23 ديسمبر، 2024 6:38 م

بغداد والمطر و أبو جعفر المنصور

بغداد والمطر و أبو جعفر المنصور

في مستنقع الفساد تركد الآلاف من الملفات الفاسدة لا يطفو منها على السطح إلا من شاء حظه العاثر وتعثر في توزيع الغنائم وما يصاحبه من الغبن في تقسيم الحصص فتطفو هذه الملفات ذات الطالع السيئ على سطح الفضيحة حُبلى بأزمة جديدة تتناولها سهام  الإعلام  وتقذف بها على موائد أحاديث الشعب كوجبة دسمة تحل محل مفردات البطاقة التموينية (رحمها الله واسكنها  مع رفيقاتها  نار في بطون سُراقها ) أزمات كثيرة لاحقها يغطي على سابقها كأوراق اللهانة الورقة الأكبر تغطي على الورقة الأصغر  . فما نكاد ننسى الأولى حتى تداهمنا أختها  بفضيحة أبشع واكبر وهكذا هو الحال الذي حول الحكومة من حكومة خدمات إلى حكومة أزمات . فهي لا تجد سبيل للخروج من تلك الأزمات سوى باللجوء تشكيل لجان  تحقيقية  لتقصي الحقائق ومعرفة الأسباب وتحديد هويات المذنبين ورغم أن هذه اللجان لم يحالفها الحظ ولا مرة واحدة في الكشف عن الجناة وتقديمهم للعدالة فهي تكتفي بنهاية جهودها بعبارة (قُيدت ضد مسؤول )عفوا ضد مجهول ! ومن الغير الممكن محاسبة المجهول  ليس لأنه مجهول بل لان هذا المجهول مُحصن بطائفة وحزب لا يمكن لأي جهة قانونية أو شرعية إختراق أسوار حصُونه المنيعة وحصانته التي توفرها له هاتان النعمتان الغير مجهولتان . إلا أن الحكومة الرشيدة لا تجد سبيلاً للاستغناء عن هذه اللجان الجاهزة والمعلبة   لأنها أفضل مورفين لديها تحقن به غضب الشارع  لمعالجة أي أزمة تواجهها . فحين أعلنت مؤخرا أحدى المنظمات الدولية (أن بغداد أسوأ مدينة للعيش) !! لجأت الحكومة إلى تلك اللجان التحقيقية  لمعرفة الأسباب الحقيقية التي استندت عليها تلك المنظمة بدرج بغداد كأسوأ مدينة للعيش . وهل أن عدم توفر الخدمات من ماء وكهرباء ومجاري ومدارس ومستشفيات سببا وجيهياً ومنطقياً لوضع بغداد  في مثل هذه المرتبة السيئة ؟؟ وإن كان هذا هو السبب  الحقيقي فحقاً أنها منظمة جائرة وظالمة ومنحازة !   أبو جعفر المنصور ! هو المسؤول عن وضع بغداد في هذه المرتبة المتدنية من العيش ! هذا ما توصلت إليه اللجان التحقيقية  التي حالفها الحظ لأول مرة منذ تاريخ وجودها  لتكشف النقاب عن الجاني الحقيقي ولكونه مستقل لا ينتمي إلى حزب معين ولا إلى طائفة معينة يلوذ بها من طائلة القانون فقد اخذ القانون مجراه  سريعا وتم رفع رأسه ليكون عبرة لمن اعتبر !  استنكرنا بخجل وغضبنا باستحياء وصرخنا بصمت لهذا الفعل المشين ضد مسؤول لاحول له ولا قوة ولا طائفة ولا حزب لكن غضب الطبيعة كان اعنف وأقوى من استنكارنا حين أقسمت بأنها ستكشف بأمطارها الغزيرة عن واحد من الآلاف الملفات الفاسدة والراكدة في مستنقع الفساد وهو ملف أمانة بغداد وأمينها الغير أمين عليها . ساعات معدودة من المطر أظهرت براءة أبو جعفر المنصور من التهم الموجه إليه فأطلق سراح رأسه لعدم ثبوت الأدلة ! ساعات معدودة من المطر أظهرت لنا حجم المأساة وحقيقتها المرة التي تجرعنا مرارتها في كؤوس العوز والجوع والظلم والفقر على أيدي نخبة من الفاسدين الذين أثبتت لنا سنوات حكمهم العجاف عن سوء اختياراتنا لهم . بغداد الجميلة مزقتها الأيام الدامية وحصدت أرواح أبناءها السيارات المفخخة واليوم يحصد الثلاثاء الماطر أرواح الأبرياء وأرزاقهم ومساكنهم اختلفت الأيام والموت واحد اللهم أغثنا بأمطار كأمطار الثلاثاء الماضية تكشف  لنا فساد الوزارات الباقية وتعريها كما تعرت الأمانة وأمينها .