم المستمر وان من الاسسس التي يرتكز اليها الانسان في تجاوز المحن والازمات هو الحوار والجدل البناء الذي يفضي الى ماهو افضل والابتعاد عن الثرثرة والتامر والطعن بالاخرين ومصادرة الراي الاخر.
وكما يقول الناقد ريجارد بلاكمور( ان من حسن الحض ان هناك نماذج من التفكير غير المذهبي . فلنمل بعقولنا ميلان العاكسات لنمسك بالضوء من اوئل افلاطون حتى مونتاين كله ، افلا يعزي الحفز والخصوبة التي لاتنضب في ـ المحاورات ـوفي ـ المقالات ـ الى جملة امور منها خلوها من مذهب لايقبل الجدل ؟
واليوم ونحن نشاهد ان البعض من بلطجية الحركات الثورية في وطننا العربي يواجهون ازمة كارثية وهي ازمة مرضية نفسية لاتستند الى اي اسس موضوعية وذاتية وهي الشعور بمرض (داء العظمة) ، ان الواجب يفرض علينا ان نقول لهؤلاء عودوا الى مراجعة انفسكم وبرهنوا من جديد على انكم تحملون بذور الحياة ، واثبتوا بانكم تملكون القدرة على التطور والنمو من خلال المواجهة الصريحة والجرئية.
وانطلقوا من جديد الى الامام واكدوا على ان لكل صورة من صور حركاتكم استقلالها كما ان لكل منها (نوعية) بناء وتقاليد تتضمن عناصر خلاقة ذاتية وانسانية.
يقول الكاتب النرويجي هنريك ابسن في مسرحية براند ( لست خطيب الترهات ، ولا اتحدث بوصفي واعظا كنسيا ، ولااكاد اعرف ما اذا كنت مسيحيا ، ولكني اعرف باني رجل ، واعلم اني ارى رأي العين المثلبة التي تأكل نخاع البلد…) ومن هنا فعلينا ان نقول ماقاله ابسن بأنكم بشر (رجال ) ، فالمثلبة تأكل نخاع البلد بعد ان الاحتلال الامريكي والذي فسح المجال امام القوى الظلامية بالهيمنة على البلد و مقدراته والعمل جاري على قدم وساق على حرق الاخضر واليابس والبعض من منكم يتصارعون على ايهما الاول (البيضة ام الدجاجة) وايهما يكون في صدارة المشهد بغض النظر عن المؤهل والكفاءة والتاريخ النضالي.
وهنا نرى ان نعود الى طرح افكارفريدريك نيتشة الفيلسوف والمفكر الالماني لعلها تجدي نفعا لان فلسفته تعتبر فلسفة ثورة ضد الضعف و الخضوع (الضعف النفسي) فقد اكد على القوة وخلق الانسان الارقى (السوبرمان)كي يقود العالم الى الكمال الذي يحلم به البشر.
فالرجل العادي كما يسمية نيتشة هو ذلك الانسان الاجتماعي الذي ينساق وراء الرغبات التي يفرضها القطيع ،اما ذلك الذي يفزع الى الوحدة كالنجم الغارق في السكون فهو وحدة الرجل القوي المبدع ، والحياة في راي نيتشة ليست غريزة بل ارادة انها ليست غريزة وجود بل ارادة قوة انها ارادة القتال و السيطرة حتى الخير بنظرة هو ان يكون المرء شجاعا في قول الحق وهذا ما يسمية تاكيد الذات ، عندما نتحدث هنا عن الرجل نعني الانسان امراءة كانت ام رجل واردة القوة كما نفهمها هي التغلب على النفس الامارة بالسوء ..
ان يصرح الانسان الفرد منا بارائه ليس مجرد فكرة عابرة بل هو مبدؤه الذي يجب ان يكرس له وجوده وهو لايعد مبدأ ذاتيا فحسب ، ولكنه بمثابة هدف اجتماعي يتحقق به وجوده ووجود مجتمه معا. ولن يتحقق هذا المبدأ بمجرد الايمان به ، بل لابد من القيام به عملا، ولهذا لابد من التضحية بالنفس والمصالح الدنيوية فالتضحية لاتجدي الا حين يكون وجودها ثري الجوانب ، بحيث نكون في تضحيتنا قدوة ، فالانسان منا اذا اراد التضحية فعليه ان يحتفظ في المحنة بصلابته حتى النهاية ، فلا نجاة في المساومة والحلول الوسط لكن الرأي هذا مشروط باحترام الرأي الاخر وبعدم التجاوز على الثوابت والاخلاق.
ان من السهولة علينا تشخيص الاخطاء والقضاء عليها وان نضع نصب اعيننا المصالح العليا والقيم النبيلة التي تصب باتجاه تحقيق مستقبلا افضل، فليكن كل انسان منا عند مسؤلياته التأريخية في تحقيق نجاح الحركة الثورية التي انتمى اليها او امن بها لكن الانفلات والسقوط بمرض (داء العظمة) من قبل الافراد يشكل خطر على الحركات الثورية و قد يكون اكبر من خطر اعدائها عليها.
ان مفهومنا لحرية الفرد في الحركات الثورية بحاجة الى توضيح فهناك من يعاني النقص في نموه الفكري في تعامله مع الحرية الفردية فالحرية قد اسيء فهمها فتحول البعض الى (البلطجة والفتوة) البعيدة عن الانتظام والفعالية وبالمقابل اسيء فهم الانتظام والفعالية فتحول البعض عن مبدأ العمل الجماعي وافسح المجال للاخطاء والتمادي الامر الذي ادى الى الابتعاد عن الخلق والفعالية وسيطرة جو التشنج والاهمال. ان ذوبان الفرد في المجموع لا يعني باي حال من الاحول توقفه عن الابداع والخلق.
ان (للبلطجية) الذين ينتمون للحركات الثورية اكبر الاثر على حياة هذه الحركات الخاصة والعامة ولهم اثر في اشاعة روح الاحباط ، وزعزعة الثقة، واضعاف الانتماء ، فهم يتمتعون بامتياز بسذاجة الانتماء والولاء ، وعدم القدرة على الصمود ، امام أي هزة تتعرض فيها المفاهيم لللنقد والتشكيك .
ان هؤلاء يأججون التطرف والحقد والضغينة والتي من ابرز نتائجها التحرك في الظلام ، فالبلطجة وهي كما نفهمها ( امية سياسية ) حاقدة ، تخلق اعداء وهميين ، وتنفخ في بوق خطرهم المزعوم ، وفي بوق ضعف الحركة الثورية عن مواجهتهم ، وتقنع السذج بان لا سبيل للخلاص من هولاء الأعداء الوهميين ، الا بالتعامل من وراء الكواليس والذي يقود حتما الى النفاق والثرثرة والاتصالات الجانبية وهي اخطر الامراض التي تصيب الحركات الثورية .
فماهو المطلوب وكيف تتعامل الحركات الثورية مع هؤلاء ، هل ينفع معهم التسامح والنفس الطويل لاسيما وان هذه الحركات تعيش اليوم مرحلة نضالها السري وان اي خرق او خلل يؤدي الى نتائج كارثية ؟ هل المطلوب بترهم كما يبتر العضو الذي اصابه السرطان في الجسم؟ وهل ان هؤلاء البلطجية بخطورة مرض السرطان ؟ هذا ما يمكن ان تجيب عليه الحركات الثورية نفسها.