عندما لا يستطيع الأنسان أن يحدد خياراته المستقبلية أو الآنية، فأنه حتما يكون أنسان تائه، لذلك يجب على كل فرد منذ البداية ان يقرر ماذا يريد، وأين هي وجهته القادمة، قطعا وفق الواقع وألا تكون مجرد أحلام غير قابلة للتطبيق.
أن ما يمر به أغلب شعبنا العراقي من أزمات، ربما يكون سببه عدم معرفة رغبتنا الحقيقة فيما نريد، وأين نريد الوصول في المستقبل، مرة تراه يدافع عن المرجعية بشدة، فتحكم عليه أنه شعب ملتزم دينياً، وأخرى تراه ينتقد بقوة قرار منع بيع وتعاطي الخمور، بحجة الحرية الشخصية، نريد دولة يحكمها القانون، وفي نفس الوقت نلجأ الى قوة السلاح والعشيرة، عند ابسط مشكلة نتعرض لها، نريد أمان وفي نفس الوقت نعترض بشدة ان ارادت الدولة أن تحصر السلاح بيدها، ننتقد فلان الفاشل في أدارة الحكم، ونعود لننتخبه ونمكنه مرة ثانية.
هذه المتناقضات تربك قراراتنا، وتشعرنا بأنا شعب فاشل وليس مؤهل ليخرج منه قائد، يستطيع ان يسير بالعراق الى بر الأمان، وهذا يجعل منا تجعل منا أداة يسهل تحريكها من جهات متعددة، وفي نفس الوقت تجعل المتصدي لا يعرف ماذا يريد الشعب بالضبط، وفي أي اتجاه يسير، مما يفقده بوصلة القيادة.
بما أن نظامنا برلماني، ومن يقرر ويختار المتصدي هو الشعب، نجد المسؤول او الطامح الى السلطة، يعمل وفق ميول ورغبات الشعب، وليس وفق مصلحة البلد، وما تقتضي الأمانة التي اوتمن عليها، فتجد تصرفاته انعكاس لتلك الرغبات، وهذا ما نراه جلي وواضح على جميع الحكومات التي أعقبت عام 2003
نستطيع ان نشبه ان ما حصل لنا كشعب بعد عام 2003, تماما مثل مواطن لا يجيد كتابة اسمه, وضعوه في صحن فضائي اسموه ( الديمقراطية) وقالوا له تفضل حلق, أينما تريد وكيفما تشاء, فقط أشاروا له على زر الانطلاق.
ولا نكون قد بالغنا ان قلنا أغلب من تصدى للشأن السياسي وإدارة البلد، خلال الفترة الماضية، في الغالب لم يكن يوما يستطيع أن يدير مدرسة للتعليم الابتدائي، إذا به يجد نفسه بأعلى الهرم، يقود بلد ميزانيته تفوق ميزانية أربعة دول من دول المنطقة.
وبين جهل معنى الديمقراطية لدى أغلب الشعب، وجهل الحكم لدى اغلب المتصديين، نحن نعيش حالة التخبط في خياراتنا ورغباتنا كشعب، وكثرة القرارات الخاطئة كحكام.
خمسة عشر عام ولم نستطع ان نفهم أن الديمقراطية، لا تعني الغاء القوانين، وأن الحكم لا يعني أن الحاكم فوق القانون، لذلك أصبح من الصعب جدا على الطبقة الواعية، أن تؤشر على الخطأ وتقول هذا خطا، وأن فعلت تكون قد عرضت نفسها للخطر، او حتى للموت.
فتجد الخمور تملأ شوارعنا، والمثليين يعلنون عن نفسهم دون حياء، أما الملحدين فقد أصبح صوتهم عالي جدا، فيقيمون الحوارات والمناظرات، ولهم كلمة مسموعة، أكثر من البلدان التي تعتبر هي مركز للإلحاد.
في حين السياسيين جعلوا من أنفسهم إلهة، فيغيرون القوانين، ويعدلون فيها، وفق مصلحتهم الشخصية والحزبية، وما تعديل قانون الانتخابات وما تلاه من تعديل على قانون مجلس النواب، وقبول المحكمة والحكومة على ذلك الا خير دليل، على التخبط والانفلات الذي نحن فيه كشعب وحكومة.