حدثني رجل يدعى الصعفصارْ, عن احد الامصارْ , في بلاد الشرق الحارْ , قال : في زماننا – هذا الزمانْ – , رأيت العجائب والغرائب في مكانْ , رأيت بلادا تعاني الظلم والاحزانْ , من حاكم ظالم وطغيانْ , ولكن, بعد احتلالها بالحرب والموت والتدميرْ, حدث على ارضها التغييرْ , وزال حكم ” التُعنْفص” والحميرْ, انسحب المحتلُ واُعلن التحريرْ , سنّ اهل البلاد دستورا, افضل من كل الدساتيرْ, وانتقلوا من الدكتاتورية والتجبّرْ, الى الديمقراطية والتحررْ.. كانت البلاد جدُّ غنية , فيها ثروات طبيعيةْ , وغيرها اخرى كثيرةْ , ومياه – في نهرين – غزيرةْ , فقرر اهالها توزيع الثروة عليهم بالقسط والعدلْ , دون تمييز او عزلْ , ولكني رأيتُ الفقر باقْ , والظلم على قدم وساقْ . فسألتُ رجلا من اهل هذه البلادْ , يدعونه الصادق حمّادْ , عن ثراء فاحش ناله بعضهم, وفقر مدقع يعيشه اغلبهم . اجاب حمّاد يقولْ , وهو في قومه بهلولْ : بعد زوال الطاغية , والزمرة الباغية , خرج علينا قوم منّا “كانوا مهجّرينْ” , قالوا لنا ( نحن بكم نُعْنا يا مواطنينْ) , لن نبقي بينكم جائعا او فقيرا , ولا مظلوما – صغيرا او كبيرا – لكم الحريات سقفها السماءْ , لكم الارض والزرع والماءْ , لكم ما في باطن الارضِ , وما عليها بطولها والعرضِ , ثرواتكم نقسمها عليكم بعدالةْ , بلا ظلم, عن قصد او جهالةْ , ستصبحون بين شعوب الارض , سادة بلا نقض . وتصبحون الاعز والاثرى , والاكثر امْنا وخيرا , ونحن سنرضى باقل منكم نصيبا, وغيره بغير الحق لن نصيبا . يقول الصعفصار: تنهد حمّاد وتحسرْ , وبانت على وجهه الخيبة والقهرْ , واكمل يقول : يا صعفصار بعد عقد من السنينْ , على وعد الواعدينْ , من حكّامنا الجُدد الوافدينْ , وجدناهم قرودا , نكثوا العقود والعهودا . فانظر لي “انا مثلا” , لم اجد في هذي البلاد عملا , لي اسرة كثير افرادها, وليس لي عمل منه اُعليها , لم تتذوق اسرتي طعم اللحم منذ عامْ , والفاكهة والحلوى عليهم حرامْ , بيتنا خرابة على اطراف المدينةْ , كل يوم يهددونا , يقولن اننا “متجاوزونَ” . بينما صار جارنا وهو افقر منا , يملك ارضا وعقاراتْ , وعنده من المال ملياراتْ , بفضل السلطة والفسادْ , واخيه المتسنم منصبا في البلادْ , وبفضل العقود الحكوميةْ , ذات الفساد والمحسوبيةْ , وبفضل المشاريع والمقولاتْ , وبيع البضائع الفاسداتْ , للفقراء والمساكينْ , ولم يردعه قانون او دينْ , وضميره الغائب الصلفْ , يبرر سلوكه المنحرفْ , .. صمت حمّاد , كانه مقيّد باصفادْ . والحسرة تتكسر في صدرهْ , والغضب يغالب صبرهْ , وانطلق لسانه يرددْ , الفوارق بين قومه ويعددْ , قائلا : يا صعفصار, حكّامنا الجددْ , عمّروا بيوتا شامخاتْ , ويركبون سيارات فاخراتْ , ولديهم من الشرطة والجند حماياتْ , لكل واحد بالعشراتْ , ونحن نتلقى ابشع الميتاتْ , ويذهبون هم على مرّ العام ايفاداتْ , الى بلدان الدنيا البعيداتْ , ولهم في كل امر وحال امتيازات . وكل ما يأخذونْ , بغير حق ويسرقونْ , هي اموال الشعبْ , الذي يعاني الجوع والكربْ , لقد سرقوا ,, نهبوا ,, بددوا ,, ولحياتنا قيّدوا .. هم يعيشون برفاه متخمينْ .. ونحن على الفقر والجوع مقيمين .. يا صعفصار .. لقد اصبح توزيع الثروة بالعدل في البلادْ . على المسؤولين وليس على العبادْ . هم لهم الامن والمال والجاه والسلطانْ . ونحن لنا التفجير والموت والفقر والحرمانْ , هم فرحون يضحكون , ونحن في عيشة ضيزى نادبين , حضنا التعيسْ , الذي حكّم فينا زمرة ابليسْ . بعد حكم الطاغية الجبّارْ , وما تخللها من حروب وجوع وحصارْ .. واليوم يا صعفصار ليس لدينا خلاص . من هؤلاء الانجاس , فكيف ترى لنا السبيل , من هذا الظلم والتقتيل ؟ .