منذ مجزرة الحويجة ولغاية فض إعتصام الأنبار والفلوجة وبدء الهجوم البري والجوي عليهما ومن ثم التوسع الغير معقول للمداهمات والإعتقالات وإكتضاض السجون بالمعتقلين من كل حزام بغداد و ديالى على وجه الخصوص قصف بالطائرات والمدفعية والراجمات ومجازر جماعية شبه يومية تقوم بها (مليشيات شبه رسمية من العصائب وحزب الله ومن لف لفهما) تنشط في وضح النهار وبشكل علني بمشاهد تذكرنا بمجازر عصور الظلام والشعوب المتخلفة من آكلي لحوم البشر المتبرقعة بالدين و حماية المذهب التي أصبحت فوق القانون وفوق الدولة بمراحل بل تجاوزت حتى على المراجع و بعلم الحكومة وبالتنسيق مع بعض أجهزتها الأمنية أو على الأقل بمباركتها وصمتها المخزي بل و (المريب)! وتهجير من الأنبار والفلوجة وأبو غريب والكثير من قرى محافظة ديالى وشمال بغداد وجنوبها و يقابلها تفجيرات ومفخخات وإنتحاريين بشكل محموم وغير معقول تستهدف الأبرياء والشباب والمتسوقين في ظل إجراءات أمنية فوق المشددة وتدمير سدة الفلوجة بشكل غامض وغير مفهوم وفيضانات بدأت تهدد الكثير من مناطق الفلوجة وحزام بغداد الغربي! إضافة إلى خزعبلات (داعش) وإستخدامها كمبرر جاهز لأي شيء تريد أن تفعله الحكومة مخالفاً للقوانين ولحقوق الإنسان ومبرراً للقتل والتهجير والقصف بالمدفعية والراجمات والطائرات على البيوت والعوائل الآمنة والناس . أضف لها الإجراءات الناعمة إقصاء مرشحين مؤثرين ولهم مكانتهم الشعبية ولهم حضورهم الإنتخابي وتقديم منافسين لهم وفرضهم بكل الوسائل الممكنة غرامات تهديدات إعتقالات لمرشحين وإذا أقتضت الضرورة إغتيالهم وتغيبهم شراء بعض المرشحين وتهديد الآخرين إتفاقات ومساومات وتنازلات فبركة فضائح أو إثارة فضائح ومشاكل و…الخ
والغريب أن كل ذلك جاء متزامناً مع إقتراب يوم الإنتخابات وتصاعد مع تصاعد الصراع الإنتخابي في سعي محموم لتشكيل المشهد الإنتخابي وتتصاعد كلما زادت المؤشرات والكثير من الملاحظات على أن لا ولاية ثالثة للمالكي ولدولة القانون !.
لا يمكن في ظل كل ما تقدم أن نستبعد أن ما يحدث الآن من حرب في الأنبار وضواحيها وبغداد وضواحيها و ديالى وضواحيها على وجه الخصوص هي جزء ليس من المشهد والصراع الإنتخابي فحسب بل هو بكل تأكيد إعداد لميدان ما بعد الإنتخابات والتحضير لمواجهة كل الإحتمالات المتوقعة (فوز المالكي أو خسارته) وبلا شك أن السيد المالكي وبما يمتلك من أجندات ومساومات (أمريكية إيرانية) عرف بها بشكل علني وعلى مدار حكمه لثمان سنوات الماضية أنه (سيد المساومات) وهو الرجل الذي تمكن بالفعل من إرضاء الأمريكان والإيرانيين في نفس الوقت وهو الرجل الذي فرضه الأمريكان والإيرانيين على العراقيين وعلى قانون الإنتخابات وعلى كل مبادئ الديمقراطية منذ إن عرفت الديمقراطية إلى يومنا هذا ! وبناء على هذا فإنه على أتم إستعداد لتقديم أي ثمن والتضحية بكل شيء مقابل الإحتفاظ بقيادة ليس الحكومة بل (الدولة والحكومة) والذي نحج بها فعلاً فهو الممسك بإدارة البرلمان وتشريع قوانينه إلى حد (كبيرجداً) وهو الذي طوع القضاء وسخر بعض القضاة لتمرير كل ما يشاء والحكم على من يشاء بما يشاء! وهو الذي سخر كل إعلام الدولة لصالحه والترويج لشخصه وهو الممسك بقبضة (فولاذية) وبشكل قانوني وغير قانوني بكل الأجهزة الأمنية من (جيش وشرطة ومخابرات وطيران الجيش والقوة الجوية والأجهزة الخاصة والمليشات المسخرة والكثير
من القتلة والمجرمين) “إستثناء أجهزة المرور الذي صب جام غضبه عليها وأعتبرها أساس البلاء في البلاد!” وبقائه في هذا الموقع أمر غاية في الخطورة والأهمية لأن زواله منه يعني إنكشاف الكثير من الأسرار التي تهدد وتزلزل الكثير من التوازنات السياسية المحلية والإقليمية بل وحتى الدولية لذا فثمن إزالة المالكي من موقعه لا يدفعه المالكي لوحده بل تدفعه الكثير من القوى السياسية الإقليمية والدولية التي تحالفت معه وأمنت له بقائه في السلطة وقدمت له الدعم إلا محدود كي يستمر في السلطة وأسقطت كل المحاولات السياسية وغير السياسية لتنحيته وتقديم بديلاً له ؛ نعم ستنكشف الكثير من الإسرار التي ستهز المشروع الأمريكي في العراق والتي ستهز الكونجرس الأمريكي ! وكذلك سينكشف المشروع الإيراني فيه وستكشف أسرار هذه التفجيرات والاختراقات الأمنية وتسخير أجهزة الدولة ليس لمصلحة المالكي لوحده بل لكل الأطراف المستفيدة من المرحلة السابقة ؛ نعم إن أزاحة المالكي من السلطة والحكومة سيحدث هزة سياسية كبرى لا قبل للعراق على تحملها وستقلب الكثير من المفاهيم وستعري الكثير من الأوهام المصنوعة أمام حقائق مذهلة جداً أكبر بكثير من المالكي وما تبقى من حزب الدعوة ولا يمكن أن تسمح به لا إيران ولا أمريكيا فضلاً عن الكثير من القوى الداخلية وعلى رأسها الأجهزة الأمنية المتورطة في صناعة الواقع السياسي المأساوي في العراق (بكل مآسي العراق المتنوعة) وهي أجهزة طاغية ومتمكنة وممتدة بشكل سرطاني محموم وتمسك بكل مفاصل الدولة المؤثرة ولا يمكن أن نتصور ببراءة سياسية أنه لا يعدوا أن يكون إنتقالاً سلمياً ديمقراطياً للسلطة والتي ستبذل كل الجهود القانونية وغير القانونية المدنية والعسكرية والمليشياوية والتي سالت وستسيل معها الكثير من الدماء البريئة لتشكيل الخارطة الإنتخابية وضمان بقاء المالكي ودولته الخفية وبقاء الأمر على ما هو عليه مع تغييرات محدودة ومسيطر عليها وبأي ثمن كان .
ولكن لو حصل ما هو خارج نطاق السيطرة وقال الشعب كلمته بشكل حاسم لا يجدي معه كل هذا السعي المحموم وكل هذه الحروب والدماء والقتل والعزل والإجتثاث وبكل التزوير المتوقع والذي بداء قبل موعد الإنتخابات بوقت طويل (وأغلب أفراد الجيش والقوات الأمنية على سبيل المثال لا الحصر) لو حصل وجاءت نتيجة الإنتخابات بغير ما تريده القوى التي تقف وراء المالكي فما هو البديل وهل ستسلم تلك القوى للنتائج بروح ديمقراطية بريئة !؟
لابد أن نتوقع سيناريوهات لمنع مثل هذا التغيير (المستحيل) منها إيقاف الإنتخابات في اللحظة الأخير لحدث جلل (تفجير مرقد أحد الأئمة ؛ حرب طائفية في شوارع بغداد تقوم بها مليشيات “خارجة عن سيطرة الدولة” ؛ فيضانات تغرق بغداد وتستوجب معها إعلان حالة الطواريء وتأجيل الإنتخابات ؛ إعلان حالة الطواريء لأي سبب مصطنع مخلوق ؛ سيطرة داعش على مناطق مهمة من بغداد “العامرية , الغزالية ، الدورة ؛ الخضراء ،…” ؛ سيطرة مليشيات على بعض المدن في بغداد “مدينة الصدر ، الشعلة” وحصول حرب شوارع بين المليشيات المتصارعة ؛ تفجير يستهدف تجمع لقادة كتلة معينة “التيار الصدري أو القائمة العراقية” الأمر الذي لا يمكن أتمام الإنتخابات بسبب إستشهاد الكثير من القادة السياسيين المؤثرين ولذا لابد من تأجيلها إلى إشعار آخر ؛ تفجير البرلمان ؛ … ) المهم بقاء المالكي بأي ثمن كان بالديمقراطية أو بدونها بطريقة مبررة أو غير مبررة قانونية ودستورية أو بخلاف القانون والدستور بثمن بسيط أو بكارثة كبرى تطول الشعب العراقي بكل طوائفه وقومياته وأديانه !! . قد يقول قائل إن ذلك مبالغ فيه ولكني أرجوكم أن
تراجعوا ما حدث خلال الشهرين المنصرمين هل فيه من المعقولية شيء ؟ ولو حدث ما حدث فماذا انتم فاعلون ؟!
الجواب مع الأسف لا شيء !