تبذل الحكومة العراقية برئاسة محمد السوداني، جهودا استثنائية لمعالجة ملفات معقدة ورثتها عن سنوات طويلة من الحروب والإهمال والفساد وعدم المبالاة. فمن مشكلة البطالة وانعدام فرص العمل، إلى غياب التوزيع العادل للثروة وانتشار الفساد، مرورا بخضوع الاقتصاد الى الهيمنة الأمريكية وصولا الى أزمة الطاقة ونقص البنى التحتية.
هذه المشاكل وغيرها كبيرة وخطيرة وتحتاج الى مستلزمات اضافية لحلها كما تحتاج الى تخطيط وجهد حكومي بارع للقضاء عليها. لكن المشكلة الأبرز التي تواجه العراق مع كل صيف هي مشكلة المياه، وإذا كان العراق قد غض الطرف عنها في السنوات الماضية لأن أضرارها اقتصرت على قطاعه الزراعي.
فإن هذه المشكلة التي أخرجت 50% من أراضي العراق الزراعية من الخدمة، باتت تهدد حياة مواطنيه أيضا بسبب النقص الحاد في المياه الصالحة للشرب وتحول ما بقي من مياه نهري دجلة والفرات الى مياه ملوثة لا تصلح للاستهلاك البشري.
ومردّ الصمت العراقي حيال التجاوز التركي على حصص العراق المائية، يعود الى كون البلاد عاشت اضطرابات وانقسامات سياسية، ولم تكن موحدة بما يكفي لترتيب أوراقها بوجه التجاوز التركي على حصة العراق المائية بشكل مجحف.
لكن المشكلة الآن تكاد تُفرغ أقداح العراقيين من الماء، وهو ما لم يعد باستطاعة العراق تحمله والصبر عليه وعلى الحكومة العراقية ان تبحث عن عناصر قوة للتحاور مع تركيا بغية توقيع اتفاقية برعاية اممية تلتزم بها كل الاطراف لضمان توزيع عادل للثروة المائية.
ومن أبرز أوراق القوة التي يمكن للعراق التلويح بها قبالة المواقف التركية المتشددة حيال ملف المياه، هي ورقة التبادل التجاري حيث يستورد العراق سنويا بضائع تركية بقيمة 11 مليار دولار تطمح تركيا لزيادتها الى 20 مليار دولار سنويا.
فمن غير المنطقي ولا هو من الانصاف في شيء أن يتحول العراق الى سوق للبضائع التركية بينما يعطش أبناؤه وتبور أرضه، فإذا كانت تركيا تحاول ان تجعل العطش العراقي قدرا، فعليها ايضا ان لاتنعم بموارد العراق المالية من خلال التجارة.
لكن قبل ذلك لابد ان تعمد الحكومة العراقية الى إيجاد مصادر بديلة لمياه الشرب كتحلية مياه البحر او استثمار المياه الجوفية لتقوية موقفها التفاوضي مع تركيا التي لن تتردد لحظة في قطع المياه بشكل تام عن العراق اذا ما وجدت جدية عراقية في متابعة هذا الملف وعرضه على طاولة القضاء الدولي.
وبان ذلك في الرد التركي على شكوى العراق من العطش التي حملها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني حيث لم يكن الرد مطمئنا، إذ تجاهل الرئيس التركي المعاناة العراقية واكتفى بمنح العراق إطلاقات مائية اضافية لمدة شهر كنوع من المنّ والتفضّل يعود بعدها الحال الى ما هو عليه من السوء!
وتحجج أردوغان بالتقلبات المناخية والاحتباس الحراري وقلة سقوط الامطار، وتناسى عن عمد أكثر من 579 سد تقيمها تركيا على النهرين تحتجز ما مقداره 650 مليار متر مكعب من المياه أغرقت مساحات جبلية شاسعة من تركيا، ويكفي مليار متر مكعب منها لملء منخفضات العراق وأهواره وتوفير المياه للاستهلاك البشري والزراعة.