23 ديسمبر، 2024 1:33 م

بكاءٌ عند قدمَي عليّ

بكاءٌ عند قدمَي عليّ

كنتُ علقة ً في بطن ِ أمي
فسبّبتُ لها الغثيانَ
اعتراها هاجسُ حمْـل ٍ
رابعُ عشر
فوضعتني ..صارخة ً (يا عليّ)
مثل كل أمرأةٍ في شدةٍ من بلادي
خرجت من  رحم ٍ حالكٍ
الى دنياٍ اشدُ حلكة ٍ
فلم أتبين عيوني
ولم اطلقْ صرخة ً
سمعتُ استغاثة َ أمي (بعليِّ)
فخطف بصري برقٌ
يشبه شراييني
فعلمت ان لي عينان
إذ ذاك .. صرختُ
ومن كثرتنا
لم يؤذنْ ابي في اذني اليمنى
ولم يُقم في اليسرى
فهمس بدله (عليُّ)

افتقدتُ دفء الرحم
ارعبني فضاءً خاويا باردا لم أألفه
استبد بي الذعرُ من الصخب ِ
فصنعتُ لنفسي صَدَفةً
وحشرتُهافي الزوايا والاركان ِ
فأحسستُ بسكينةِ
وأذا بدفءٍ يدبّ ُ في اوصالي
كان ذلك (عليـّا)

وخرجتُ
الى حيثُ وجرِ الذئابٍ
سجن ٍ بلا أسوار ٍ
اسمه الدنيا
أوحشُ من غابة ِ (حيُ ابنُ يقظان ٍ)
لم ترضعْـني ذئبة ٌ
فاشتهت لحميَ الذئابُ 
فقيّدتني ..
وخلعتْ عليّ ثوبَ عُبودية ٍ
أوثقُ من (القماط ِ)
حيث عسكرةِ الطفولةِ
وغسلُ الادمغةِ بالاوساخ ِ
منعتني حتى من سدل ِ أجفاني
عن مشهدِعنفٍ
وفنونُ التنكيل ِ
والوانُالساديةِ
بمن تسوّلُ له نفسُه
من الأحرارِ
وتواترتْ على سمعي
نصيحة ٌ فجة
قبل وعيي
ولكنها انقذتْ رقبتي
(لا تتحدثْ الى الحيطان ِ .. فأن لها اذانٌ)

كانت كلَ الدنيا بلون (الكاكي)
فأصابتني بعمى الالوان ِ
وبثـّتْ على رأسي
قَمْلا سلطويا
يُحصي عليّ انفاسي
ويرقـُبُ حركاتي .. وسكناتي
ففاشية(الامويين) لا زالت في الحكم ِ
استبدلوا تلافيفَ دماغيَ
بالاسلاك الشائكةِ
وسلكت طريقي مرغَما
مكافحا صدئها ووخزها
وكبرتُ
وكبرمعي سؤالٌ
عن لغز ِ الموت
وشواهدِ القبور ِ
ودنيا لا يقينَ فيها
الا)ساعة ً(لا محالة َ ستحينُ
وأجتررت  ثقافةً سقيمة
فُرضَتْ عليّ –
كغلظة طعام ِ المسجونين
ملأتْ عقولـَنا
بفارغ ِ الكلام ِ
فشببنا بُـلـَهاءً
لولا طرْقـة ٌ على بابِعلي ٍ
لولا الخلسة ُ كالسرّاق ِ
بخير ِ جليس ٍ ممنوع ٍ
في الزمان ِ

وتقاذفتنا أتونُ حروب ٍ مجانية ٍ
تحركـُها الاهواءُ والنزواتُ والاطماعُ
وتذكيها العصبية ُ وافكارُ خرافية ُ
ومبادئ ُ منقرضة ٌ
حيثُ الخذلان ِ والخسارةِ
وحرق ِ الاخضر ِ واليابس ِ
وتبديد الثروات ِوالاخلاق
ودماءٍ تـُهرَقُ على الارض ِ
بدلا من مداد ٍ
يسيلُ على قرطاس ِ
******************
فلم أكن سوّيا كأقراني
أزحتُ قَصص (سوبرمان)
و(الوطواط) المؤجرة ….جانبا
لألتهمَ أشعارَ (مظفرالنوّاب)
الملتهبة الممنوعة ِ
ويذَكّرني نخيلُ بلادي
بالصّلبِ على الجذوع ِ..
لا بخير ِ الثمَرْ
ودجلة ُ والفراتُ
بالدم ِ ايامَ التترْ
وأعيادُ الميلاد ِ
بخطواتٍ الى القبرْ
ونفط ُ بلادي
بمسِّ (سقرْ)

وكاد التيهُ يأخذني
الى الطرقات ِ المظلمةِ
وأوحال ِ اليأس ِ والهزيمةِ
والمزالق ِ العميقةِ
ومستنقعاتِ المجتمع السفلية ِ
ومقاهي الكلماتِ البذيئة ِ

فأخذ بيدي (عليّ ٌ)
مؤنبا اياي :
(ويحك .. لقد افنيتُ نفسي وبنيّ.. لأجلكم)
فاستحييت ُ حد البكاءِ
وأقسمت الا أعودَ
فأُغضِبَ عرّابي

وتسرب الاحباط ُ والاستلابُ
والاقرارُ بالعبودية للانسان
من تحتِ الابوابِ وشقوق ِ الارض ِ
كالماء ِ الآسن
كاد ان ينجسني

                    فأنتشلني (عليٌ)

لا أبخس من علمني حرفا
فما بالكم بمن علمني حياة ً
ومنطقا وصورا 
وحكمة ً ومعانيا
لستُ أهلا لها
حروف ثلاث
فيها سرُ الأكوان ِ
فيها جوابٌلكل سؤال ٍ
فيها اليقينُ .. كلُ اليقين ِ
سلاحٌسريٌماض ٍ
بوجه الشر
بوجه الفقر
بوجه الظلم والظلام
بوجه الشك
فأستعبدني .. بملء ارادتي
سلـّمتُ له مفاتيحَ ذاتي
متوسلا ..
فكممن مصلوبٍ كان جرمُهُ
أن رفضَ البراءة َ منكَ !
ولو خُيرتُ بين صاحبَي السجن ِ
لآثرتُ ان أكونَ (مَن تأكل الطيرُمن رأسه)
على ان اسقي الطغاة َ خمرا
فحتى (الكواكبَ) خانت (يوسفا)
في دنيا وئدتنا قبل الميلاد
اذ قتلتْ (عليا)
فعليهامني السلام

ولاجل ذلك ..
ر’ميتُ بالزندقة في الشرق
اتُهِمتُ بالهرطقة في الغرب
كنت شماليا مجنونا
جنوبيا متخلفا
ثائرا متمردا
بوجه حتى نواميس ِ (نيوتن) !
فحتى شعري بلا قافيةٍ
بلا بحر ٍ .. بلا وزن ٍ
فسحقا لقافية ٍ
عجزَ عقلي الصغيرِ عن فذلكتِها
فتحولُ بين مكنونات صدري
والكلمات ..

فأعتزلت كل (أصحاب القرار)..
متسربلا في الأفاق ِ
مثلُ مريم
الا انني لن اعودَ اليهم
وبين جنبيّ قلبٌ
ينبضُ بولايةِ (عليّ)
ليُكلمَهُم في المهدِ
ويسفههم .. فسيذبحونني
فقد سَنّوا شريعة َ قطع ِالروؤس ِ
مُنذ (الحسين ِ) وما زالوا
وسألني كل من صادفني
من الحيارىوالهائمين :  
أتائِهٌ انت؟
فمللتُ الأجابة َ:
انتم التائهون .. لا أنا
فمعي بوصلة ٌعلوية ٌ..
لكن طريقـَها .. وعرٌ
فقد اوغلوا بتمهيدها
بالمساميرِوالصلبان ِ
منذ قرون

وصرخت بهم
مم تهربون ؟
أجابوا: من وباء ٍ اسمه (السامري)
         لقد تكاثر بالانشطار ِ
 وعَمَّ (خوارُ العجول ِ الذهبيةِ)
        الآفاق ِ وأروقة الحُكم
وضاقتْ الأرضُ بأصنام ٍحيةٍ
       بلسان خبيثٍ ويدٍ عابثةٍ
واتخذوا كتاب َ الله ِ مهجورا
الا يافطة ً على رمح ٍ
كرزيّة يوم التحكيم
ايقونة ً على الصدورِ
والجدران والرفوفِ
 وموطئا للبصمات ِ
ولليمين الكاذبِ
        او ربما هدفا
لسهام ِ أمير المؤمنين …. (الوليد) !!

 

فقلت : اين الحقُ ؟
قالوا :أغتاله (ابن ملجَم)
بضربةٍ على موضع ِ سجودِه
       وتلقى (معاوية ُ) ذاتَ الضربة
       ولكن .. على سافلتهِ..
فتنجّسَ الموتُ منه
       ولعُهرِ الحياةِ .. فقد عاش..!
فشرفتكَ المنية ُ.. وأخزَتهم
لا .. أنت من شرّفـَها
كما شرفتَ الحياة
والموتُ والحياة ُ طرفا نقيض ٍ
عند الناس
لكنهما .. تساوا لديك في الشرفِ !

**********     
صِحت’: اين الصدقُ ؟
قالوا : وئدوه تحت رمال (الربذة)
على جملة قالها (علي قائد البررة .. قاتِلُ الفَجَرة)
قلت : لا بد من الثورة
       فبَكوا دما ..
بكاء مذنبٍ
قالوا :ذ ُبـِحتْ من الوريد للوريد
       ولكن عجباً
أنجبت عملاقا
رأسه في مصر وبدنه في العراق
ينتفض كالمارد
ليدوس بالنعل (يزيدا )
كلما ’بعثْ
فقلت أما من مغيث؟
قالوا : انطلتْ علينا فرية ٌ
        في (ان لله جنودا من عسل ٍ)
        فلم يفتك بأعداء الله
لكنه فتك (بالاشتر) !

مولاي
يا طودا من رجولةٍ مع حنان
ايها الملكالزاهد
ايها العالِم َ المتوقدِ شعلة ً
يا بطلَ المناظرات ِ الفكريةِ
ايها الحكيم المتفجّر شررا
ايها المارد الرحيم
ايها الفارس المتواضع
بقدح سيفه انارَ لنا الآفاق ِ
فكلُ السيوفِ دموية ٌ
وسيفك شمسٌ وقلمٌ
وما ذو الفقار ..
الا مِنجلا ..
يطعم المستضعفين عدلا
وقِسطا وخبزا
مضيفا للحياة معنىً وجدوى
ايها الناسكَ الجبار
ايها الفقيرَ الكريم
ايها الثائرَالسرمدي
يا رُعبَ الطغاة ِ الازلي

أيها الباسمَبوجه الموت
أيها الباكيبين يدي الله
ايها الحليم الفاتك
أيها الجائعَدوما
لتطعم الجياعَ عسلا
يا ملتفعا بأسماله
لتُلبس الفقراء حريرا
ايها الواضحَ كالماء ِ الزلال ِ
يا بئرَ الاسرار ِالسحيق ِ
وعدلك ملأ الخافقين

حقا من انت مولاي ؟
أي بشرٍ تجتمع فيه المتناقضاتُ
أي رجل تسلك فيه الاضدادُ
نهجا واحدا
مكملة ً بعضَها
مؤتلفةً دون تصارع أو مناحرةٍ
فقد جَندلْتَ الجبابرة والطغاة
لتحرص على رزقِ نملة
خَشيَتْ من فتكِ جنودِ (سليمان)
فأمِنَتْ منك !
وطرحتَ لأجل ذلك
مُلكَ الاقاليمالسبعةِ
راضيا .. بقبضة قمح ٍ تقضُمُها !
تطيحُ بالروؤس في الوغى
كأنَكَ تُشذبُ نخلاً
وأراك جاثيا على ركبتيك باكيا
أمام غلام ٍ يتيم ٍ جائع ٍ !
واذا غَضبتَ ..
تترفعُعن السيف
تأنَفُ من الحديد
فتطرحُهُ جانبا
وتقلعُ الفرسانَ من ظهورِ جيادهم
لتصفعْ بهم وجهَ الارض
بيدين مجردتين
قاطعا حبلَ حيواتهم
فحتى (الموت) تهيب منك
فطرق عليك الباب
مستئذنا
لأراك ايها الملكَ متأسيا
بأفقر فقير من رعيته

كلما اقتربتُ منك
تشعبتْ أغوارُ مجاهيلـَكَ وتشابكت
كأنك محيطٌ سحيقُ القاع ِ
كرهْتَ الذهبَ
فأتاك سعيا بعد مماتكَ
كطيور (ابراهيم)
متبركا بأعتاب ابوابك
**************** 
مولاي
اتذكر بلاياك  عند كل نازلةٍ
تنزل بي
فتهونُ علىّ مصائبي
اتذكرعدلَك كلما شعرتُ بالحيف
اتذكر رزاياك كلما حزنت
ودنيانا مثل سلسلة ٍ
ما بين حزن وحيف ٍ
كالانفاس …
فكيف انساك ؟

مولاي
اتدري ما يعتريني..
حين الِجُ حضرَتـكْ ؟
حيثُ تُحجَبُ اصواتُ المبتهلين
وهمهمة ُ الزائرين
وتضرّع ُ المنكوبين
عن أذنيّ
ويتوقف الزمن ..
وتحتار النواميسُ ..
وتعجزُ كلُ قوانين الارض ِ
عن فرض سلطانها
على بدني وهمومي
وكأنني على الارض
وما انا على الارض
وحيثُ الفُ سببٍ وسببٍ
يصيب غددي الدمعيةِ .. بالجنون ِ
فأطلُقُ لها العنانْ
واترك حبل شكواي لك على غاربها
وتغمرني الهيبة ُ
وايـّة ُ هيبةٍ
أي وجهٍ ذلك الذي كرّمه الله ..
انْ تولدْ بجوف ِالكعبة ِ
وتستشهد في محراب ٍ ..
في أقدسِ مسجدٍ ..
وما بين هذا وذاك ..
سطّرتَ اسفاركَ
بحروف شفافةٍ
وصُلبة ٍ كالماس ِ
فلم تتبينْها عقولُهم السميكة َ
وعجزتْ كلُ ازاميلَهم ومعاولَهم عن مسحِها
وكاد النهجُ يضيع ُ
فلوّنها نجلـُك الشهيدُ بالدم
فهكذا تقرأ الناسُ الكلماتْ
فكيف أُلامُ اذا صرخْتُ بين الجموع ِ..
انت فوق البشر

فلا تحسبونني مجنونا
اتحدثُ الى الذهب ِ
فانا انادي عليا
مظهر العجائب ِ
الشهيد الحي الذي يُرزق
عند الله
هو أقربُ اليّ من نفسي
هو ولييّ حيا
هوولييّ ميتا
هوأمامي .. يومُ الدين ِ
شئتم ام ابيتم
وكلما توسدت ضريحك
اجدني ممسكا بأسمالك
بكلتا يديّ
مثل غريق ٍ يتشبثُ بمنقذٍ
انشب اناملي فيها
اجذبها جذبا
لن افلتـْها
ولو قـُطّعتْ اصابعي
أجعل رأسي يتخلل صدرَك
صدرَك الذي حمل همَ الأنسان ِ
كل ِ انسان
لتجتمع في فمي صرخاتُ كل المظلومين
تصم كلَ الاذان .. الا اذنَك
يا ذا الاذن الواعية
اكون ارثا هادرا ..
لدموع ِكل المستضعفين
تغرقُ الجميعَ الا انت
يا من تنحدرُعنه كلُ السيول

أمضيت عُمُري باحثا عنك
فلم تخذلني
اذ اتيتني في حلم ٍ
ايقنُ من الوعي ِ
(فمنْ رآكم فقد رآكم)
فأحتدمت الكلمات ُ
وأختلطت الشكوىبالدموع ِ
وتأتأتُ كالاخرس ِ
فصدرتْ منك همهمة ٌ وقـُبلة ٌ
سكن لها قلبي
سأتباهى بها حتى اللحدِ
الا سحقا لدنيا طلقتها ..فقتلتك
يشهد اللهُ
كم من مرةٍ
غصصتُ بأفطاري
مستذكرا استشهادَكَ
ليلة الحادي والعشرين

أغثنا مولاي
فأن كان نعلُـكَ المخصوفِ
أحبّ ُ اليك من أمارَتِتنا
فما زال شعارُ حكّّامنا
(تلاقفوها) …
وصار الههم ..
ذلك الذي يحلف به (ابو سفيان) !
مولاي
كل يدّعي الوصل بك
وهذا يقتلني
فلا زلنا –مولاي-
فيئا يُنتهبُ من كل جهة ٍ
وهدفا يرمى من كل صوبٍ
ويُعصى اللهُ
فنجاملُطغاتـَناخوفا .. ونرضى
فكيف نجرؤ على الدعاء
ما ذنبَنا يا ربّْ ؟

فيا أحرارَ
اقرأوا التاريخ بلا حروف منقطة ..
فلا يستحقَ بصمة َ (علي)
و(ابي الاسود)
اقرأوه يا أحرارَ بالمقلوبِ
فتفهموا
اترُكوا سطورَهُ
فهي مسمومة ٌ
وافهموا ما بينِها
فتاريخنا صارنهجا ممسوخا
للسياسة العربية ِ الحولاء ِ
المفردُ عندُها جمع ٌ
والجمع عندها اسم نكرة
والحق فيها (ممنوع من الصرف) !
الا سُحقا لك يا تاريخَ النطع ِ والسيفِ
وضربَ الاعناق ِ
فأنت مدرسة ٌ سوريالية
للاستبداد والتغييب والسادية
تعلّم منك (ميكافيللي) ، و(هتلر)
و(ستالين) ، و(صدام)
انت قبلة ٌ لكل طغاةِ الارض ِ
لكل من أهلَكَ الحَرثَ والنسلَ
فأنت ومن كتبك ومن اتبعك َ
سببُ بلائـُنا .. كلُ بلائـُنا

الهي
(لو أحبَّ الجبلُ عليا لتهافتْ)
وأخترنا حُبَ (عليٍّ)
وما نحن بالجبال
الهي فرفقا بنا