22 ديسمبر، 2024 11:44 م

بكينا معاً على وجود وغياب الله والأمل والعدم !

بكينا معاً على وجود وغياب الله والأمل والعدم !

كان الجلوس في المسجد يمثل لي نوعا من اليوغى أشعر بالإسترخاء والأمان داخله ، وأحلق عاليا في نجوى وإبتهالات وتضرع ، وتكرار التوبة عن ذنوب لم ترتكب ، وفي أجواء المسجد تتحرك الأماني والخيالات في الطمع بدخول الجنة والإطمئنان من عذاب النار ، من المنظور السيكلوجي يمثل المسجد مأوى الخائفين الذين مسخهم الدين وسلب وعيه وإرادتهم وحولهم الى كائنات شيزوفرينية تتوهم الخوف من وجود رب قادر على كل شيء يراقب البشر في كل لحظة وتكتب التقارير الأمنية له من قبل الملكين الجالسين على الكتفين الأيمن والأيسر لكل إنسان ، وحياة الشخص المؤمن يسودها الذعر من مرحلة ما بعد الموت والترهيب بعذابات نار جهنم ، لاشيء طبيعي وعفوي في شخصية المتدين ، بل ما يوجد هو القولبة والإستلاب والتعليب والمسخ لآدمية الإنسان !

بعد قراري إختيار الإلحاد .. ومن باب إسترجاع الذكريات والتعرف على مشاعري الجديدة ذهبت الى أحد المساجد وجلست على الأرض متكئاً على الحائط ، لم تمضي إلا دقائق حتى شعرت بالإختناق لم يعد المسجد عالمي ، كان يملؤني الضجر والسخط على نفسي كيف أضعت عمري وصدقت خرافات الأديان ، تحولت رمزية المسجد لديّ من الروحانية والطمأنينة الى الى عبارة عن وكر للتخلف والعبودية للأوهام وفبركة مبررات الخلق والوجود وإيجاد المعنى !

على مفربة مني كان أحد الأشخاص يقرأ القرآن ، سمعت نشيجه وبكاءه بخشوع وعبودية مطلقة .. عبودية الخائف المسلوب العقل والإرادة ، والمستسلم للتلقين الديني … ما أن إنتهى من سجدة الشكر لله حتى بادرته بالسلام شكرني وأخذنا نتبادل الحديث ، كان في أعماقه محطما مذعورا من مصيره بعد الموت ، وعندما شعر اني أصغي اليه بإحترام وتفاعل .. إسترسل في محنته الشخصية مع الدين والله والموت … كان أسيراً لمقولات الدين دون ان يفكر فيها حسب مقاييس العقل والواقع ، سلم نفسه كلياً ليس للقرآن والأحاديث النبوية ، بل وتبنى كلام رجال الدين ووجهات نظرهم وتفسيراتهم وإعتبرها جزءا من القرآن ووصايا الله .

كنت أستمع اليه بشفقة شديدة ، وأستذكر أيام ضعفي وإنغماسي في الدين وكيف كنت أعيش لحظات حياتي مرعوبا من عذاب نار جهنم ، كنت أصلي شبه منهار من من مخاوف الأجواء الدينية ورهبة المسجد الذي يطلق عليها حسب المصطلح الديني ( روحانية وخشوع ) ، وكنت حينما أنهي صلاة الجماعة أذهب لتقبيل يد الشيخ لحظتها تاتيني رغبة عارمة للبكاء في حضرته ، كان الإيمان بالمعتقدات الدينية والوصايا الدينية وهذا الكم الهائل من التخذيرات والتهديدات ، ومارسمه الخيال من صور الجنة والنار .. عملية تستنزف الفكر والمشاعر وتستولي على كياني ، الإيمان بالأديان وتطبيقها في الحياة اليومية يعني الإنغماس في منظومة فكرية ناتجة عن الإضطرابات العقلية الفردية والجماعية المضادة للصحة النفسية والحياة ومصالح الإنسان !

إستطرد كثير في الكلام الديني صاحبي في المسجد ، وبكى عدة مرات ، كان متدينا حقيقيا تلبسته الكآبة وإسودت الحياة بوجهه نتيجة المعتقدات والأفكار الدينية المعادية للحياة والمنافية للعقل .. كان الجو في المسجد مشحونا بالمشاعر الكئيبة ، تفاعلت مع بكاء ذلك المؤمن ، وبكيت أنا أيضا من زاويتي الخاصة .. بكيت على حياة ووجود بلا معنى وإله غائب تركنا أيتام نتيه في ملكوت الضياع … قرار الإلحاد بقدر ماهو يمثل الخلاص والتحرر .. فإنه يقذفك الى سر الوجود و مأساوية الإنسان من حيث هو كائن عشوائي يتيم الإله مسكون بالإنانية والشر يعيش عذابات إنتظار نهايته الجحيمية بفجيعة الموت .. موتنا جميعاً .. كانت هذه فكرة العمر التي أمسكت بها بعد إتضاح الرؤية بشأن فجائعية الوجود وصراخه المدوي في تيه العدم .. غاب الحافز ، وحضر الإحباط والشعور باللاجدوى .

كيف يمكن الحديث عن صدمتنا بغياب الإله والمعنى وعدم قدرة الجنس البشري على تطبيق العدالة .. لابد ان يكون من لديه حافز الكلام عن مجزرة الكائنات البشرية يوم ولدت ويوم تموت ..ان يكون عاشقا لتعذيب الذات ، أو في روحه براكين من الكلمات والصرخات تزلزله وتتفجر خارجة الى عالم يندر إدراك ما يحدق به من كارثة بإعتباره إنسانا لايملك من أمره شيئا ، بل هو مجرد ألة في هذا الوجود العشوائي المفتقر للمعنى !