23 ديسمبر، 2024 9:51 ص

بلاد الأرقام أوطاني؟!!

بلاد الأرقام أوطاني؟!!

ماذا يجري في بلدان العرب؟ فالناس فيها وكأنهم أرقام قيمتها صفر , أو أنهم ركام أصفار على يسار رقم يستبيحهم , ويمحوهم بممحاةٍ ذات ألوانٍ وألوان!!

فما تتداوله وسائل الإعلام هو أرقام , لا تعني أحدا لا من قريب ولا من بعيد!!

أرقام تتوارد كل يوم وساعة من سوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر وغيرها من البلدان.

قتِلَ مئتان في سوريا هذا اليوم , وتسببت الإنفجارات في العراق بقتل سبعين أو ثلاثين أو مئة , وفي ليبيا قتل ثمانون , وفي لبنان قتل أكثر من عشرين , وفي مصر بلغ عدد القتلى الثلاثين……وهكذا دواليك.والدنيا صماء بكماء عمياء , تعودت على هذه الأرقام , بل أنها أخذت تتصور بأن بلاد العرب صحارى ومدنها خيام , فلا معنى لتدمير حلب عن بكرة أبيها , ولا لبغداد أو الموصل أو بنغازي أو طرابلس , أو أية مدينة عربية أخرى , لأن العرب لا يعرفون ثقافة المدن وفي وعيها أنهم في خيام , فما قيمة الحديث عن المدن , ولتلقي طائرات التدمير الشامل ببراميل حقدها , وأحدث قنابلها وصواريخها على هذه المدن فلن يحصل شيئ , سوى أن الأخبار ستتداول الأرقام.

نعم إنها نكبة الأرقام العربية!!

فالأنظمة الحاكمة بالوكالة تحسب الشعب أرقاما , والمدن خياما , وهي مدمنة على محو الأرقام وإقتلاع الخيام , وتهجير من يريد التحرر من قبضة الأرقام.

والناس أصيبت بالتخدير وفقدان الإحساس والشعور بأن الذي يُقتل كل يوم إنسان , وترسخ في وعيها أن الذي يحصل مجرد لعبة أرقام , وأن المدن خيام , إقتلعتها عواصف الصحراء الرملية الهوجاء , فلا شيئ يحصل في بلاد الأرقام أوطاني , إنما هي الديمقراطية والحرية التي تتنكر لها الأرقام!!

الويل للأرقام من الأرقام؟!

فهل وجدتم أرقاما تأكل أرقاما؟!!

العالم يحتقرنا لأننا إرتضينا لأنفسنا مصير الأرقام!!

لا نستحي من أنفسنا ولا نخجل , بل نتفاخر ونتباهى بأننا محقنا عددا من الأرقام , تحت شعارات مضللة ومسميات مدمرة , لكي تمضي الأرقام في محرقة الأرقام الديمقراطية الوضاءة.

لقد إخترنا مصير الأرقام بمشيئتنا , وترجمنا عمليات الطرح والقسمة بأسلحةٍ وأدواتٍ ما صنعناها , وإنما أعطِيَت لنا لكي نتماحق بها في متوالية محو الأرقام.

ولهذا تجد العالم ينظرنا بعين التغاضي والإهمال , وإن أراد فأنه يسكب على نيران الأرقام زيتا أو بنزينا , لأنه لا يريد أن يتأثر بالدخان , ويسعى لكي تتحول جميع الأرقام إلى رماد والمدن إلى ركام!!

فأي أرقامٍ هذه الأرقام؟!!

دول تهتز من أقصاها إلى أقصاها لو سقط فيها مواطن أو بناية , ونحن يتساقط المئات في ديارنا كل يوم وتنمحق مدن , وننادي بسذاجة هل من مزيد!!

أين الغيرة الإنسانية والحضارية والوطنية؟!!

تأمّلوا كم يقتل العرب من العرب كل يوم!!!

ألا يؤكد ذلك على أننا أرقام بائسة مذعنة لممحاة أسياد الأرقام والحساب؟!!

فتحية لبلاد الأرقام أوطاني!!

وهل سنتحرر من عبودية الأرقام ودورها ومصيرها , لكي نستعيد قيمتنا وكرامتنا الإنسانية؟!!