9 أبريل، 2024 9:12 م
Search
Close this search box.

بلا رتوش .. هذه تفاصيل ما جرى في 30 تموز 1968.. وسيطرة البعث على السلطةـ برواية شهودها..

Facebook
Twitter
LinkedIn

ـ ظهر يوم الثلاثاء 30 تموز / يوليو /العام 1968.. كانت أرتال الدبابات تمرق بسرعة كبيرة في بعض شوارع بغداد.. خاصة باتجاه معسكر الرشيد.. ومعسكر الوشاش.. ومنطقة كرادة مريم حيث يوجد القصر الجمهوري.. ومبنى الإذاعة والتلفزيون في منطقة الصالحية.

 

ـ ثم تأخذ مواضع لها في المناطق الحساسة ولتفرض وضعاً جديداً.

 

ـ كما نزل إلى الشارع الكثير من المدنيين البعثيين.. وأغلقوا الشوارع.. بعضهم كان مسلحاً.. والكثيرون منهم كانوا عُزلاً.. لتحقيق واجب.. لم يبلغوا بنوعيته.

ـ يقول القيادي في حزب البعث صلاح عمر العلي عضو القيادة القطرية:

ـ إن الرئيس احمد حسن البكر.. وفي يوم 20 تموز 1968 وحين كان مجتمعاً مع عبد الرزاق النايف في مكتبه بالقصر الجمهوري وبحضور السيد صلاح عمر.. طرح فكرة انضمام النايف للحزب.. فقال وبكلمات بسيطة نحن كما ترى عملنا معاً ووصلنا إلى الحكم.

ـ نعتقد أن استمرار تعاوننا مطلوب لإنجاح التجربة.. وها أنت ترى هؤلاء الشباب المتحمسين الذين لا يكلّون من العمل.. ونحن نعتمد عليهم في المفاصل الأساسية لتجربتنا الجديدة.. وأنت تعرف أنهم بعثيون.

 

ـ لذلك أدعوك إلى الانضمام إلينا في الحزب فماذا ترى؟

ـ أجاب النايف: “لقد كنت محرجاً من طرح هذه الفكرة لأنها لو طرحت من قبلي.. كان يمكن أن تفسر تفسيراً خاطئاً.. وطالما أنك طرحتها.. فأنا أرحب بها وأعلن استعدادي لها والعمل في صفوف الحزب”.

ـ فقال له البكر: “حسنا تعرف أنني مشغول بصفة مستمرة وأنت تثق بالرفيق صلاح.. فماذا تقول لو أنه يكون صلة الوصل بيني وبينك؟”.. وافق النايف على هذا المقترح أيضا.

 

ـ لذلك عندما عقدت القيادة القطرية للحزب أول اجتماع بعد الاتفاق الأخير.. طرح البكر موضوع القرار السابق الذي كانت قيادة الحزب قد اتخذته للتخلص من مجموعة النايف بأسرع وقت ممكن.

ـ قال البكر إن الحزب جاء للحكم مرة أخرى.. بعد تجربة مرّة كان قد خاضها بعد ثورة 14 رمضان (8 شباط 1963).. وإننا يجب أن نعمل على كسب الشعب إلى جانبنا إذا أردنا النجاح.. لذلك أطالبكم أيها الرفاق بغض النظر عن القرار السابق بالتخلص من النايف.. وذلك بمنحه ومجموعته فرصة لكي يؤكد هو لنا حسن نيته.. ونؤكد نحن للشعب أننا جئنا بعقلية جديدة ونهج جديد.

 

ـ وافق الجميع على ما طرحه البكر أمين سر القيادة القطرية للحزب.. على الرغم من عدم الثقة بمجموعة النايف.. بسبب روح المغامرة التي يتصف بها الرجل.

 

ـ لم تكد أربعة أيام أخرى تمضي.. إلا ودعا البكر لعقد اجتماع طارئ للقيادة القطرية للحزب.. فذكّر بما قاله في آخر اجتماع للقيادة.. واستدرك قائلاً: أنا الآن أطلب منكم سرعة التخلص من النايف.. لأنه بدأ يتحرك على عدد من الضباط الذين لا يعرف أنهم بعثيون.. وأخذ يثقف ويعد العدة للتخلص من الحزب.. فقد أوصل كثير من رفاقنا معلومات دقيقة حول مساعي النايف واتصالاته بهم.

ـ وأضاف البكر اجتمعوا في مكان آخر وتدارسوا خطة الإطاحة بهم.. ولا ينبغي أن نجتمع في مكان واحد كي لا نستهدف جميعا بضربة واحدة.

 

ـ أضاف صلاح عمر العلي في حديثه.. لقد اجتمعنا في منزل الفريق الركن صالح مهدي عماش في شارع الضباط في الأعظمية.. وتم في ذلك الاجتماع وضع خطة التخلص من النايف وإبراهيم عبد الرحمن الداود.. بعد تهيئة مستلزماتها الفنية والأمنية لتتم من دون خسائر.

ـ وقد تم إعداد سيناريو مدروس لهذا الغرض.. يبدأ بطرح فكرة أن وجود ثلاث فرق عسكرية عراقية في الأردن لا بد أن يدعونا إلى إرسال وفد إليها واللقاء بقياداتها وضباطها وجنودها وسنقترح أن يذهب وفد برئاسة رئيس أركان الجيش الفريق الركن الطيار حردان التكريتي.

 

ـ وقدّرنا أن وزير الدفاع الفريق إبراهيم عبد الرحمن الداوود سيحتج على ذلك.. وسيطلب بأن يكون الوفد برئاسته لأنه وزير الدفاع وليس الفريق حردان.. بحكم معرفتنا بطريقة تفكير الداود.

ـ فعلا كان ما وقع هو نفسه الذي توقعناه.. وتشكل الوفد برئاسة الداوود وتقرر أن يغادر إلى الأردن وفي اليوم نفسه ستتم عملية التخلص من النايف والداوود في يوم سفر الأخير.

 

ـ يضيف صلاح عمر العلي: “كنا طيلة الأيام التي أعقبت 17 تموز.. نتناول طعام الغداء بعد الاجتماع في القصر الجمهوري.. وبعد أن ننتهي من كل شيء.. يختلي رئيس الجمهورية برئيس الوزراء في مكتب الرئيس للتداول في شؤون الدولة وقضاياها المختلفة والتطورات السياسية وانعكاساتها على العراق بعد التغيير.. وبعدها يتوجه رئيس الوزراء إلى مكتبه في بناية المجلس الوطني”.

ـ صدرت في ذلك اليوم الأوامر للواء المدرع العاشر بالتحرك السريع لدخول مدينة بغداد.. وكان اللواء المذكور يرابط بالأصل في منطقة الورار قرب الرمادي.. لكنه تحرك وعسكر في منطقة أبو غريب منذ 17 تموز.. خاصة أن الكثير من الضباط البعثيين من ذوي الرتب الصغيرة كانوا قد انفكوا من وحداتهم التي نقلوا منها بأوامر هاتفية من رئيس أركان الجيش الفريق الركن حردان التكريتي.. والتحقوا بوحداتهم الجديدة في بغداد.. بعد أن استكملت خطوات السيطرة على الموقف.

ـ اتصل الرئيس البكر بقائد القوات العراقية في الأردن.. العميد الركن حسن مصطفى النقيب.. وبعد حديث عن وضع القطعات ومعنوياتها واحتياجاتها.. وحيث كان الخط ساخنا بين الرئيس وأحد قادة جيشه.. تحول الحديث نحو مسار آخر.. فقد قال البكر للنقيب سيصلكم اليوم إبراهيم الداوود.. أنا أبلغك بأن تلقي القبض عليه وتسفره إلى أي مكان.

ـ هنا تعثرت المكالمة إذ قال النقيب إنه لم يعد يسمع شيئا مما يأمره به قائده.. كرر البكر نقاطه مثنى وثلاث.. لكن النقيب لم يشأ سماع ما لا يرغب بسماعه.. أو لا يستطيع تنفيذ ما أمره الرئيس به.. هنا غضب البكر فقال للنقيب أنا متأكد أنك سمعت ما قلت لك تماماً.. لكن أمراً كالذي أمرتك به يحتاج إلى رجال من طراز خاص.. فتم إرسال فريق مكلف بالمهمة التي عجز عن تنفيذها العميد النقيب.

 

ـ في الظهيرة جاء عبد الرزاق النايف إلى مبنى القصر ترافقه قوة حماية تزيد على ثلاثين جندياً مدججين بالسلاح.

ـ نزل النايف من سيارته ودخل القصر مسرعا للتخلص من سموم بغداد اللاهب.. وهو مطمئن أن حمايته سيلحقون به كما كان يحصل في كل يوم.

ـ لكن تعليمات جديدة كانت قد صدرت لموظفي الاستعلامات في القصر وهم من الضباط البعثيين.. بعدم السماح بدخول المسلحين بأي حال إلى بناية القصر.

 

ـ خُيّر الحراس بين الدخول عزّلاً.. حيث تكييف الهواء المريح والعصائر التي تعودوا عليها خلال الأيام الماضية.. والخدمات التي تقدم لهم في الداخل.. أو البقاء في الهاجرة حيث نيران الشمس المحرقة التي ترسل أشعتها كالسيوف الجارحة بلا رحمة.. لتمزق الوجوه الحائرة والنفوس القلقة.

ـ ولما وجدوا إصراراً على تنفيذ هذه التعليمات من قبل المسؤولين عن حرس الباب الرئيسي.. لم يجدوا خيارا آخر.

 

ـ سلموا أسلحتهم بهدوء وجلسوا في قاعة الاستعلامات التي تحولت بعد بدء تنفيذ الصفحة الأولى إلى حجز مؤقت لهم.. فهم بلا جريرة لأنهم يؤدون واجبا رسميا من دون زيادة أو نقصان.

 

ـ بدأ الاجتماع في القاعة الرئيسة في القصر برئاسة البكر.. بغياب إبراهيم عبد الرحمن الداوود.. الذي سافر لتفقد القطعات العراقية في الأردن.

 

ـ بعد انتهاء الاجتماع وتناول طعام الغداء ذهب الرئيس البكر والنايف إلى مكتب البكر ومعه الفريق صالح مهدي عماش.. وعلى حين غرة دخل صدام حسين.. وصلاح عمر العلي.. وبرزان التكريتي.. وجعفر الجعفري.

ـ كل منهم يحمل بندقية كلاشنكوف.. قال صدام بلغة حازمة لا تقبل أي تأويل “عبد الرزاق النايف أنت مقبوض عليك.. لأنك تآمرت على الحزب الذي خطط لثورة 17 تموز ونفذها من أجل رفعة العراق والأمة العربية.. لكنك وضعت نفسك رأس حربة في خطة إفشال الثورة بعد أن تسللت إليها في وقت حرج للغاية”.

ـ تحركت يد النايف نحو مسدسه.. لكن صدام وصلاح عمر كانا يقظين تماما.. تقدما نحوه بسرعة.. وأمسكا به بإحكام وسحبا منه مسدسه.

ـ كان البكر مطرقاً برأسه ولم ينبس ببنت شفة.. أما الفريق صالح مهدي عماش فتمتم بكلمات تدعو لحل المشكلة بالتفاهم.. على الرغم من أنه مطلع على تفاصيل الخطة المعدة للتخلص من النايف.

 

ـ استسلم الرجل بسهولة تامة.. بعد أن أدرك ألا جدوى من المقاومة.. وقال بلهجة فيها رجاء حار بعدم قتله.. عندي أولاد.

 

ـ رد عليه صدام لا تخف شيئا أنت آمن إذا تصرفت بحكمة.. خاصة بعد إخراجك إلى المطار.. عندما نخرج في طريقنا إلى المطار عليك أن تتصرف وكأن شيئا لم يتغير بالنسبة لك.

ـ رُدْ التحية للحرس كرئيس للوزراء.. وإذا بدر منك شيء مخالف.. لذلك فقد لا نستطيع ضمان حياتك.. قررنا تسفيرك خارج العراق.. فأين تريد الذهاب؟

ـ خضع النايف لتدابير القبض عليه.. وقال إلى لبنان.. قال له صدام.. لا.. قال حسنا الجزائر.. قال له كلا.. قال حسنا المغرب.. قال له نعم.

ـ ولما تأكدت تهيئة الطائرة أخذ النايف ومعه مجموعة منتقاة من البعثيين المدربين.. وكان على رأسهم صدام.. وخرجوا من البوابة الخلفية للقصر الجمهوري كإجراء احترازي بصحبة عدد من المكلفين بهذه المهمة.. الذين نقلوه إلى مطار الرشيد العسكري.. ومن هناك وضع على متن طائرة عسكرية خاصة.. وتم تسفيره إلى المملكة المغربية.

ـ رافقه خلال تلك الرحلة برزان التكريتي وجعفر الجعفري.. كان هذا المشهد النصف الأول من خطة الإطاحة بالنايف.

ـ لكن تفاصيل الخطة خارج القصر الجمهوري.

ـ فبعد أن غادر صلاح عمر العلي القصر الجمهوري متوجها إلى دار الإذاعة للتمهيد لإذاعة بيان مجلس قيادة الثورة يوم الثلاثين من تموز.

ـ في تلك الأثناء كان اللواء المدرع العاشر قد أكمل السيطرة على بغداد.. بالتعاون مع قوات أخرى كانت تتواجد في العاصمة أصلاً بما في ذلك قوات الحرس الجمهوري.. وعلى وفق خطة الإنذار الحزبي فقد تدفق البعثيون المدنيون إلى المثابات المحددة لهم.

 

ـ ذهب صلاح عمر العلي: إلى نادي الكرخ الرياضي في المنصور وهو المخصص لتجمع البعثيين في قاطع الكرخ.. حيث تجمع الكثير من البعثيين في غضون ساعة أو أقل من ذلك.

ـ كان هناك عزة الدوري وعلي عليان السامرائي ونوري حمادي.. وكل منهم كان عضوا في قيادة فرع بغداد للحزب.

 

ـ كانوا يوزعون المهمات على الحزبيين الذين انتشروا في الساحات العامة.. وتقاطعات الطرق الرئيسة بكامل أسلحتهم.. من أجل رصد الظواهر التي تجلب الانتباه.

ـ ما أن رأى علي عليان السامرائي صلاح عمر العلي.. حتى قال له: اذهب إلى الإذاعة فوراً.

 

ـ يقول صلاح عمر العلي: ذهبتُ من فوري إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون.. لم يكن قد أذيع شيء ينبئ العراقيين بما جرى فالدبابات تمسك بالميادين العامة والشوارع الرئيسة.. كانت السيطرة محكمة على كل الزوايا والجهات في مدينة بغداد بل وحتى في أنحاء العراق.

 

ـ في المساء حضر الرئيس أحمد حسن البكر ومعه صدام حسين.. الذي كان يرتدي الملابس الخاكية.. ويحمل بيده بندقية كلاشنكوف إلى مبنى الاذاعة ووقف البكر.. وكذلك وقف ابراهيم الدليمي وصدام حسين خلف البكر.

 

ـ ألقى البكر بيان مجلس قيادة الثورة بتطهيرها مما علق بها من جيوب.. وانتهى كل شيء.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب