17 نوفمبر، 2024 6:35 م
Search
Close this search box.

بلاد الألف (مول) و(مول)

بلاد الألف (مول) و(مول)

تفخر الأمم بقطعة حجر تظل قائمة لأكثر من خمسة عقود, فيسارع مسؤولوها لتسويرها وتحويلها إلى نبض دافق يشير إلى عمق حضارة هذه الأمة.
ويمتلك العراق بوصفه من أقدم الأمم, وفرة من المعالم التي لو نُظر إليها نظرة وطنية لتحولت إلى فضاءات جاذبة, تدل على الوطن.
الوطن الذي يواصل ساسته ابتكار ثقافة (المولات) لمواجهة ما يدّعون من أزمة مالية هم سببها الأول والأخير.
ولعل من أشد ما يثير الحزن, بل الغضب أيضا, السعي لتحويل (مدرسة الراهبات) التاريخية إلى مول تجاري.
وهذه المدرسة التي تشغل رقعة جغرافية مهمة تتربع بين نهر دجلة الخالد, وشارع السعدون, وجسر الجمهورية, والتي تضم في تفاصيلها أسماء لاحقة لمؤسسات تربوية مثل (العقيدة, دجلة, الشقائق, كلية بغداد) تعود للوقف المسيحي, الذي يروم تحويلها -حسب ما تتناقله الأخبار- إلى مول تجاري, في سابقة لا يتحملها وحده, فالأسباب القاهرة التي تقود الجهات لاتخاذ هذه القرارات, تنشأ من تجاهل حكومي كبير لحضارة البلد, فالسكوت والتجاهل والإهمال سمات واضحة من قبل الجهات المعنية, فلا وزارة الثقافة والسياحة والآثار حركت ساكنا, ولا أمانة بغداد, ولا محافظتها, ولا وزارة التربية.
ونحن إذ نتحدث اليوم عن هذا الصرح المعماري, ذي الطراز العريق, فإننا نتحدث عن قرن من التاريخ, عن أجيال نشأت, وطلبة قادوا المجتمع, وثورات, وانتفاضات, ودماء, وحياة.
نتحدث عن مدرسة تشير الأقوال بأن من فتح بابها أغلق باب سجن, فوا عجبا من تحويلها إلى تجارة..!!!
نتحدث عن واجهة مهمة لمكتبات عريقة جهة (السعدون) ستزول حال تطبيق خطة الدمار الموعودة.
والسؤال الأهم… من يعطي إجازة بناء هذه الأمكنة التجارية بكثرة, وفي وسط زحمة العاصمة تحديدا؟
ألا تمتلك بغداد تخطيطا؟
بغداد ذات البوابات والحدائق وأقنية الماء, والأزقة الناضجة منذ يوم تأسيسها, والتي ترزح اليوم تحت ظل سماسرة ومرتزقة سعوا ومازالوا لتحويلها إلى هرج كبير.
وهنا… وانطلاقا من صمت حكومي رازح ومزمن, ولعدم وجود جهة عراقية تستحق أن نناشدها للتدخل, ندعو نحن في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق, إلى تدخل سريع لمنظمة اليونسكو, فبقاء هذه المدينة قيد حكّامها سيزيل عنها صورتها المعروفة في الذاكرة المتراكمة, ويحولها من بلاد (ألف ليلة وليلة) إلى بلاد (ألف مول ومول).
لم نتطرق إلى استنزاف الموارد, والأخطاء الاقتصادية من جراء هذه الارتجالات, فهذه الشؤون لها متخصصوها, لكن التعدي على مراكز حضارية مهمة كقاعات الفن وساحات الثقافة والتراث, ومدارس ومعاهد ضاربة بالجمال العريق, يشكل جريمة لا تغتفر.
أنقذوا تاريخ الوطن من أعداء التاريخ, وأصغوا لوقع أقدام مؤسسيه الأوائل, فمازالت أرواحهم نابضة بكل حجر, وقوس, وبكل طابوقة وكل شرفة شناشيل, وعمود ورصيف وإفريز.

أحدث المقالات