18 ديسمبر، 2024 7:22 م

بلد النفط والثروات ارتفاع نسبة الفقر في العراق بسبب الهدر والفساد

بلد النفط والثروات ارتفاع نسبة الفقر في العراق بسبب الهدر والفساد

يتحرك الريع النفطي السنوي للعراق حول نحو 70 مليار دولار سنوياً، لكن رغم هذا الريع العالي، نجد أن نسبة الفقر في البلاد قد ارتفعت منذ احتلال 2003. من الواضح، أن الذي أدى إلى هذا الانهيار في المجتمع العراقي هو الانتشار غير المسبوق لسرطان الفساد، والهدر المالي في القطاع العام؛ مما أدى بدوره إلى زيادة البطالة، بالذات في المحافظات الجنوبية، حيث تشير معلومات البنك الدولي إلى أن نحو 50 في المائة من نسبة الأطفال الفقراء تكمن في المحافظات الجنوبية، وهو أمر إن دل على شيء، فهو أنه من بين الأسباب الرئيسية للحراك الشعبي الواسع والمظاهرات في المحافظات الجنوبية، كما هو حاصل منذ بداية فصل الخريف وحتى الآن في الجنوب العراقي.

تشير معلومات البنك الدولي إلى أن عدد سكان العراق بلغ 38.5 مليون نسمة، وأن خط الفقر محدد بـ3.2 دولار في اليوم. وذكر وزير التخطيط الأسبق سلمان الجميلي في عام 2016 على حسابه في «فيسبوك»، أن الفقر في العراق ازداد بنسبة 30 في المائة، والبطالة 20 في المائة. من جانبها، تشير إحصاءات وزارة التخطيط، إلى أن نسب الفقر في المحافظات العراقية في عام 2018 سجلت 1.2 في المائة في السليمانية، و3.8 في المائة في أربيل، و5.8 في المائة في دهوك، و9.1 في المائة في كركوك، و34.5 في المائة في نينوى، و10.8 في المائة في النجف، و12 في المائة في بغداد، و14.8 في المائة في بابل، و14.8 في المائة في البصرة، و26.1 في المائة في واسط، و42.3 في المائة في ميسان، و44.1 في المائة في الديوانية، و52.5 في المائة في المثنى، و40.8 في المائة في ذي قار.

وبحسب المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط عبد الزهرة محمد الهنداوي، فإن إحصاءات العمل تشير إلى المزيد من التدهور في أوضاع سوق العمل، حيث سجل معدل مشاركة الشباب بين 15 – 24 عاماً تراجعاً ملحوظاً، وزاد معدل البطالة نحو الضعفين في المحافظات المنكوبة بالإرهاب، حيث سجلت 21 في المائة مقارنة بباقي المحافظات البالغة 11 في المائة. وتتوجب الإشارة هنا إلى أن الفقر والبطالة ازدادا في المحافظات الجنوبية كذلك بسبب السرقات المليارية وليس الإرهاب الذي لم يمتد إلى الجنوب. وتدل الأرقام بوضوح على تدهور الوضع الاقتصادي في المحافظات الجنوبية، رغم تزعم أحزابها بالبرلمان والوزارات منذ 2003.

وبحسب الهنداوي، فإن دراسة مسح للفقر في العراق لعام 2018 تشير إلى أن نسبة إنفاق الأسرة قد تغيرت ما بين الأعوام 2014 و2018 لتصبح نسبة الإنفاق على المجموعة الغذائية بالمرتبة الأولى (32 في المائة)، تليها مجموعة الوقود والإضاءة (24 في المائة)، ثم النقل بالمرتبة الثالثة (12.1 في المائة)، والملابس والأحذية بالمرتبة الرابعة (6.4 في المائة)، ثم الأثاث والتجهيزات المنزلية بالمرتبة الخامسة (5.2 في المائة).

وتبين كذلك من متوسط إنفاق الأسرة في 2018، أن 31 في المائة من الأسر تنفق أقل من مليون دينار (نحو 838 دولاراً) شهرياً، و48.2 في المائة من الأسر تنفق ما بين مليون ومليوني دينار شهرياً، و14.6 في المائة من الأسر تنفق ما بين مليوني وثلاثة ملايين دينار شهرياً. و5.7 في المائة من الأسر تنفق ثلاثة ملايين دينار فأكثر شهرياً.

وتشير الإحصاءات، إلى أن نسبة الفقر في العراق وصلت إلى 41.2 في المائة في المناطق المحررة (من إرهابي «داعش» و«القاعدة»)، و30 في المائة في المناطق الجنوبية، و23 في المائة في الوسط، و12.50 في المائة في إقليم كردستان. كما أوضحت الإحصائيات، أن 48 في المائة من سكان العراق أعمارهم أقل من 18 عاماً، منهم 23 في المائة من فئة الفقراء، وتشير معلومات الإحصائية إلى أن «5 في المائة نسبة الأطفال الفقراء في كردستان و50 في المائة نسبة الأطفال الفقراء في المحافظات الجنوبية».

هذا، ويبلغ أعداد الموظفين في القطاع العام والمتقاعدين أكثر من 5 ملايين شخص تخصص لهم رواتب نصف ميزانية العراق سنوياً؛ مما يعني عدم توفر الأموال اللازمة للاستثمار والتنمية الشاملة. ومما يعني أيضاً ازدياد الدين العام الذي ارتفع من 73.1 مليار دولار في عام 2013 إلى 132.6 مليار دولار في عام 2018، هذا في حين أن الاحتياطي النقدي قد أخذ في الانخفاض من 77.8 مليار دولار عام 2013، بحيث وصل 40.8 مليار دولار في عام 2018.
* مظاهر أزمة الفقر في العراق

تعود نسب الفقر العالية في العراق إلى الحروب والنزاعات المسلحة الداخلية والحصار الأممي خلال عقد التسعينات. لكن المشهد الرئيسي لهذا الفقر هو الفوضى والهدر في إدارة الدولة والفساد غير المسبوق خلال العقدين الماضيين، رغم الأسعار القياسية لأسعار النفط خلال هذه الفترة التي فاقت 100 دولار للبرميل والصادرات النفطية الأعلى التي تم تسجيلها والتي فاقت 3 ملايين برميل يومياً.

ازداد مرض سرطان الأطفال في العراق خلال العقدين الماضيين نتيجة التلوث الحربي والإشعاعي منذ عام 1991، حيث ذكر موقع «كاونتر بانغ» الأميركي، أن تزايد التلوث الحربي والإشعاعي قد أدى إلى تراوح الإصابات بالمرض سنوياً إلى نحو 3500 – 4000 إصابة إثر قصف العراق بأكثر من 970 قنبلة وصاروخ أميركي مشع باليورانيوم المنضب؛ ما رفع نسبة الإصابة بالسرطان إلى 600 في المائة.

مع تواصل العمليات الحربية وقلة العناية اللازمة، انتشر فتك السرطان بالأطفال العراقيين. ولم تتوفر العناية الصحية اللازمة رغم ارتفاع الموازنة العراقية لأرقام قياسية؛ إذ ادعى المسؤولون الرسميون أن البلاد في حاجة إلى إنفاق الأموال لدحر «داعش»، في حين في الحقيقة وكما أخذ يتبين لاحقاً، أن كبرى عمليات الفساد كانت تجري في وزارة الصحة نفسها، إما بتضخيم أسعار الأدوية المستوردة أو إجراء ما يسمى بالعراق الآن «المستشفيات الفضائية»، أي الادعاء والتسجيل في الموازنة السنوية أنه قد تم تشييد مستشفى حكومي، وأن مجمل نفقات إدارته السنوية هي الآلاف، بل الملايين من الدنانير، بينما بالفعل لم تشيد هذه المستشفيات… وطبعاً لم تكن هناك هكذا مستشفى، وطبعاً لا توجد هكذا نفقات للأطباء والأدوية والآلات الطبية. هذا ما فضحه علناً وزير الصحة السابق الدكتور عبد الصاحب علوان قبل تقديم استقالته وعودته لعمله في منظمة الصحة العالمية في جنيف ازدراء لتفشي الفساد.

واجهت العائلات العراقية مصاعب جسيمة في علاج أطفالهم في مستشفى سرطان الأطفال أو مستشفى علاج الاورام السرطانية، حيث كان يقال لهم بعد فترة وجيزة من العلاج إنه يجب عليهم تدبير أمرهم على نفقتهم الخاصة. وبغياب المستشفيات الحكومية المتخصصة الكافية في العراق، يجب على الأمهات نقل أطفالهم إلى المستشفيات خارج العراق.

وتشير تقارير سرّبها مصدر بصحة محافظة البصرة، إلى أن المحافظة التي عانت الكثير من ويلات الحروب الأخيرة تشهد ارتفاعاً غير عادي في إصابات سرطان الأطفال. وقد أجرت جامعة غلاسكو دراسة حول هذه الظاهرة.

وادعت واشنطن عند احتلالها العراق، أن السبب الرئيسي للحرب هو القضاء على أسلحة الدمار الشامل في البلاد. والآن وبعد عقدين من الاحتلال لم يتم العثور على هذا السلاح. وتتكلم الأحزاب والميليشيات الحاكمة ليلاً ونهاراً عن تحرير القدس، وكل الذي حصل هو احتلال حتى الجزء الشرقي من القدس مؤخراً. وتتكلم الأحزاب الحاكمة عن تقدم المجتمع العراقي. إلا أن نظام المحاصصة الذي احتضنته قد أفشل الحكومة الأخيرة، ويكاد يعرقل تشكيل الحكومة الحالية التي تحاول تخطي المحاصصة. وما ازدياد الفقر في ثاني أكبر دولة منتجة في منظمة «أوبك» إلا مثال فاضح لإخفاق نظام المحاصصة المقتبس من لبنان والآن في العراق. فقد أخفق هذا النظام في البلدين.

وكما تشير المعلومات عن الفقر في العراق. لقد آن الأوان للأحزاب الدينية لإعلان إفلاسها وانسحابها من الساحة السياسية العراقية، رغم السلاح الذي حازته بالاعتماد على دولة أجنبية لها مطامع علنية في الدول العربية المجاورة.
انعكاسات تغيير سعر الصرف
يبدو انعكاس تغيير قيمة الدينار العراقي واضحاً في أسعار السلع والخدمات في البلاد، بخاصة مع شحة الإنتاج المحلي وتخمة السوق بالمستوردات.
ويشير برنامج الأمم المتحدة الغذائي إلى ارتفاع أسعار السلة الغذائية بنحو 14 في المئة نتيجة تغيير سعر الصرف.
جملة العوامل تلك أدت بشكل مباشر إلى إضعاف القدرة الشرائية للعراقيين، إذ يتحدث خبراء في الاقتصاد عن أن رفع أسعار الدولار أدى إلى انخفاض القدرة الشرائية للعراقيين بنحو يتناسب إلى حد ما مع قيمة الخفض وبواقع يقترب من 21 في المئة.
ويقول المتخصص في الاقتصاد باسم جميل أنطون، إن “المقاييس المعتمدة في العراق لتحديد الشرائح التي تقع تحت خط الفقر، تتعلق بمن يقل دخلهم عن 110 آلاف دينار (75 دولاراً)، وفق استراتيجية الحد من الفقر في العراق”، مبيناً أن “من يقل دخله عن 60 ألفاً (40 دولاراً) يعد تحت خط الفقر المدقع”.
ويصف أنطون النسبة التي أعلنت عنها وزارة التخطيط بـ “غير الدقيقة”، سائلاً، “على أي أساس تم بناء ذلك، خصوصاً مع تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد؟”.
ويشير إلى أن تقليص نسب الفقر يجب أن يرتبط بـ “خلق فرص للاستثمار تحفز سوق العمل وتشغل القطاعات الإنتاجية في القطاع الخاص”، مبيناً أن “قطاع الدولة لا يعاني إشكالاً في ما يتعلق بالفقر، لأن الرواتب فيه لا تقل عن 400 ألف دينار (275 دولاراً)”.
ويتابع أن “ما يجري هو عدم وجود مشاريع استثمارية وغياب فرص العمل، فضلاً عن انخفاض الناتج الإجمالي المحلي بنحو 30 في المئة، هو ما يفاقم الإشكال”.
ويرجح أنطون أن تكون نسب الفقر في العراق بحدود 32 في المئة، لافتاً إلى أن تأخر إقرار الموازنة العامة “سيزيد الإشكال من خلال تجميد القطاع الاستثماري”.
ويلفت إلى أن “نسب البطالة في العراق والتي تبلغ نحو 36 في المئة تعطي انطباعاً عن نسب الفقر في البلاد، خصوصاً مع غياب معالجات الحكومة”.
ويختم أن “الدولة وضعت برنامجاً لزيادة شبكة الحماية الاجتماعية وتعديل رواتب المستفيدين منها، فضلاً عن تحسين الحصة التموينية خصوصاً خلال شهر رمضان، إلا أنها على أرض الواقع لم تجر أية إصلاحات وهناك تفاقم في ما يتعلق بالبطالة والفقر”.
“مكتسبات كبيرة”
وفي مقابل الحديث عن الإشكالات الاقتصادية التي تسبب بها تغيير سعر الصرف على مستوى الطبقات الفقيرة، أشار البنك المركزي العراقي إلى “مكتسبات كبيرة”، تم تحقيقها من خلال تلك الخطوة.
وقال نائب محافظ البنك المركزي العراقي إحسان شمران، في 25 مارس، إن “البنك المركزي يرى أن السعر الجديد حقق مكتسبات كبيرة، أولها تعزيز التنافسية لمصلحة المنتجات الوطنية زراعية كانت أم صناعية”.
وأضاف في تصريحات للوكالة الرسمية، “السعر الجديد حقق تعزيزاً لموارد المالية العامة الذي يمثل هدفاً آخر للقرار”.
وكان البنك المركزي العراقي أعلن في 19 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، رفع سعر الصرف إلى 1450 ديناراً للدولار الواحد، بعدما كان السعر السابق 1190 ديناراً لكل دولار، مما أدى إلى زيادة ملحوظة في أسعار السلع والخدمات.