علمتني الحياة فضلا عن التأريخ بأن أمة مذبذبة ومحشورة بين قصر وقبر ، قصر ظالم يقف أبناؤها طوابير على ابوابه اذلاء طمعا بماعنده أو خشية بطش حاشيته وجلاديه ، وقبر مظلوم يدعون له احيانا ويتوسلونه من دون الله فك رقابهم وتخليصهم من الظالم الذي ينافقونه ويلهجون بأسمه ويتراقصون كالقرود بين يديه أحايين ، أمة لن تجد متسعا لتقيم حضارة بعيدا عن دائرة قصور وقبور إطلاقا ، تركها الله سبحانه وشأنها لطالما رضيت بالجأر وطلب الرحمة والرفعة والرزق من المخلوق دون الخالق …إﻻ أنني لم أقف طوال حياتي على أمة تبيع قصورها ، تطمس عزها ، تسرق آثارها ، تدمر معالمها ، تشوه تأريخها ، تعيق حاضرها ، تصادر مستقبلها ، تعطل مصانعها وتجرف بساتينها ، تحرق مزارعها ، تخفي قبور أعلامها كما يجري اليوم في العراق !
قبر لعالم جليل طالب ناشطون ومختصون بصيانته ، ترميمه ، تنظيفه ، فأزيل من الوجود في ليلة ظلماء يفتقد بسمائها البدر …أين ذهب الجثمان موضوع آخر لنا معه وقفة أخرى ؟!!
الحكاية المحزنة وكل حكايا العراق كذلك بدأت بقبر مهمل يتوسط بمفرده ساحة مخصصة لوقوف السيارات ، قربَ معهد الدراسات الموسيقية، في الفرع المقابل لبناية المايكروويف- اصبحت في خبر كان منذ عام 2003 – في أول شارع الرشيد، من جهة ساحة التحرير ، قبر اختلف المؤرخون والباحثون بشأنه هل هو فعلا للعلامة ابن الجوزي ، ام هو قبر منسوب له مكتوب عليه اسمه ، وقد اثير موضوعه مؤخرا من قبل الباحث الدكتور المهندس المعماري فاضل السلطاني ، الذي التقط له صورا عدة من جوانب مختلفة ، مطالبا بتأهيله عبر خطاب وجهه الى الوقف السني ودائرة التراث وغيرهما ، على اثر ذلك ذهب الاستاذ وثاب خالد آل جعفر،لمتابعة الموضوع بنفسه فوجد ان القبر قد ازيل – من الجذر – ولم يبق له اثر ، وهو على يقين شأنه في ذلك شأن كل المتابعين الذين صدموا بهذه الحادثة العجيبة ، ان من ازاله لم يكن حريصا على التوحيد وﻻ خشية عبادة القبور والاستعانة بغير الله تعالى وماشاكل بقدر محاولته اخفاء اثر يدل على صاحبه ، مؤلف اشهر المصنفات في التراث العربي الاسلامي ، او ﻷن المقاول بمعية – الدلال – خشيا ان يكرم القبر وصاحبه بعد طول اهمال – فتطير منهما اﻻرض التي تفيض عطاء وتصبح وقفا مع انها تساوي مليارات الدولارات !!
القبر المخفي بحسب بعض الروايات يعود الى الشيخ الإمام العلامة ، الحافظ المفسر ابو الفرج ابن الجوزي الذي خط بأصبعه 2000 مجلدة ، وتاب على يديه 100 ألف ، وأسلم على يديه 20 ألفا وقد كتب عنه كبار علماء بغداد ومنهم بشار عواد معروف وجلال الحنفي وعبد الحميد عبادة ويعقوب سركيس وعماد عبد السلام ، وغيرهم واختلفوا في اثبات عائديته لقاضي قضاة بغداد في زمن المستعصم بالله ، آخر خلفاء بني العباس . والذي كان قد أفتى بالجهاد ضد المغول حين غزوا بغداد ، ام لغيره ، فيما اشار الباحث الدكتور خالد ناجي السامرائي الى انه تابع هذا القبر في تسعينيات القرن الماضي وطالب وزارة الأوقاف في حينه ممثلة بوزيرها انذاك عبدالله فاضل ، فأخبر بأن الرأي الراجح يميل الى نفي أن يكون القبر لابن الجوزي ، فيما يؤكد جلال الحنفي ذلك !
صاحب القبر له مصنفات شهيرة منها ماهو مخطوط ومنها ماهو مطبوع ومنها ما إختفى من الوجود فيما جاء ذكره في مؤلفات المؤرخين وكتاب السير والتراجم ومنها :
التيسير في التفسير ، وفنون الأفنان في علوم القرآن ، ورد الأغصان في معاني القرآن، النبعة في القراءات السبعة ، الإشارة في القراءات المختارة، ، مسبوك الذهب في الفقه، البدايع الدالة على وجود الصانع ، و تحريم المتعة ” ” العدة في أصول الفقه “، ” الناسخ والمنسوخ ” الأذكياء ” ، ” المغفلين ” ، ” منافع الطب ” ” الظرفاء ” منهاج القاصدين ” مجلدان ، ” الوفا بفضائل المصطفى ” مجلدان مناقب أبي بكر ” مجلد ، ” مناقب عمر ” مجلد ، ” مناقب علي ” مجلد ، التحقيق في مسائل الخلاف ” مجلدان ، ” مشكل الصحاح ” أربع مجلدات ، ” الموضوعات ” مجلدان ، ” الواهيات ” مجلدان . ” الضعفاء ” مجلد ، ” تلقيح الفهوم ” مجلد ، ” المنتظم في التاريخ ” عشرة مجلدات ،، واشهر كتبه ” تلبيس ابليس “. أخبار الظرّاف والمتماجنين. أخبار النساء ، أعمار الأعيان. بستان الواعظين.وغيرها العشرات .
ويبقى السؤال الملح سواء اكان القبر ﻷبن الجوزي ام لغيره هو اين اختفى القبر فضلا عن جثمان صاحبه بعد المطالبة بصيانته ومن الذي له المصلحة في ذلك، اذ ان البلد الذي ﻻيسلم فيه حتى الاموات وأكفانهم و شواهد قبورهم من الاخفاء والسرقة ..اهله ميتون وان كانوا فوق الارض احياء . اودعناكم اغاتي