كانت جميلةُ بعين كل من زارها، وكانت حلمٌ يراود كل ذي حس مرهف وكل عالم ومبدع، ازدهرت وانتصرت من عهد مؤسسها المنصور في القرن الثامن، وارشدت كل طلاب العلم والمعرفة والثقافة والفنون في زمن الرشيد، فأصبحت عاصمة العالم القديم، وكانت شهرزاد تقص علينا اجمل الروايات في الف ليلة وليلة، فقالوا عنها الشعراء اجمل ما قيل في مدينة او حتى حبيبة، وصفها امير الشعراء احمد شوقي فقال:
دع عنك روما واثينا وما حوتا كل اليواقيت في بغداد والتوم
دار الشرائع روما كلما ذكرت دار السلام لها القت يد السلم
وتغزل بها عبد المحسن الكاظمي فقال:
أبغداد أبشري وثقي بأني بحبكِ سالك سُبل التفاني
ولو اُعطيت مُلكَ الأرضِ طرا بغيرِ هواكِ عَيشي ما هناني
تعرضت بغداد لإنتكاسات متعددة عبر التأريخ، ففي 10 شباط من عام 1258م غزاها المغول والتتار، ومع حلول بدايات القرن السادس عشر تبادل الصفويون والعثمانيون السيطرة عليها، حتى استمرت سيطرة العثمانيين عام 1535م فظلت تحت حكمهم قرابة 4 قرون، وفي عام 1917م سيطر الإنكليز على المدينة كما هي الحال في معظم مناطق العراق الاخرى التي اصبحت تحت الانتداب البريطاني، عانت بغداد في مراحل طويلة من التاريخ ماعانت وفقدت مكانتها بين العالم الا انها لم تفقد مكانتها بين اهلها، وكانت تنهض بعد كل احتلال لتعطي العبر والدروس لكل شعوب الارض عن عراقتها واصالتها وتجددها وتألقها الذي ابهر العالم اجمع فأصبحت عاصمة المملكة العراقية في عام 1921م ، ومن ثم عاصمة الجمهورية العراقية عام 1958م.
يا قلعة الاسود يا كعبة المجد والخلود هذا ما تغنت به كوكب الشرق ام كلثوم لبغداد عام 1958م بعد قيام الثورة ، وتغنت فيروز بأعذب الالحان فتغنجت بغداد وتألقت من جديد، والكثير تغنوا بمجد بغداد وزهوها، كان اهل بغداد يحملون كتابا اينما رأيتهم يتجولون واليوم اراهم يحملون البنادق والاسلحة، كانوا يتزينون باجمل الالوان واليوم غلب السواد عليهم، كنت اسمع اصوات الافراح في الازقة واليوم اسمع اصوات البكاء والعويل، اليوم اغتصبت مدينتي من قبل اصحاب العقول المتحجرة واصبحت سجينة بمعزل عن اخواتها، فلم تكفيهم جراحها فأجتمعوا لقتلها وحوطوها بسور كونكريتي لتشعر بغداد بالوحدة وكأنها في سجن انفرادي.
بكيت عليك يا بغداد وانا اكتب مقالي هذا وأترجى وأدعوا الجميع ان ينصروا بغداد وان نحفظ هيبتها وعزها ولتعود لحظن العراق مع اخواتها.