23 ديسمبر، 2024 9:30 ص

بلاغة ألقرآن- 3 – الرازي ونقد بلاغة  القرآن

بلاغة ألقرآن- 3 – الرازي ونقد بلاغة  القرآن

مقدمة:
أبا بكر محمد بن زكريا الرازي (250-311 هجرية) (864-923 م) شخصية من أكبر الشخصيات في الحياة الفكرية الإسلامية على مر عصورها، والرازي كان فيلسوفا وطبيبا وكيميائيا من الطراز الأول.
فلسفة الرازي الإلحادية عبّر عنها في كتابه “ألعلم الإلهي” ثم في كتاب “مخاريق الأنبياء”. إنّ نظرية النبوة كانت الشغل الأكبر لنقد الرازي للأديان، فالرازي كان لا يؤمن بالنبوة، وكان نقده لها يقوم على أساس إعتبارات عقلية وتاريخية، ومن أقواله في أمر النبوة :
“من أين أوجبتم أنّ ألله أختص قوما بالنبوة دون قومٍ، وفضلهم على الناس، وجعلهم أدلة لهم، ومن اين أجزتم في حكمة الحكيم أن يختارهم لهم ذلك ويُشْلى بعضهم على بعض ويؤكد بينهم العداوات وكثر المحاربات ويهلك بذلك ألناس “.
تابع الرازي نقده للأديان المنزّلة كنتيجة لإبطاله النبوات، كيما يثبت فساد النتائج التي أنتهت إليها النبوات، مادام الاصل قد بين هو أنّه فاسد. وكأنّه إذاً يريد أن ينتهي إلى ألنتيجة عينها من بطلان النبوة، نظرا لفساد نتائجها وما تقول به. وهذا النقد كان للأديان كلها دون تمييز بينها، فبعد أنْ نقد أليهودية والمسيحية والمجوسية والمانية، نقد ألإسلام.
 
نقد بلاغة  القرآن :
يقول الرازي في ألقرآن : “قد والله تعجبنا من قولكم : إنّ القرآن هو مُعجِز، وهو مملوء من التناقض، وهو اساطير ألأولين – وهي خرافات” وهو هنا يهاجم إعجاز القرآن على نحو مشابه لما فعله أبن الراوندي، فيهاجمه من ناحية النظم والتأليف، كما يهاجمه من ناحية المعنى.
أما من ناحية نظم القرآن وتأليفه فإنّه يقول : ” إنّكم تدّعون أنّ المعجزة قائمة موجودة – وهي القرآن – وتقولون : ” من أنكر ذلك فليأت بمثله”.
ثم يقول الرازي : “إنْ أردتم بمثله في الوجوه التي يتفاضل بها الكلام فعلينا أنْ نأتيكم بألف مثله من كلام البلغاء والفصحاء والشعراء وما هو أطلق منه ألفاظا، وأشد أختصارا في المعاني، وأبلغ أداءً وعبارة وأشكل سجعا؛ فإنْ لم ترضوا بذلك فإنّا نطالبكم بالمثل الذي تطالبونا به”.
وألشبه واضح بين هذا القول وبين قول أبن الراوندي : “إننا نجد في كلام أكثم بن صيفي أحسن من بعض سور ألقرآن.
هذا ألطعن في إعجاز ألقرآن من حيث ألنُظم ينقسم إلى أقسام : من حيث الألفاظ، ومن حيث التراكيب، ومن حيث القدرة على الأداء أي ألفصاحة، ومن حيث الموسيقى اللفظية، فيرى ألرازي أنّ في كتابات البلغاء ألفاظا أكثر طلاقة، ولعله يقصد بالطلاقة هنا السهولة وعدم التعقيد اللفظي، فلعله يقصد الألفاظ السهلة التي يستعملها خصوصا كاتبٌ مثل أبن المقفع.
ألرازي ينقد ألقرآن ثانيا من ناحية طريقة التركيب أي ألأسلوب بالمعنى المحدود، فيأخذ عليه إسهابه وتطويله وتكراره، وأخيراً يتطرق الرازي إلى الناحية الموسيقية في نظم القرآن فيقول : ” إنّ في كلام البلغاء ما هو أشكل منه سجُعا، و “أشكل” هنا بمعنى “أنضج” أي شأنه أن يكون أكثر موسيقية.
وهذا إمّا أنْ تكون الكلمات المسجوعة أقرب في تشابه حروفها الأخيرة، ولعله لاحظ هنا إعتماد القرآن على الحروف المتقاربة دون المتساوية في بعض الأسجاع؛ وإمّا أنْ يكون السجع أقرب إلى العفو والطبيعة بحيث لا يشعر المرء بأنّه مقصود إليه أو متَعسف.
أما من حيث المعنى فقد هاجم القران من عدة نواحي في قوله : ” قد والله تعجبنا من قولهم في حكاية أساطير الاولين، من غير أنْ تكون فيه فائدة أو بينة على شيء”.
والناحية الثالثة هي التي يوجه الرازي كامل عنايته، فهو يريد أولا أنْ يرد على الخصم حجته، هذا الخصم يقول : “من أنكر إعجاز القرآن فليأت بمثله”. فيقول الرازي :
ونحن نقول لكم كذلك ائتونا بمثل ما في كتاب أصول الهندسة والمجسطي وغيرهما. قال الرازي : “إنّا نطالبكم بالمِثل الذي تزعمون أنّا لا نقدر أنْ نأتي به” وهو بهذا التحدي يُشير إلى أنّ الحجة نفسها ترتد على الخصم، فليس في وسع إنسان أنْ يأتي تماما بما أتى به آخر”.
يقول الشاعر معروف الرصافي في كتابه الشخصية المحمدية :
” إنّ إتيان المعارض بمثل ما عارضه من الكلام متعذر، وأنّ محمداً يعلم هذا حق العلم فلذا تراه بكل سكينة وإطمئنان وبكل جراءة وإستبسال يتحدى قومه قائلاً :
(فأتوا بسورة من مثله وأدعوا شهداءكم من دون ألله إنْ كنتم صادقين)….. سورة البقرة، ألآية 53، ولم يبلغنا أنّ أحداً منهم قصد معارضة القرآن، وإن كان القرآن يحكي شيئاً كثيراً من كلامهم.
ولو أنّ أحدهم قصد ذلك لما كان إلا مغلوبا، لأنّ الذي يعارض القرآن (أي يحاول أن يأتي بمثله) يجب قبل كل شيء أن يكون ذا روحانية كروحانية محمد، وذا ذكاء كذكائه وخيال كخياله ومعرفة بالله كمعرفته، وعلم بأخبار الماضين من الأمم وأنبيائهم كعلمه، ويجب بعد هذا كله أن يكون ذا عارضة كعارضة محمد، ولم يكن فيهم من هو كذلك سوى محمد، فلا يستطيع أنْ يعارض القرآن ويأتي مثله إلا محمد نفسه.
زد على ذلك أنّ أسلوب القرآن مما لم تألفه العرب ولم تعرفه  بل هو أول من أبتدعه”.
 
للموضوع صلة
 
مصادر البحث:
–         من تاريخ الإلحاد في ألإسلام……………. عبدالحمن بدوي.
–         الشخصية المحمدية أو حل اللغز المقدس ….. ألشاعر معروف الرصافي.