18 ديسمبر، 2024 6:13 م

بـوحـديد مسرحي لا يعـوض

بـوحـديد مسرحي لا يعـوض

وجوه

حينما تقف أمام المرآة، لتسترجع وجوها من خلال وجهك. وجوهتعْـرفها وعاشرتها وتعايشت معَـك عن قرب، طبيعي إنه ( الزمان) بعض منها تلون بتلون الوهم ! وبعض منها انسحب من المشهد الإبداعي والفني، لأسباب ذاتية ؟ وبعض البعض ظل إلى حين ينحت في الصخر، ايمانا باللذة السيزيفية،  وعشقه الأبدي لأبي الفنون. لكن طبيعة الوضع المستهجن، وتفاقم اللوبيات، سعى من كل الزوايا أن ينسف ذاك العشق، وبالتالي انهارت قيم المسرح في المغرب، ولم يعد إلا اللهاث والهرولة نحو الدعمكأن المسرح يصنعه المالبالعكس تصنعه الإرادة والرغبة والرجالات الصادقة، فبوجود رجالات والتي كانت تضحي بوقتها وبقوت يومها. من أجل إعلاء كلمة المسرح في الفضاء والمحيط الذي تنوجد فيه تلك الأيادي الناصعة ، ناصعة وبدون مزايدات من عملاء الإحباط. بحيث الساحة المسرحية عبر ربوع المملكة، تتوفروتحمل في أحشائها رجالا ونساء، كانوا قرابين للمسرح.

إذ يعتبر المسرحي عبد السلام بوحديدواحد من القرابين ومن زمرة الأثريين في الميدان المسرحي، ولا نغالي هاهنا، بأنه يعَـد رمزا من رموز المسرح الطنجي، لكن المؤسف جدا لم ينل حظه من التعريف والمواكبة ، كأحد قيدومي الحركة الجمعوية والثقافية ومن الفعاليات الأساس في النسيج المسرحي بطنجة. فحتى الإعلام المحلي وشباب المسرح لا يهتم أو يحاول ممارسة نوع من البحث عن مثل هاته الأسماء والوجوه التي لازالت قيد الحياة ؛ لتوثيق ما لا يستطيع أحـد توثيقه في المستقبل وإن كنا نعلم مسبقا أن (( لصوص المعلومات )) سيتبنون هاته الورقة بدون ذكر [مرجعها ] إنه طبع { أشباه الباحثين}- وأبعَـد من هـذا يمكن أن تفيد التجربة الفنيـة (الحالية ) ليس بالنصائح والإرشادات؛ بل من باب المؤانسة والسند المعنوي ، لفهم مكونات النسيج المسرحي . ماضيا لخلق نوع من المقاربة بين ماكان وماهَـو كائن توثيقيا وتاريخيا. وممارسة. ولكن يبدو أن العَـبت يُمارسُ علينا ؟ أو نحن نُمارس العبت؟ أمام مشهَـد لم يعُـد يبالي بأي شيء[ ؟ ! ؟] وإن تمت التفاتة الرائعة للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي بطنجة في ( الدورة 11/ 2017 ) بتكريمه . وقبلها بتطوان في ( الدورة– 18/2016) من المهرجان الوطني للمسرح. فكان من باب الأولى أن يتم تكريمه ، من لدن الجمعيات الطنجاوية. قبل هذا الوقت ؟اعترافا لمساهمته الغنية  والحافلة بالعطاء والإشعاع في المشهد الثقافي والمسرحي بشمال المغرب، ولا يمكن أن ينكر التاريخ ، ولو حاولت بعض الأيادي/ العقول الآثمة ممارسة القفز عن بعض الوجوه، أو محاولة محوها كفعاليات في المشهد الثقافي والمسرحي ببلادنا ف بـوحْـديدمسرحي لا يعـوض،  في الساحة المسرحية المغربية عموما، إذ يعتبر بدون منازع من الوجوه الدينامية في زمن دينامية المسرح. ومن قـُدامى الممارسين المسرحيين بجهة الشمال، رفقة أسماء ووجوه كانت من رواد مسرح الهواة بالمغرب. لكن تـَنـكـَّر لها الفضاء ومسرحيوه: كعبدالعزيز شقرون/مصطفى الخمسي/ علي العمراني/محمد الصنهاجي/ محمد أبوزيد/ع العزيز الناصري /…/ وهؤلاء لازالوا على قيد الوجود.

مــسارات :

بداهة أن مسار عبد السلام بوحديدحافل بالعطاء والحركية ، بعدما رأى نور الوجود عام1940 وبدأ يحتك مع دروب طنجة الدولية ، ونيله مقـعـدا دراسيا بثانوية محمد الخامس، وانخراطه في المشهد الفني ، بهَـوس لا نظير له ،  لخدمته ، ولتلبية رغباته كذلك ؛ وصقل شخصيته وموهبته  من خلال مسارات متعددة  /التشخيص/ التأليف/ التسيير/التنظيم/…/ ابتداء من عام 1954 حينما شارك في تأسيس جمعية  نور العملالمسرحي، التي قدمت  مسرحية نهاية الظالموالتي شخص فيها مع بعض الاخوة. وفي سنة 1956انضم الى جمعية الوعي القوميوشارك في عِـدة أعمال تحت إشراف المرحوم [ع السلام الشاوني ] لذي كان مؤلفا ومخرجا للجمعية. ومن بين تلك الأعمال/ عاقبة الفساد/ اللقيط/ جريمة شاب/ مال الشيطان/الوصي /…/ والغريب أن هاته العروض لم تكن محصورة في طنجة بل امتدت للعديد من مدن الشمال ) ذاك الوقت) لكن في سنة 1959 سيغيـر الفنان عبد السلام بوحديدمساره بتأسيس فرقة الاتحاد المسرحي الطنجي رفقة المرحوم ع السلام المرابط / محمد الصالحي/محمد المراكشي / محمد غيلان /أحمد الصالحي/…. / حيث مثل معهم مسرحيتين الخيانة والنفاق / سقوط غـرناطة / لكن مضايقة السلطات لهاته الجمعية بالذات، ساهمت في عودة المسرحي عبد السلام بوحديدإلى جمعية الوعي القومي“1960 ومن خلالها شارك  بوحْـديدفي تدريب وطني بغابة المعمورة مسار تكوين الممثل”  لكن الوظيفة فرضت عليه الانتقال لمدينة الرباط، ولكن ظل كمندوب لجمعية الوعي القومي يمثلها بالعاصمة، مما أتيحت له المشاركة مرة ثانية في تدريب وطني من ( الدرجة -2) في مسار[ تكوين الممثل ] بغابة المعمورة سنة 1962 وبحكم توطيد علاقته بالجاليات ، وتواصله معها، أتيحت للجمعية بجولة فنية بكل من بلجيكا وهولندا و ألمانيا بثلاث مسرحيات من تأليف و إخراح عبد السلام الشاونيوذلك  في 1965 وبعْـد مشاركتها في المهرجان الوطني لمسرح الهواة[ الدورة-8/1966]بالرباط بمسرحية من وراء الستارو هي من تأليف و اخراج عبد السلام الشاوي. أصبح ع السلام بوحديدرئيسا للجمعية الوعي القوميفي 1968 بحيث أغلب أعمال الجمعية كانت له أدوار مُهمة ؛ والتي أتقنها وأبهر الجماهير بأدائه؛ حسب ما قيل لي ممن شخصوا معه بعض الأعمال، ولم يقتصر دوره في التسيير والتمثيل بل مارس الإقتباس والتأليف والإخراج كمسرحية الطماع/من المسؤول) إنجاز(للجمعية الوعي القومي ولكن البعض ينسب تأليفهما للمرحوم ( الشاوني) ومع جمعية النهضة الثقافية التي أسسها في 1972 ألف  نص /أصوات القادمين /الانتخابات / بين البارح و اليوم/ هاته الأخيرة تم إعطاؤها صفة [الجماعي] وفي هاته الجمعية : قام بإخراج مسرحية لمن أشتكي”  ومنها انطلق يمثل طنجة :كمستشار في المكتب الأول للجامعة الوطنية لمسرح الهواة سنة -1975  – الذي ترأسه (ع الكريم بناني( [مراكش] ولم يفلح؟ وأعيد انتخاب مكتب ثاني في 1976 فكان  الفنانع السلام بوحديد من ضمنه كنائب الكاتب ، بحيث عاش ردحا من الزمن مع الجامعة !  لكنه لم يستطع البوح عما كان في كواليس هذا الكائن العجيبفي المشهد المسرحي ، ولاسيما أنه ساهم في تأسيس الاتحاد المغاربي لمسرح الهواة . وظل متشبثا بالجامعة ، حتى أنه رفض مشاركتنا والمساهمة في تأسيس الشبكة الوطنية للمسرح التجريبي؛ والتي تأسست في عـقـر داره ( طنجة ) ؟؟

الــظــاهـرة :

فالمبدع عبد السلام بوحديديعتبر مسرحي شامل وظاهرة  تستحق الوقوف عنها في النسيج المسرحي، بعلاقته بالبنية المجتمعية . بمعنى: أن نشاطه المسرحي يتوازى ووظيفته بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، طبعا المسألة لا يحذوها المنع مثل وظائف [ حمل السلاح] ولكن هو كيف استطاع أن يكافئ بين هوسه ، ومحيطه الوظيفي الذي يغلب عليه الطابع الديني الصرف؟ وأن يوازي بين نشاطه المسرحي و نظرة الفقهاء للفن عموما وقضية التحريمالتي هي المعيار الموجه للمسرح والطرب عموما ؟  ولاسيما أن للحاج بوحديدعلائق وطيدة مع الخطباء والأئمة والوسط الديني كله ، وفي نفس الوقت يحْـضر مَـواسمأغلب الأولياء المحيطة بالشمال، هَـذا حق فردي، وغِـداء روحي له ولغيره ، لكن هل المسرح كان لا يشبع روحه ؟ ما أعتقد ، فطـُعْمـُه وطـَعامُـه [[المسرح]]: باعتبار أنه كان يتحمل مسؤوليات متعَـددة،من جوانية المسرح، كرئيس جمعية النهضة الثقافية و الكاتب العام للاتحاد الإقليمي لمسرح الهواة ورئيس مجلس دار الشباب حسنونة وعضو في الجامعة الوطنية لمسرح الهواة  !

هنا نستشف نوع من النضالية المتفردة بين الموهبة  والعشق والوظيفة ذات إطار ديني بدون مواربة أو مزايدات، ولربما الإطار الوحيد في هَـذا القطاع الذي انغمس في عوالم الإبداع والثقافة ؟ربما هنالك مؤثرات لاشعورية خلفتها علاقة “الثقافة والأوقاف” التي كان وزيرها أنذاك: الأستاذ المكي الناصري ” في بداية السبعينيات من ( ق ، م ) إضافة لعلاقته قيد حياته ب” محمد حَـداد” المناضل القـح والذي يعتبر من الرعيل الأول في المسرح المغربي وفي الشمال ( طنجة) بحيث في أوج عطاء [ ع السلام بوحديد] الوظيفي شارك في المهرجان الوطني لمسرح الهواة بتطوان( الدورة- 20/1980)إذ شخص في مسرحيةفي انتظارزمن الجنونتأليف رضوان حدادو”/اخراج عبد العزيزالناصري وظل صامدا حتى ساهم في تأسيس الفرع النقابي للمسرحيين عام 1993 و تحمل مسؤولية الأمانة الجهوية للفرع .

فالحديث عن وجوه لم تنخرط في زمرة اللوبيات والمناوراتوالدسائس، أفضل ومن باب الأولى أن يهتم بها أي مهتم بالمجال المسرحي، ليس تقديسا أو تصنيما ـ بل : تشريفا لهم وتعريفا بكفاحاتهم في المشهد الثقافي والمسرحي… وإن كانت لهم هفوات وأخطاء بدل اللغـْو والإطناب ، واللهث وراء أضواء حارقة وسيولات مالية ، تساهم في هَـدر الكرامة ، والانبطاح كلي (هذا واقع)[ الآن] ولا نغالي بأن هنالك وجوه وأسماء ، تضاهي ” الحاج- ع السلام بوحديد في العطاء والتضحية؛ ولكن يبقى شيخنا  قيدوم ثم قيـدوم المسرحيين بدون منازع ، ورجل بما تحمله الكلمة من معنى ، في الجـد والتضحية والمساعدة والضبط والحزم.

وبناء عليه ؛ فهاته الأسطر ما هي تدوين سريع لتاريخ رجل/ علامة ساهم بكل ثقله في بناء صروح مسرح فاعل وفعال والذيحاولتْ و تـُحاول بعض الأيادي الماكرة هَـدمـه من أجل تسويق التفاهة والتسطيح في السوق الثقافية والإبداعية .وبالتالي لا تدعي لنفسها الإحاطة والشمولية في حق ”  ع السلام بوحديد المسرحي الحر الذي لا يمكن بأية حال من الأحوال أن  يعَـوض في منطقة الشمال…..