فاز الرئيس السابق دونالد ترامب للولايات المتحدة الأمريكية على الرئيس الحالي جو بايدن في المناظرة التي أجريت على الملأ, والتي وصف نتيجتها ضيف قناة CNN الأمريكية المحلل السياسي موفق حرب : ” ترامب لم يفز بل سقط بايدن !!! “.
وبغض النظر عن تحليلات مواقفهما من مختلف القضايا السياسية ومن تفسيرات لغة الجسد لكليهما… تقطيبة بايدن الهوليودية وتعابير وجه ترامب وإيماءاته الكثيرة , وتحليل حالتهما النفسية من خلال الحركات, والألزهايمر لدى أحدهم والنزق المفرط لدى الآخر, ولكننا بالنهاية علينا التعامل مع النتيجة التي أفرزتها المناظرة, في يومٍ من الأيام وبحسب ما تأتي به انتخاباتهم.
قد يقول البعض أن هذا ليس شأننا ولا ينبغي أن نشغل بالنا به, ولكن المؤكد أن تنصيب رئيس أكثر الدول نفوذاً وبطشاً وغطرسة, لابد أن يدخل محط اهتمامنا…وما علينا بألعاب الإيگو ( الأنانية ) بينهما, فالقادم الجديد للبيت الأبيض كما القديم لا يختلفان جوهرياً في تعامله مع شؤون منطقتنا ومصالحنا, الا أن كونهما يمثلان قوة عظمى باستطاعتها التأثير علينا, بمختلف الوسائل, الناعمة منها بالحصارات الاقتصادية أو الخشنة بشن حرب. وهو ما نشهد وطأته في عراق اليوم والذي يفرض علينا التعاطي معه.
انتشار فيديوهات التهكم على الرئيس الحالي جو بايدن ومظاهر الوهن والشيخوخة البادية عليه على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام, لا تنفي وجود سلوكيات وسمات سيئة لدى غريمه ترامب, لا تؤهله ليكون رئيساً لدولة عظمى تتحكم بمصير الكون.
يذهب منتقدو الرئيس السابق دونالد ترامب إلى القول أن أحد مثالبه, أنه لم يُشعل حرباً, كما من سبقوه من رؤساء أمريكا الجمهوريين, ويعتبر البعض ذلك نقصاً أو هِنة أو ضعفاً في سيرته كقائد .
في حقيقة الأمر أن البلد الوحيد الذي أراد قائد العالم الحر ترامب غزوه لتغيير نظامه هو فنزويلا التي كانت تعاني من مشاكل سياسية, عندما أعلن زعيم المعارضة اليميني خوان كودو نفسه رئيساً للبلاد أملاً بدعم الغرب مطامحه في السلطة وإسقاط غريمه السياسي الرئيس الشرعي اليساري نيكولاس مادورو, بعد زرع CIA بذور عصيان يميني لم يتبناه لا الشعب ولا الجيش.
الباحث في الشؤون السياسية Daniel W. Drezner أشار أن الرئيس ترامب, في حقيقة الأمر, لم يتعد مرحلة النمو الطبيعي الاعتيادي, فهو يحيا بسلوكه فترة ما بعد الطفولة الأولى, وهو ما يطلق عليه باللغة الانكليزية ” toddler “, وأكد ذلك في مؤلفه الموسوم ” Toddler in Chief ” ( طفل في موقع المسؤولية ). وأثبت مظاهر ذلك وما يمكن أن تكون العواقب. فعندما يُظهر رئيس الولايات المتحدة لسمات نمو لطفل بين سنته الأولى والثالثة مثل عدم القدرة على التركيز لفترة طويلة, وضعف التحكم بردود الأفعال والاندفاع دون تدبر وكذلك الوقوع في نوبات غضب طفولية… واضطرابات العناد والتمرد, فإن ذلك يفقده الأهلية لقيادة العالم الحر.
العاملون مع الرئيس السابق ترامب كانوا يعرفون بطبائع الطفل المشاغب لديه وتعاملوا معه بضبط النفس والمسؤولية في تنفيذ طلباته.
عندما كان ترامب في سنته الرئاسية الأولى, كان مستشاروه من ذوي الخبرة بالشؤون الدولية مثل وزير الخارجية Rex Tillerson والمستشار لشؤون الأمن الوطني الجنرال H.R. McMaster يتملصان من اصراره لمعرفة أسباب عدم غزو هذا البلد المتمرد على الارادة الامريكية, المسمى فنزويلا, تارة بمحاولة إقناعه بعدم الجدوى وتارة أخرى بتجاهل أوامره, وانتظار ملله بعد حين من متابعة أمر احتلال كاراكاس هذا.
أحد الأمثلة الملموسة للنزعات الطفولية لديه هو صفة أطلق عليها علماء نفس أمريكيون ” التركيز القصير ” الناتجة عن فرط النشاط الحركي النفسي مع العجز عن التركيز والانتباه.
هذه الحالة مقبولة بالمطلق لدى طفل بعمر السنتين ولكن وجودها لدى شخص بلغ السبعين تعني بدايات الخرف.
رئيس الناتو Jens Stoltenberg ينس شتولتنبرج نقل لأحد الدبلوماسيين الأوروبيين أن رئيس الولايات المتحدة لديه قدرة تركيز لا تتعدى 12 ثانية. وكل من عمل معه, بما فيهم مرؤوسيه يتفقون مع هذا التقييم :- كان الرئيس ترامب يسأل سؤالاً وفي غضون دقيقة يطرح سؤالاً اخراً ليس له علاقة بموضوع البحث.
نقل موظفو إدارته, أيضاً, أنه لم يكن باستطاعته قراءة تقرير يتكون من عشر صفحات, لنفاذ صبره السريع… ولحل هذه المعضلة, عملوا على تهيئة أشخاص ليقوموا بطرح مضامين التقارير الرسمية عليه شفهياً وبإيجاز, لكن تبين أن الرئيس لا يستمع بنفس القدر الذي لا يقرأ به, ولا يملك الصبر للمتابعة حتى النهاية… ثم حاولوا اختصار خطاباته في أكثر قضايا العالم أهمية في نصف صفحة على طريقة تويتر معززة بصور وافلام لتيسير استيعابه للمعلومات, ولكنها لم تفلح أيضاً.
اخيراً فكر موظفو مجلس الأمن الوطني بوضع اسمه في كل فقرة من تقاريرهم, على أمل أن تدفع الرئيس, بما لديه من نرجسية, على متابعة قراءتها حتى النهاية.
إحدى الصفات الأخرى لقائد العالم الحر المستقبلي, سهولة الوقوع في نوبات الغضب الطفولية وعدم القدرة على التحكم بعواطفه وهي أشبه بحالة الطفل الغاضب الذي يفترش الأرض ويرفس, رافضاً النهوض… طبعا الرئيس ترامب لم يصل إلى هذا الحد بحكم العمر والموقع, لكنه غالباً ما كان يزعق على شاشة التلفزيون عندما تعرض ما لا يرضيه من مواقف.
وحسب ما نُقل, أنه يقوم بإهانة العاملين معه علانية لكنه بعد ساعتين يتعامل وكأن لا شيء حصل…
لا يتحمل أي نقد إعلامي, لذا قام موظفو إدارته بحجب المقالات ووجهات النظر التي تغضبه وتقديم ما يريحه, لهذا كان رئيس أقوى دولة في العالم قليل الدراية بما كان يحدث حقاً وما يدور حوله… لكنه عندما يكتشف أمراً أخفي عنه يثور غضباً.
كما سجلت إدارته بأنها الأكثر تدويراً للأشخاص في المناصب منذ أربعة عقود, وهذا دليل عدم استقرار وتخبط.
أثناء دراستي في بولونيا, كان ناشطو منظمة التضامن المعارضة للحكومة الاشتراكية الحاكمة حينها, يهزأون من صورة للزعيم السوفيتي السابق ليونيد بريجنيف, الذي بلغ من العمر عتياً, في إحدى مؤتمرات الحزب الشيوعي السوفيتي وتتكدس أمامه مجموعة كبيرة من الميكروفونات التي تنقل خطابه, بأنها ليست ميكروفونات لاقطة وإنما لنفث الأوكسجين.
أن الحقائق المطروحة عن حالة المتنافسيّن على رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية السلوكية والنفسية تجعلنا وضع أيدينا على قلوبنا خشية على مصير العالم من هكذا رؤساء يتحكمون بمصير البشرية, بضغطة واحدة على الزر النووي.
بكلمة واحدة, كلما كانت الأمور صعبة للولايات المتحدة تكون الحياة أسهل للبشرية !
*يك – تعني بلغة الشعوب الهندو – أوربية, رقم واحد.
يك حساب تعبير عراقي متداول يعني لا فرق.
استقيت بعض معلومات مقالي من مقال للصحفية البولونية أغنيشكا فوّك – وانيفسكا في اسبوعية نيه ( كلا ) اليسارية البولونية.